صفحة الكاتب : مصطفى الهادي

القيامة و الموت . 
مصطفى الهادي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 مفردةٌ أقضّت مضاجعَ المخلوقات وأرعبت الموجودات، فلا تستوعبها الدراسات ولكننا نعطي شذرات وإلماحات.
تُعلِّم كل الأديان أن الموت في البشر ليس نهاية كل وجوده بل أن هناك حياة أخرى تنتظره.
يذكر كتاب عادات الجنائز في العالم كله فيقول : تعتقد شعوب معظم الحضارات أنه عند الموت فإن الشيء الذي يترك الجسد له حياة متواصلة أخرى.

الأديان تختلف فيما بينها بأشياء كثيرة ،ولكنها تتفق في الرؤية حول الموت . جسد يذهب إلى التراب الذي خُلق منه ، روح ترجع إلى عالمها المثالي وأنها سوف تعود في جسدها المادي مرة أخرى.

تقول دائرة المعارف اليهودية مادة قيامة : (أن الأموات سيعودون بأجسادهم المادية ، ويعيشون ثانية على الأرض).

الديانة المسيحية تؤمن بيوم القيامة وتحتفل بيوم قيامة المسيح من الأموات .وتصر على أن الأموات سيقومون في القيامة الدنيوية : (تأتي ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته، فيخرج الذين فعلوا الصالحات والذين عملوا السيئات إلى قيامة الدينونة).(1) القرآن يقول: (لا أقسم بيوم القيامة).لأن يوم القيامة عظيم.ولربما هو إشارته إلى القيامة الصغرى في الدنيا (أفلا يعلم إذا بُعثر ما في القبور). (2)

الزرادشتية تقول : بأن هناك قيامة شاملة ترجع فيها لأرض للأبرار.

الديانة الهندية في (الباغفاد غيتا) تعتقد بأن هناك قيامة للأموات عن طريق الرجوع إلى جسد ثان كلٌ حسب أعماله.

وفي الأرياني ستيانس تعتقد البوذية بقيامة الأجساد وبقاء الروح خالدة لا تموت.

وحتى أغلب العلماء المعاصرين و الغير دينين أيضا يعترفون بأن الإنسان يموت جسدا ولكنه باق روحا وأنه سوف يقوم في يوم ما مرة أخرى .يقول البروفيسور الفرنسي أوسكار كولمان في كتابه (خلود النفس أم قيامة الأموات) : أنا وأغلبية العلماء نعتبر أن القيامة حق.

والكتاب المقدس أيضا يقول بذلك : حيث ورد فيه : (تأتي الساعة التي يسمع فيها جميع الذين في القبور التذكارية صوته فيخرجون). (3)

الكتب السماوية لا تستخدم تعابير غامضة بل مألوفة . فمثلا يشبه الكتاب المقدس والقرآن وغيره من كتب الديانات الأخرى . بأن الموت مثل النوم ويصف الموتى بالراقدين حتى أن السيد المسيح قال عن صديقه العازر عندما مات بأنه نائم فقال : (قال لهم: لعازر حبيبنا قد نام. لكني أذهب لأوقظه).(4)

ولكن هناك فرق بين الموت والوفاة . 
الموت هو حالة عامة شاملة تشترك فيها كل المخلوقات كما يقول الكتاب المقدس : (كل ما في الأرض يموت).(5) وقال القرآن : (كل من عليها فان).(6) كل ما كان على الأرض هو فانٍ، الجبال تدك، والأشجار والأحجار تذهب، والجن والإنس يموتون، والحيوانات تموت، ما يبقى شيء.

أما الوفاة . فهي حالة من النوم تُسلب فيه الروح من الجسد من دون أن يموت الجسد كما في قول الله لعيسى : (يا عيسى أني متوفيك ورافعك أليّ).(7)

ويضرب لنا القرآن مثلا حول ذلك فيقول : (الله يتوفى الأنفس حين موتها ، والتي لم تمت في منامها).(8) فمثّل الوفاة هنا بالنائم المسلوب الحسّ الذي لا يشعر بما يدور حوله ولكنه حي يتنفس ، وروحه هائمة في عوالم أخرى تسبح وتطير وتسافر في عالم الأحلام .

الموت ثلاث أنواع.وإن كانت هذه الحالات تؤدي كلها إلى الموت ولكن كما يقول الشاعر (ومن‭ ‬لم‭ ‬يمت‭ ‬بالسيف‭ ‬مات‭ ‬بغيره ــ تعددت‭ ‬الأسباب‭ ‬والموت‭ ‬واحد).(9) 
الموت الطبيعي .
والموت الاخترامي. 
والموت الاختياري.

الموت الطبيعي : هو الموت الذي يأتي بأجل معين ووقت معين ولا يمكن للإنسان أن يغيره مهما بذل من جهد حيث تستهلك الروح كل طاقات الجسم وحيويته فتعتريه الشيخوخة ثم الهرم والوفاة نتيجة عجز الجسم عن تلبية مطالب الروح فتترك النفس استعمال الجسد وتغادره إلى عالمها الذي جاءت منه ويحلّ الجسد ضيفا على التراب. (ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون).(10)

الموت الاخترامي : وهو الموت الذي يُعبر عنه بانطفاء قوة الحياة الذي ينهي الحياة في فترة مبكرة ويأتي بالحوادث الغير مقصودة والتي لا تمهل الجسم ليبلغ مداه .مثل الحرائق والدهس بالسيارة أو التسمم والخنق والمرض المفاجئ والغرق وغيره من الحوادث القاطعة للحياة في زمن مبكر . وأما القتل بالإعدام أو السكين والمسدس من قبل المجرمين .أو القتل الرحيم للمرضى كما يطلقون عليه فهذا هو (سلب سلطة الله في الموت) فليس من حق البشر أن يقوموا به ، وإذا طلبه الإنسان نتيجة مرض فإنه ينتحر ولكن بيد غيره ويُعتبر الفاعل قاتل حاله حال المجرمين.

والموت الاختياري : وهو نوعان . الأول وهو تفويض من الله للإنسان في أن يقتل نفسه من أجل أمور سامية وأهداف نبيلة ، ووضع سلطة الموت بيد الإنسان اختبارا له لنيل أفضل الدرجات الرفيعة عند الله وعند الناس . فيختار الإنسان الموت عن رضا ويذهب إليه بنفسه ، مثل الموت من أجل المبادئ والدين والعقيدة والوطن والتضحية من أجل الآخرين فهذا النوع نطلق على من يقوم به ويموت بأنه (شهيد) له مكانة مقدسة عند الله والناس ، فنقيم له النصب والتماثيل ويعتبرون من رموز الأمم . والنوع الثاني هو الانتحار وقتل النفس وهذا النوع هو جريمة يعاقب الله عليها من يقوم بها.

لقد كان الخوف من الموت دائما مرتبطا بتصوره عدما ، وفناء . فكان الإنسان أسير ذلك الخوف ، فيرى الموت حربا على الوجود الإنساني وهدما لحياته ، فيكرهه ويتحاشا أسبابه حتى لو كانت جهادا من أجل الحق ودفاعا عن العقيدة ومواجهة الباطل.(11) إن فلسفة الموت عند المسلمين إعلان عن بقاء الإنسان واستمراره واتصال حياته الأخرى بالأولى . وهي رفض لفلسفة العدم والإلغاء والتشاؤم التي أشاعتها الفلسفات المادية التي حددت حياة الإنسان على الأرض فقط وصورت له بأن الموت نهايته ودماره ، فتأزم لذلك.

الموت في اوسع صوره الطبيعية هو تراجع في الصحة وانحسار القدرات نحو الدماغ مركز قيادة الجسم كلما تقدم الإنسان في العمر حيث يحتاج الدماغ إلى الطاقة لكي يفكر ويُدير كافة أجهزة الجسم وخلاياه بدقة متناهية تستهلك الكثير من الطاقة ولكن مع تقدم العمر يبدأ الدماغ بسحب الطاقة من بقية أنحاء الجسم الرجلين والعضلات إلى أن يصل إلى مرحلة الموت حيث لا طاقة تغذي استمرارية الخلايا بالحياة حيث تركزت الطاقة كلها في الدماغ ثم يبدأ الدماغ باستهلاك نفسه إلى أن تنطفأ جذوته وتخبوا حرارته فتدب البرودة فيه فتستجيب له سائر الاجزاء. 
وعُرف الموت أيضاً بأنهُ ترك النفس استعمال الجسد. (12)

المصادر:
1- إنجيل يوحنا 5: 28.
2- سورة العاديات آية:9.
3- يوحنا ، 5 : 28.
4- إنجيل يوحنا 11: 11.
5- تكوين 6:17.
6- سورة الرحمن آية : 26.
7- سورة آل عمران آية: 55.
8- سورة الزمر آية : 42.
9- البيت من قصيدة للشاعر العباسي ابن نباتة السعدي.
10- سورة الاعراف آية : 34.
11- مجموعة المكتوبات من كليات رسائل النور للإمام بديع الزمان سعيد النورسي ترجمة :احسان الصالحي-دار سوزلر -استانبول . 1992 
12- كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي 3/1316 - ط - دار صادر.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مصطفى الهادي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/04/15



كتابة تعليق لموضوع : القيامة و الموت . 
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net