صفحة الكاتب : نزار حيدر

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ السَّادِسَةُ (١٤)
نزار حيدر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

   {يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا}.
   هذا يعني أَنَّ العلمَ لطفٌ يأتيهِ الله مَن يشاءُ من عبادهِ {فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا} وقولهُ تعالى {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا ۖ وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ} فلماذا يستكثرُ البعضَ العلم الذي أَودعهُ ربُّ العزَّة بأَهل البَيت عليهمُ السَّلام؟!.
   يَقُولُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) {تَاللهِ لَقَدْ عُلِّمْتُ تَبْلِيغَ الرِّسَالاَتِ، وَإِتْمَامَ الْعِدَاتِ، وَتَمَامَ الْكَلِمَاتَ. وَعِنْدَنَا ـ أَهْلَ الْبَيْتِ ـ أَبْوَابُ الْحُكْمِ وَضِيَاءُ الاَْمْرِ}.
   ويَقُولُ الإِمامُ عليُّ بن الحُسين السجَّاد زَين العابدين (ع) {أيُّها النَّاس، أُعطينا ستّاً وفُضِّلْنا بسبعٍ، أُعطينا العِلمَ والحِلمَ والسَّماحةَ والفصاحةَ والشَّجاعةَ والمحبَّةَ في قلُوبِ المُؤمنِينَ، وفُضِّلْنا: بأَنَّ منَّا النبيَّ المُختار، ومنَّا الصدِّيق، ومنَّا الطيَّار، ومنَّا أَسدُ الله وأَسدُ رسولهِ، ومنَّا سيِّدة نساءِ العالَمينَ ومنَّا سِبطا هَذِهِ الأُمَّة ومنَّا مهدِيُّها}.
   إِذن هو تفضيلٌ من اللهِ تعالى ليسَ لأَحدٍ أَن يعترضَ أَو يحتجَّ، فكما أَنَّهُ تعالى فضَّل بعض النبيِّين على بعضٍ، كذلكَ فضَّل أَهل بيتِ النبوَّة والرِّسالة على سائرِ النَّاس.
   والتَّفضيلُ الإِلهيُّ واضحٌ في آياتِ الله تعالى كقولهِ {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىٰ} وقولهُ {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي} وقولهُ {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي}.
   أَوليسَ هو القائلُ عزَّ وجلَّ {ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}.
   خُذ مثلاً مِن أَهْلِ البيت (ع) الذين قَالَ عنهُم ربُّ العزَّةِ {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} الإِمام الحسنُ بن عليٍّ المُجتبى السِّبط (ع) [تُصادف لَيلة (١٥) رمضان المُبارك ذكرى ولادتهِ المَيمونةِ في المدينةِ المنوَّرةِ عام ٣ للهجرةِ].
   دع عنكَ كونهُ إِمامٌ معصومٌ، فلقد تربَّى في حجرِ جدِّهِ رسول الله (ع) وعاشَ في كنفِ أَبيهِ أَمير المُؤمنينَ (ع) الذي يَقُولُ عن علاقتهِ بنفسهِ وأَخيهِ وابنِ عمِّهِ رسول الله (ص) {وَلَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُهُ اتِّبَاعَ الْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّهِ، يَرْفَعُ لي فِي كُلِّ يَوْم عَلَماً مِنْ أخْلاقِهِ، وَيَأْمُرُني بِالاقْتِدَاءِ بِهِ}.
   وللفضلِ الذي نالهُ الإِمامُ المُجتبى (ع) علماً وخُلقاً وشجاعةً، لذلك كانَ هدفاً مُباشراً لسهامِ التَّضليل التي ظلَّ يُطلقها الأَمويُّون صوبَهُ، فلا نبالغُ إِذا قُلنا بأَنَّ الحسنَ السِّبط (ع) من أَكثر أَئِمَّة أَهل البيت (ع) الذين تعرَّض لهُم الأَمويُّون بسهامِ الطَّعن والتَّضليل ونشرِ الأَكاذيب والإِشاعات المُغرضةِ وغيرِ ذلك، لأَنَّهُ (ع) فضحهُم وعرَّاهُم وكشفَ نواياهُم! ففضحَ كبيرهُم إِبن آكلة الأَكباد الطَّاغية مُعاوية بالحربِ وفضحهُ بالسِّلم! وإِذا كانت قُريش [المُشركة] قد احترمَت [ظاهريّاً على الأَقلِّ] اتِّفاقاتها وعهودَها مع رَسُولِ الله (ص) [ومنها صُلح الحُديبيَّة] ولو من بابِ العصبيَّة الجاهليَّة إِلى حينٍ، فإِنَّ الطَّاغية مُعاوية [الصَّحابي وخال المُؤمنِينَ] أَعلن جِهاراً عن نكثهِ للعهدِ وسحقهِ بقدَمَيهِ لوثيقةِ الصُّلح التي كان قد وقَّعها مع الحسنِ السِّبط (ع) قائلاً من على مِنبرِ [رسولِ اللهِ] [يا أَهل العراق، إِنِّي واللّه لم أُقاتلكُم لتصلُّوا ولا لتصومُوا، ولا لتزكُّوا، ولا لتحجُّوا، وإِنَّما قاتلتكُم لأَتأَمَّر عليكُم، وقد أَعطاني اللّه ذَلِكَ وأَنتُم كارهونَ! أَلا وأَنَّ كلَّ شَيْءٍ أَعطيتهُ للحسنِ بن عليٍّ جعلتهُ تحتَ قدميَّ هاتَين].
   ويكفي هذا كدليلٍ على أَنَّهُ لم يكُن مُلتزماً سويّاً فلا يستحقُّ أَن يكونَ خليفةً وإِماماً! لأَنَّهُ {فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ ۖ} و {أَوْفُوا بِالْعَهْدِ ۖ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} و {الَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ}.
   ولَم تكُن في سيرتهُ شيءٌ من ذلك، فكلُّها غدرٌ ومكرٌ ونكثٌ!.
   وأَكثرَ من ذَلِكَ {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَٰقَهُمْ لَعَنَّٰهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَٰسِيَةً ۖ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِۦ}.
   وهيَ السِّيرةُ التي دوَّنها التَّاريخ عن حفيدِ [حمامة] صاحبة الرَّاية في الجاهليَّةِ! وأَقصدُ بهِ مُعاويةَ!.
   فالإِلتزامُ بالعهدِ واحترام المَواثيق من أَصدقِ عُرى الإِيمان، ولذلكَ فحتَّى عندما نزلت سورَة البَراءة إِستثنى الله تعالى منها الجماعة التي لها في رقبةِ المُسلمينَ عهدٌ، فقالَ تعالى {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَىٰ مُدَّتِهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} وقولهُ تعالى {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۖ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}. 
   وأَكثرُ من هذا ما ذهبت إِليهِ الآية المُباركة {وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}.
   إِنَّهُ قِمَّة الإِلتزام بالعُهود والمواثيق، فأَينَ [كاتب الوحي وخال المُؤمنينَ] من كلِّ هذا عندما داس عهدَ الصُّلح مع الحسنِ السِّبط المُجتبى (ع) بقدمَيهِ مُعلناً نكثهِ للعهدِ وعدم إِلتزامهِ بشيءٍ وقَّع وتعاهدَ عليهِ مع الإِمامِ؟! أَم أَنَّهُ نسيَ ما كانَ يكتبهُ من وحيٍّ نزلَ على رَسُولِ الله (ص)؟!.
   وهذا هُوَ الفرقُ بينَ المدرستَينِ، مدرسةُ أَهل البيت (ع) ومدرسة الخُلفاء واللَّتانِ قارنَ بينهُما أَميرُ المُؤمنينَ (ع) عندما قارنَ بين بني أُميَّة وهُم {الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ} وبني هاشمٍ بقولهِ (ع) {وَأَنَّى يَكُونُ ذلِكَ كَذَلِكَ وَمِنَّا النَّبِيُّ وَمِنْكُمُ الْمُكَذِّبُ، وَمِنَّا أَسَدُ اللهِ وَمِنْكُمْ أَسَدُ الاَْحْلاَفِ، وَمِنَّا سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَمِنْكُمْ صِبْيَةُ النَّارِ، وَمِنَّا خَيْرُ نِسَاءِ الْعَالَمِينِ وَمِنْكُمْ حَمَّالَةُ الْحَطَبِ، فِي كَثِير مِمَّا لَنَا}.
   وقولهُ في كتابٍ إِلى مُعاوية {وَأَمَّا قَوْلُكَ: إِنَّا بَنُو عَبْدِ مَنَاف، فَكَذلِكَ نَحْنُ، وَلكِنْ لَيْسَ أُمَيَّةُ كَهَاشِمَ، وَلاَ حَرْبٌ كَعَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَلاَ أَبُوسُفْيَانَ كَأَبِي طَالِب، وَلاَ المُهَاجرُ كَالطَّلِيقِ، وَلاَ الصَّرِيحُ كَاللَّصِيقِ، وَلاَ الْـمُحِقُّ كَالْمُبطِلِ، وَلاَ الْمُؤْمِنُ كَالمُدْغِلِ، وَلَبِئْسَ الْخَلَفُ خَلَفٌ يَتْبَعُ سَلَفاً هَوَى فِي نَارِ جَهَنَّمَ}.
‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نزار حيدر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/05/20



كتابة تعليق لموضوع : أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ السَّادِسَةُ (١٤)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net