صفحة الكاتب : مروة محمد كاظم

سقّاءُ سورى
مروة محمد كاظم

 جاء فارًّا من قسوة بني العباس (عليهم لعنة الله) في أرضه وسمائه، وبارًّا للبيت العلوي الذي انحدر منه، قاصدًا تلك البلاد التي يقطنها جده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، أخذت الريح تهزّ بسعف النخيل لاستقباله كما استقبلت مدينة طيبةَ جدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين طلع عليها البدر من ثنيّات الوداع...

كان جمالهُ و شبيبتهُ الحسناء لا يصمدُ على رؤيتها أحد، يرأفُ لحالهِ ولحُسنِ طلعتهِ بنّاء الأسطوانات التي أخذ بنو العباس عليهم لعنة الله ببنائها عليه ظنًّا منهم أنّ الشمع حين يخنقونه بأسطواناتهم الصمّاء سيموتُ كمصلوبٍ على جذوع النخيل!! ولكنّ بني هاشم شموعٌ نيّرةٌ حتى وإن ذوت ازدادت عشقًا ونورًا؛ لأنّهم أهل الله وكلمته العليا..
-أيها الشاب هل لكَ احد هنا تأوي إليه؟
-نعم جدي أمير المؤمنين عليه السلام..
- إذن تابعْ طريقَكَ على ضفاف الفرات والتحف بالبساتين حتى تصل إلى برّ الأمان.. وتنكّر بكُنية الغريب...
راح كغصنٍ طريٍّ يتمايلُ مع نسيم الفرات وكأنه خرج كخروج موسى من فراعين بني العباس يتكتمُ حتى وصل إلى بقعةٍ خضراءَ يشقها نهر كان بانتظارهِ منذ سالفِ الأزمان كانتظار الفرات ليديّ أبي الفضل العباس عليه السلام.. تراءت له فتاتين تعتذر إحداهما للأخرى وتقسم بصاحب بيعة الغدير، أبي الحسنين والضارب بالرمحين... انشرح صدره .. ترجّل على استحياء ليعرفَ هوية هذه المدينة، وسألهما:
- يا بُنية، من ذا الذي تُقسمين به، فاستنكرت عليه، وقالت:
- ماذا تقول؟! ألا تعرف صاحب بيعة الغدير، وأعادت قسمها على مسامعه؛ لينشرح صدرهُ مرةً أخرى ، واطمأنَّ فؤاده فهو في أمان مدينة (سورى) ، ثم قال:
- ألا ترشدوني على كبير حيّكم؟
أخذته الفتاتان إلى أبيهما كما أخذنَ من قبلُ موسى على شُعيبَ نبي الله.. وكأنّ الله أحبّ أن يردّد آياتهُ مرةً أخرى في ابن رسول الله..
وبعد ثلاث ليالٍ سويّا ، انتفضت همة ذلك العربي ليردد صدى رسول الله (صلى الله عليه وآله) على مسامع القوم أن ضيافته لن تتعدَ حدود الثلاث، ولابدَ له من عملٍ يسترزقُ منه، فقالوا له: يا غريب، اختر لكَ عملًا بيننا، فأرادَ أن يمتهن مهنة جده أبي الفضل العباس عليه السلام، ليكون سقّاءَ سورى..
كان يملأ الكيزان من أحد فروع نهر الفرات وكأنّه مازال يرى صورة أبي الفضل عليه السلام مطبوعةً على سطحهِ المتموّج الذي يتوسطه قمرٌ مدوّرٌ قطني قد عجّ بوفائه الشعراء والمؤرخون ..
و اختلج في صدر شيخ القبيلة أمرٌ، أراد أن يُفصح به لذلك الغريب فناداه كما نادى شعيب موسى و (قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ ) (القصص:٢٧) فامتثلَ لأمره ذلك الغريب..
ومرت الأيام ووُلدتْ له بُنيّةً جميلة صورة مقتبسة من شمائله، فسمّاها(فاطمة) ما أحبها على قلب أبيها! 
تذهب بُنيتُه لتلعبَ مع الأطفال فترجع إلى أبيها باكية لتخبره:
- كلّ أطفال الحيّ لهم أسماءٌ لآبائهم وما تزالُ ابنتكَ تُنادى بابنة الغريب، متى سيكون لي نسبٌ مثلهم..
فيقبّلها ويمسحُ على رأسها كغريبِ كربلاء حين كان مع ابنته رقية الصغرى عليها السلام، ويقول لها:
-إنّكَ من أشرف الناسِ أمًّا وأبًا...
ومرّت الأيام ومرض الغريب حتى اشتدّ مرضه وآنَ لهُ أن يزيحَ اللثامَ عن غُربتهِ و يفصحَ لابنتهِ و من حوله عن حسبهِ ونسبهِ..
- يا غريب قل لنا مَن أنت، مَن لابنتِكَ فاطمةَ من بعدك؟
- هلّمي إليّ بنيتي فاطمة واعلمي أنني من بيت رسول الله، أنا القاسم بن موسى بن جعفر الكاظم(عليه السلام) ..
فاخذ شيخ القبيلة يلوم بنفسه وجثا باكيًا، وهو يقول:
- أين أخبئ وجهي من أبيك وجدكَ رسول الله..
-جُزيتَ خيرًا يا شيخ، فلا تحزن فإنّك في الجنة معنا إن شاء الله.. وإن متُّ فكفّنّي وادفنّي في مدينتكم، وخُذْ بنيتي إلى مدينة رسول الله مع أمها ولا تكترث فإنّها ستندرج إلى دار عاليةٍ في المدينةِ، فذلك هو بيتنا فليس فيه إلا نساءٌ أراملٌ سيخرجن لاستقبالها...
وقضى القاسم (عليه السلام) نحبه وخلّفَ من بعده الحزنَ في قلبِ فاطمتهِ ذات الثلاثة أعوام التي رجعت إلى أصولها لمدينة جدها وأبيها لتفتح لها جدتها (تكتم) باب البيت العلوي ليستقبلنها الأرامل العلويات بحفاوة حين وجدن فيها شمائل ولدهن القاسم عليه السلام، استقبلنَ يتيمته بالبكاء والعويل، ولم تدم الا أيامًا معدودة على أمه تكتم عليها السلام حتى التحقت بركب ولدها حزنًا وألمًا على فراقه...


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مروة محمد كاظم
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/02/16



كتابة تعليق لموضوع : سقّاءُ سورى
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net