صفحة الكاتب : زعيم الخيرالله

مصالحُ الدولِ في ميزانِ المصلحةِ المرسلة
زعيم الخيرالله

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

المصلحةُ في اللُغَةِ هي : المنفعةُ ومافيهِ صلاحُ الشيءِ .وعند المالِكِيَة اصل من الاصولِ التي بنى عليها الامام مالك اكثرَ فقهِهِ .وقد اشتهر الفقهُ المالكيُّ بانَّهُ فقهٌ واقعيٌّ يبتني على مقاصدِ الشريعةِ ، ويستوحي روحَها .
الاحكام تابعةٌ للملاكاتِ والمصالحِ والمفاسد
------------------------------
ولكنَّ فقهاءَ الاماميّة ايضاً قالوا : (أنَّ الاحكامَ تابعةٌ لملاكاتٍ ومصالحَ ومفاسد ) ، وهذه القاعدةُ مستندَةٌ على اصلٍ كلاميٍّ وهو : ( ان افعالَ الله تعالى معَلَلَةٌ بالاغراض ؛ لانه حكيمٌ وافعالُهُ منزَهَةٌ عن العبَثِ واللَغوِ ، ولكنَّ الغرضَ لايعودُ اليه جلَّ وعزَّ بل يعود الى العباد) . ومن الامثلةِ على كونِ الاحكام تابعة لملاكات ومصالح ومفاسد واقعيّة ، بيعُ الدمِ ،في السابق كان ملاكُ حرمةِ بيعِ الدم هو عدمُ وجودِ منفعةٍ عُقَلائيّةٍ لهُ . امّا اليوم ، وبعدَ اكتشافِ وجودِ منفعةٍ محللةٍ له وهي انقاذُ حياةِ المرضى والجرحى، وحازَالدمُ بذلكَ على ملاك اخر ؛ فجازَ بيعُهُ وشراؤُهُ .
وهذا المعنى من تبعيّةِ الاحكام لمصالح واقعيّة ، ومن تقسيم المصالح الى ضروريةٍ وحاجيّةٍ وتتميميّة ، اشارَ اليهِ الشهيدُ الاول رضوان الله عليه ، وهو من اكابر فقهاء الاماميّة الذين تحدثوا عن مقاصد الشريعة ، وانَّ الاحكامَ مبنِيَّةٌ على ملاكات ومصالح واقعيّةٍ . يقول الشهيد الاول : ( الشرعُ معللٌ بالمصالحِ فهيَ امّا في محلِ الضرورةِ او محلِّ الحاجةِ ، او التتمّة ، او مستغنىً عنها امّا لقيامِ غيرِها مقامَها وامّا لظهورِ غيرها مقامَها وامّا لظهورِ اعتبارِها ) . ( المظفر،اصول الفقه ) . وقد اختلف في كون المصلحة التي هي ملاك الاحكام ، هل هي علةُ الحكمِ ام حكمتُهُ ؟ .
والشهيد الاول تحدثَّ كذلك عى ان الاحكام شرعت لجلب المنفعة اولدفع ضررٍ ، والنفع والضرر يمكن ان يكونا دنيويينِ او اخرويينِ ، ويمكن ان يكون المقصود مقصوداً اصليّاً او مقصُوداً تَبَعّيّاً . ( الشهيد الاول ، القواعد والفوائد ، ج1 ، ص35 ، قاعدة 6 ) .
وماقاله الشهيد الاول هو نفسُ ماقالهُ الشاطِبِيُّ في المُوافَقات ، فالشاطبيُّ يقول: ( المعلومُ منَ الشريعةِ أَنَّها شُرِعَت لمصالِحِ العباد ، فالتكليفُ كُلُّهُ ، امّا لدَرءِ مفسَدَةٍ ، وامّا لِجَلبِ مصلَحَةٍ ، أو لَهُما معاً ) المُوافَقات : ج1 ، ص 199.
تقسيمات مالك للمصلحة
----------------------
قَسَّمَ الامام مالك المصلحة الى ثلاثةِ اقسامٍ هي :
1- المصلحةُ المعتَبَرَةُ : وهيَ المصلحةُ التي دَلَّ الدليلُ على اعتبارها .
2- المصلحةُ المُلغاة : وهي المصلحةُ التي دَلَّ الدليلُ على الغائها .
3- المصلحة المُرسَلَة : وهي التي لم يَدُّلُّ الدليل على اعتبارها ولاعلى الغائها فهي مرسلة اي : مطلقة . والمصلحة المعتبرة هي اشبه بالظن المعتبر عند اصوليّي الاماميّة ، والمصلحة المرسلة اشبه بالظن المطلق ، الذي قام دليل الانسداد الكبير على اعتباره .
الشيخ الانصاري والمصلَحّة السلوكيّة
-----------------------------------
ذهبَ الشيخُ الانصاريُّ الى فرضِ المصلحةِ السلوكيّةِ في الامارات لتصحيح جعلها . (فرائد الاصول،ج1، ص42) .والشيخ ذهب الى فرض المصلحة السلوكيّة ؛ لانه لايتبنّى القول بتصحيح جعل الامارة على نحو الطريقيّة المحضة ، ولايقبل كذلك تصحيح جعل الامارة على نحو السببيّة ؛ لانّهُ يستلزمُ القولَ بالتصويب.
ولتوضيح مسلك الشيخ الانصاري بالمصلحة السلوكيّة اقول : ان السَبَبِيَّةَ يمكنُ تصورُها على ثلاثةِ اقسامٍ وهي :
1- السَبَبِيَّةُ الاثباتِيَّة : وهي ان الامارةّ سببٌ في اثبات الحكم الواقعي ؛ لان الله ليس له احكام واقعيّة ، وانما الامارة هي التي تثبت حكما . وهذا هوَ قولُ الاشاعرة.
2- السَبَبِيَّةُ الانقلابيِّة : وهي التي تعترفُ بوجود احكام واقعيّة لله تعالى ، ولكنها ترى ان الامارةَ تقلب هذه الاحكام الواقعيّة بما يتطابق مع الامارة ، فهي لاتثبت حكما ، وانما تقلب حكما بما ينسجم مع مؤدى الامارة . وهذا القول قال به المعتزلة .
3- السَبَبِيَّةُ التداركيّة : وهي السببية التي لاتثبت احكاما ؛ لانها تؤمن بوجود احكام واقعيّة ، ولاتقلب هذه الاحكام بما يتوافق مع الامارة ، وانما هي سببية تداركية ، يُتَداركُ بها مصالح الواقع الفائتة عند خطأ الامارة في ادراك الواقع . وهذا قول الشيخ الانصاري ، قاله حتى لايقع في التصويب الذي لايقبله الاماميّة .
مصالح الدول وفقه المصلحة
---------------------------
وفقا لفقه المصلحة الذي قال به الامامُ مالك ، اين نضع مصالح الدول ؟ فالولايات المتحدة تقول انَّ لها مصالح في منطقتنا ، والدول الاوربية تدعي ان لها مصالح في افريقيا . والدول الاخرى تدّعي ان لها مصالح ، وبالتأكيد أنَّ هذهِ المصالح ، لاتدخل في المصالح المعتبرة التي اعتبرها الشارع ، فهل تدخل في المصالح المرسلة ؟ بالتأكيد انَّ مثلَ هذهِ المصالح لاتدخل تحت عنوان المصالح المرسلة ؛ لانَّ المصالحَ المرسلةَ لها ضوابط في الفقه المالكي ، وهي ان تكون المصلحةُ مصلحةً واقعيّةً ، لامصلحةً موهومةً . وينبغي ان تكون المصلحة منسجمة مع مقاصد الشريعة ، ولاتؤدي الى ظلمٍ وفسادٍ .
فلاقيمة لمصلحة فرنسا في احتلال الجزائر ، فهذهِ مصلحةٌ ملغاةٌ ، بل المصلحة بوجود مقاومة جزائرية تطرد المحتل ، وتحرر الارض من دنس الاحتلال .واحتلال الصهاينة لارض فلسطين بلحاظ مصلحة اليهود بايجاد وطن قومي لهم ، هذه مصلحة ملغاة ، لانها تتعارضُ مع مقاصدِ الشريعةِ ، ومع مصلحة الشعب الفلسطيني بالبقاء على ارضه . ونضال الفلسطينين ضد الصهاينة مصلحة حقيقية لهم ، في تحرير ارضهم ومقدساتهم ، وطرد المحتليّن . هذا هو فقه المصلحة ، ليس فقها تبريريا ؛ وانما هو فقه واقعي .
وفي الختام ، لايمكن لاية قوةٍ غاشمةٍ ان تتوكأ على فقه المصلحة ، لتبرير احتلالها وقمعها للشعوب الاخرى


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


زعيم الخيرالله
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/02/15



كتابة تعليق لموضوع : مصالحُ الدولِ في ميزانِ المصلحةِ المرسلة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net