صفحة الكاتب : حميد آل جويبر

متى ستحين لحظة المكاشفة الجماعية
حميد آل جويبر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
من خلال تجربة او سلسلة من التجارب تعاقبت على مدى خمسة عقود تنقلت خلالها بين اكثر من بلد اسلامي وغير اسلامي ، توصلت الى قناعة لا اظنني ساحيد عنها ما حييت وهي انك ان شئت ان تضع حدا لمعضلة ما فأول من ينبغي ان تُنحيَ باللائمة عليه هو نفسك التي بين جنبيك ، ومن ثـَمّ شمّرْ عن ساعديك بحثا عن عوامل خارجية مساعِدة تظافرت للبطش بك . اما اللف والدوران على نفسك وعلى المشكلة نفسها وتوزيع التهم ذات اليمين وذات الشمال وتبرئة نفسك الامّارة تماما ، فضلا عن انه لن يوصلك الى الحل الانجع ، فانه سيعقـّد عليك الحل في المدى المنظور على الاقل . وما ينطبق على الافراد ينطبق بالضرورة على الشعوب ايضا . منذ نحو تسع سنوات وانا اسمع "قوانة" جلب الاميركان الطائفية للعراق حتى وكانها علبة من شطائر مكدونالد او برگر گينغ . طبعا هذه ليست التهمة الوحيدة التي تلصق بجحافل العم سام ، اذ تتبعها سلسلة من التهم ليس آخرها تثبيت نظام حكم يعتمد المحاصصة في العراق ، وبينهما تمتد طوابير من التهم . ولان اميركا مكروهة "في الظاهر على الاقل " لدى قطاعات واسعة من القومجيين واضرابهم لسبب ودون سبب ، فان احدا لن يناقش هذه التهمة او مدى صدقيتها الا من رحم ربي بجرعة ضمير حي ، مُدافةٍ بملعقة من الوعي الحضاري ، ومرشوشٍ عليها بزخة معطرة من الاطلاع على كتب التاريخ الرصينة . ولا شك فان هؤلاء الفائزين بهذه الجرعة المدافة والمرشوشة هم نزر قليل لا تغويه ولا تغريه اضواء كاميرات الفضائيات العربية المتحدة ، ولا هذه الكاميرات تجد مصلحة في تسليط اضوائها عليه ، لسبب بسيط هو ان سوق طمس الوعي العام وسط هذا الركام الهائل من الجهل والتجهيل الفضائيين هو الرائج راهنا. ولان هذه الفضائيات تتعامل بمنطق الربح والخسارة فانها لا تغامر بحرق تاريخها "المشرّف" لسواد عيون كلمة حق يراد بها الحق وحده ولا شيء سوى الحق . وهؤلاء الذين ينسبون كل كوارثنا للبيت البيضاوي من كتبة ومحللي فضائيات ستراتيجيين لا يشعرون ولن يشعروا ابدا بانهم من خلال طرحهم الساذج هذا قد حوّلوا شعبا باكمله الى قطيع من الامعات التي تساق الى حتفها بالعصا، توجَه عقولُهم بالريموت كونترول . وهم بهذا وصموا شعبا عريقا عمره "امدّ الله في عمره " اطول خمس عشرة مرة من عمر الشعب الاميركي . فان صحت التهمة بان الاميركان استطاعوا من اليوم الاول لدخولهم بغداد ان يلعبوا بعقل شعب عريق كالشعب العراقي وتطييفه بين ليلة وضحاها ، فاني اذ اخلع قبعتي لبريمر ومن ولّاه على عبقريته الفذة ، ليتملكني الاسى والشعور بالخسران المبين مما وصلنا اليه بعد سبعة الاف سنة حضارة ، اكثر من سُبعِها كان العراق بشعبه قطب الرحى في الحدث الاسلامي حاكما او محكوما . وامام كل هذا الشعور بالاسى والمصيبة والخذلان فان ثمة ما يمكنه ان يطبع ابتسامة او حتى ضحكة على الشفاه . فهؤلاء الذين يزعمون او فلنقل غالبيتهم كي لا نعمم ، بان العراق "تطيّفَ" على يد الاميركان هم انفسهم ما ان يختلوا الى ذواتهم حتى راحوا يستعرضون خيانات الضفة الاخرى . حينها تُستنفر جميعُ اوراق ملف الاسطورة عبد الله بن سبا ، ذلك الرافضي الذي جرَّ بمكائده ما جرَّ من ويلات على المسلمين ، وحينها تنسب الى عقليته الفتاكة كل نزعة طائفية انشبت اظفارها في اجسادنا المتهالكة. والذين غاب عن مخيلتهم اسطورة بن سبأ، فلن يفوتهم الخائن الاكبر ابن العلقمي الذي لولاه لكانت مدينة السلام بغداد تقود العالم الاسلامي حتى ساعة كتابة هذه السطور والى ما يشاء الله من الزمن . وتاتي الطامة الكبرى مع حرب الاطاحة بصدام التكريتي ، لتُسكِتَ فمَ اي مشكك بخيانة الشيعة لبلدانهم من خلال الاستقواء بالاجنبي ، واسم الدكتور احمد الجلبي الذي خدع كبريات  دوائر القرار العالمية حاضر للاستخدام دائما وابدا. ويستطيع اي منا ان "يگوگل" اسم عميد التشيع الوزير العلقمي على الشبكة العنكبوتية ليرى بنفسه شيوع استخدام هذا الاسم بعد عام الفين وثلاثة اي عام سقوط طاغية تكريت . اتساءل هل صنع الاميركان شخصية عبد الله بن سبا ونفخوا فيها من رَوْحهم عندما فتحوا مكتبا للارتباط في يثرب المنورة خلال الصدر الاول ، ام انهم هم الذين رَشَوا الرافضي ابن العلقمي بمنحه الجنسية الاميركية بعد ان يُسلم المغول مفاتيح بغداد . لماذا هذه المكابرة التي لا تغني عن الحق شيئا . كل عراقي من اي طرف كان يعلم تماما ما يضمر في داخله ازاء الاخر . فانا الشيعي برأي الاخر صفوي وابن متعة ومن حفدة الخائن ابن العلقمي وعابد قبور من دون الله وهذه القناعة لن تتغير وان اطبقت الزرقاء على الغبراء . والآخر في نظري مغتصب متسلط اموي انتحاري من ابناء الطلقاء، وهذه القناعة لن تتغير حتى وان لبس صاحبنا دشداشة الحداد على الامام الحسين الف سنة امضاها لاطما مُطبّرا عارفا بحق ابي عبد الله. فلماذا كل هذا التبويس الزائف والابتسامات الخادعة التي يعرف الطرفان ماذا تضمر خلفها من احقاد وضغائن تمتد لاربعة عشر قرنا. كم عراقيا اليوم يتمنى لو ان بلده يقسم الى اقاليم طائفية حتى تضع هذه الحرب النفسية الجبانة اوزارها وكلمن يروح لسبيل حاله وكفى الله المؤمنين القتال ؟ منذ ست سنوات والمفخخات تحصد ارواح طائفة واحدة في النجف والحلة وكربلاء والناصرية والبصرة ، واذا حصل خرق في هذه القاعدة ، فاني اتحدى من يتهم تنظيما شيعيا واحدا بارتكاب مثل هذه الجريمة الرخيصة في الرمادي او الموصل او صلاح الدين . والجميع يعلم ان تفخيخ سيارة وتوقيتها ووضعها في وسط سوق شعبية تعج بالابرياء اصبح امرا بامكان اي شخص وليس تنظيم ان يعد له وينفذه في يوم وليلة . لكن مع ذلك شاهدنا كيف كانت الدموع تنهمر من العيون عندما راح الرهّاز الرعّاش يتباكى في اسطنبول على مجازر الابادة الجماعية التي يتعرض لها السنة الابرياء على يد جناة الروافض في العراق ، ويكفي ان تستفيَ اليوتيوب لترى بنفسك كم من البشر البسطاء تابعوا هذا المقطع المثير للشفقة . ما نحتاجه اليوم في العراق هو صرخة مدوية واحدة : كلنا طائفيون حتى العظم وان لم ننتم ، كلنا طائفيون لكن الحياء يمنعنا من المجاهرة ، آنذاك نكون قد امسكنا بمفتاح الحل الواقعي بأيدينا. بعدئذ، يمكننا الاتفاق بشجاعة على ان نتعايش مع بعض شريطة تجنب التكاذب وتوزيع الابتسامات المعسولة ، او نتفرغ لبناء المتاريس المتقابلة . فالمهم هو حسم الامر لا ابقاؤه معلقا لا الى هؤلاء ولا الى هؤلاء، لان في ابقائه معلقا تضييعا متعمدا لمستقبل اجيال من الطرفين ستشرب من نفس السراب الخادع الذي دأبنا على شربه منذ قرون  ومازلنا نفعل كل يوم . وفي كلتا الحالتين القرار هو قرارنا وليس قرار الامريكان أو الافريكان ، فهؤلاء لديهم ما يكفيهم من المشكلات المعتاصة ما تشيب لها القرون . اعتقد جازما ان رايي صواب لكنه يبقى رأياً شخصيا يحتمل الخطا، وراي غيري خطأ يحتمل الصواب ، ومن رد على حجتي بالحجة الدامغة اخذت برايه شاكرا فضله ، اما من اتخذ من بذىء القول والخنا مركبا، فانني ارفع رايات الاستسلام امامه مهزوما واقول له سلاما ، لانني ما جادلت جاهلا الا وصرعني بالضربة القاضية التي لا وثبة لي بعدها ابدا . واخيرا اتمنى على من يسالني عن المبلغ الذي قبضته مقابل كتابة هذا المقال الا يتدخل في شأن خاص جدا

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حميد آل جويبر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/01/18



كتابة تعليق لموضوع : متى ستحين لحظة المكاشفة الجماعية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net