صفحة الكاتب : نايف عبوش

عصرنة جارفة ومتمركزة
نايف عبوش

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

تتسم حقبة العصرنة الراهنة،رغم كل ما أفرزته من معطيات إيجابية، لصالح المدنية الحالية ، بطغيان المركزية ، والهيمنة الحضارية، بكل أشكالها، الثقافية، والعلمية، والتقنية، وبشكل مكثف، باتجاه مراكز ابداع مخرجاتها على نحو واضح . ويبدو أن نمط العصرنة الراهن، بمخرجات ثورتها الرقمية والعلمية العولمة، قد نجح في بسط ملامحه ، على الآخرين، من خلال هيمنته الشاملة، المفتوحة في كل الاتجاهات، وما ترتب على تلك الهيمنة من استلاب خصوصية الآخرين، ومسخ هويتهم، وتشويه اصالتهم،وذلك بما تمتلكه العصرنة الراهنة من امكانات واسعة، وتقنية عالية ، تفتقر لها البلدان المتلقية، النامية، والفقيرة، الأمر الذي مكن العصرنة من فرض هيمنة ملامحها، بشكل صارم ، يتناغم بالمحصلة، مع منطق صراع الحضارات، ورؤى فلسفة نهاية التاريخ ، وذلك بغض النظر عن أي تبريرات قد تساق لشرعنة مثل هذه المركزية الشديدة، كضرورة للتحديث، ومواكبة تطورات العصر .

وهنا لابد من الإشارة إلى ان شعوب البلدان النامية، ومنها بالطبع الشعب العربي، هي شعوب ذات رصيد تاريخي زاخر،حيث انجبت حضارات زاهرة، كان لها إسهامات متميزة للبشرية، لا يمكن غض النظر عنها، او جحدها تحت أي مسوغ . وبذلك فهي بما تمتلكه من طاقات كامنة، فكرية، وروحية، وموروث حضاري ، تظل حاضرة في الفعل الإنساني، وذلك رغم غيابها عن ساحة التأثير المباشر والإبداع، لأسباب داخلية، وخارجية.

ولذلك فان رياح هيمنة العصرنة الراهنة الجارفة ، سوف لن يكون بمقدورها كنس المتراكم من نتاجات، وموروث تلك الشعوب، وإخراجه كليا من فضاء الوجود الإنساني العالمي، وطرحه خارج ساحة التأثير ، بما تملكه هذه البلدان من رموز، ومكونات حضارية، تدفع شعوبها لحماية هويتها ، وتمنع العبث الخارجي بها، لصيانتها من الطمس، والاستلاب الحضاري ،رغم ضعف الحال الراهن ، وعسر ذات اليد.

ومن هنا يصح القول، بأن شعوب البلدان النامية تجد نفسها، بتلك الطاقات الكامنة، منجما ثريا من الإمكانات الرمزية، والموارد المعنوية ، وهو أمر يمكن ان يوفر لها قاعدة النهوض، ويتيح لها اساس الانطلاق للتقدم نحو ما تطمح له من أهداف، تحلم بتحقيقها في المستقبل،وذلك بمجرد ان تتوفر لها فرص تفتيق تلك الطاقات .

ولذلك فإن الدعوة إلى الحداثة المتفاعلة، والعصرنة المتناغمة، باتت ضرورة عصر، تتطلبها معايير العدالة،والتعايش الإنساني المشترك، وذلك من خلال تبني نهج جديد، ومن خلال المنظمات الإنسانية، والأمم المتحدة ، يستوعب خصوصيات الطيف الإنساني، بكل ملامحه، العالمية، والإقليمية، والمحلية ، وبالشكل الذي يمكن أن تتلاقح فيه الخصوصيات الوطنية مع بعضها البعض حضاريا، وبالاسلوب الذي يمنع كل أشكال الغزو الثقافي، والهيمنة، وثقافة صراع الحضارات، ونهاية التاريخ، وهو ما يمكن أن يتماشى مع متطلبات قاعدة التعارف لا التناكر، التي جاء بها الهدي القرآني الكريم، في قوله تعالى ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا..)،والتي يمكن أن تكون قاعدة للتعايش الإنساني الكريم ، بعيدا عن كل أشكال الإستلاب، والضياع، والصراع .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نايف عبوش
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/02/04



كتابة تعليق لموضوع : عصرنة جارفة ومتمركزة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net