صفحة الكاتب : عبدالاله الشبيبي

العقل السليم و الجسم السليم...
عبدالاله الشبيبي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

قبل ايام تساءلت بين الاصدقاء حول المقولة المشهورة "العقل السليم في الجسم السليم" هل هي مقولة صحيحة ام لا؟. اذ نقسم الاصدقاء الى قسمين الاول قال المقولة غير صحيحة ولا تنسجم مع الواقع، والقسم الثاني قال المقولة صحيحة ومن يحمل العقل السليم يحمل الجسم السليم والعكس بالعكس!. كما انقسم اهل الاختصاص في الدراسات السيكولوجية والنفسية ضمن هذا المجال، فمن قال صحيحة، ومن قال غير صحيحة.
اذ يقول سلامه موسى في كتابه دراسات سيكولوجية: بعض الناس يظن ان هذا المثل حكمة، مع انه يخلو من الحكمة، ولو عكس لكان اقرب الى الصحة. وذلك اننا نجد الكثير من المرضى بالدرن او السكر او النقرس او الروماتزم لا تؤثر امراضهم في سلامة عقولهم، بل لعل هذه الامراض تزيد عقولهم يقظة.
ولكن العقل المريض كثيراً ما يؤدي الى مرض الجسم، كما نرى مثلاً من يتوهم وهماً خاصاً يجعله يعزف عن الطعام او هو يخشى الافلاس او الموت فيبقى في قلق يؤدي الى هزال الجسم. المصدر: دراسات سيكلوجية، سلامه موسى، ص20.
فان مقولة العقل السليم في الجسم السليم هي عِبارة لاتينيّة الأصل يَعود أصلها للشاعر اللاتيني جوفينال، كما يُنسب هذا القول إلى الفيلسوف اليوناني طاليس، وتنسب الى الفيلسوف الكبير افلاطون، وقد لا يُدرك الكثير من الناس مَعنى هذه العبارة في الحياة؛ إذ يُعدّ العَقل هو المَسؤول عن العَمليّات العقليّة من تَعلُّم وتذكُّر وفَهم وإدارك، وتُعدّ أهميّته بالنّسبة للجسد كبيرة جداً.
العقل نعمة كبرى ميّز اللَّه تعالى بها الإنسان على سائر المخلوقات، والدين رسالة وهدي إلهي، أنعم اللَّه تعالى به على الإنسان، فمصدر العقل والدين واحد، وهو اللَّه سبحانه وتعالى، وهما متلازمان لا ينفصل أحدهما عن الآخر، وإذا ما رأينا انفكاكاً وانفصالاً بين الدين والعقل، فيجب أن ندقق النظر، لنكتشف نقطة غموض واشتباه، فيما اعتبرناه ديناً أو عقلا، فالدين الصحيح لا يصادم العقل السليم. المصدر: أحاديث في الدين والثقافة والاجتماع، ص103.
فالعقل له تأثير كبير على الجسم والعكس ايضاً صحيح، فهل باستطاعة الانسان المريض ان يصبح عالما كبيراً؟.
ان الهدف من العلم ان تخطط لنفسك، وان تعتني بها لا ان تكون متهاويا ضعيف البنية، والمؤمن القوي خير واحب الى الله من المؤمن الضعيف.
وقد كان الامام علي(ع) مثال الايمان القوي والجسم القوي، ولابد للإنسان المؤمن ان يجعله قدوة له، فقد كان يخوض الحروب عندما بلغ الستين من عمره، وهو الذي استطاع ان يقتلع باب خيبر، وكل هذا انما هو نتيجة لجسمه السليم.
وللأسف فان البعض لا يهتم بمعالجة نفسه عندما يمرض، وقد يستمر به المرض لفترة طويلة حتى يقضي عليه، وهذه سلوكية خاطئة، فعلى الانسان ان يمنع المرض عن نفسه، وان يحيط علماً بالإجراءات الوقائية التي تجعل جسمه سليماً ومعافى. المصدر: الوعي الاسلامي، ص107.
ليس تطفلاً من الإسلام أن يعنى في تشريعاته بشؤون الجسم كما يعني بشؤون الروح.. لان ترمز بعض أحكامه إلى الناحية الصحية لبدن الإنسان.. فهو الدين الذي أعلن من أول يوم أنه دين الدنيا والآخرة والمادة والروح، وليس كبقية الأديان التي كانت تصرح بتحيزها إلى أحد الجانبين على حساب الآخر.
لذا وضع الإسلام أحكامه الوقائية لتجعل الإنسان بعيداً عن متناول المرض والإصابة والوقاية خير من العلاج، فحظر على الإنسان المواد التي تعمل للفتك بصحته وإن كانت تبدأ بأسلوب خفي ضئيل لتتفاقم فيما بعد.
فأكثر الأمراض يكون سببها هو فقدان الاعتدال في الأكل والشرب والجنس. يقول أحد الأطباء: "إن معظم الناس يحفرون قبورهم بأسنانهم" وقام بعض الأطباء بدراسة دقيقة حول الإنسان المعاصر وأسلوب التغذية وصرح بعدها بأن الناس يأكلون ثلاثة أضعاف حاجتهم وهم بذلك يجلبون الأمراض لأنفسهم. المصدر: رمضان برنامج رسالي، ص34.
وعليه فان من أشد الأفعال المبطلة لحكومة العقل على سلامة هو شرب الخمر من بين الأفعال وقول الكذب والزور من بين الأقوال.
فهذه الأعمال أعني الأعمال المبطلة لحكومة العقل وعلى رأسها السياسات المبتنية على السكر والكذب هي التي تهدد الإنسانية، وتهدم بنيان السعادة ولا تأتي بثمرة عامة إلا وهي أمر من سابقتها، وكلما زاد الحمل ثقلاً وأعجز حامله زيد في الثقل رجاء المقدرة، فخاب السعي، وخسر العمل، ولو لم يكن لهذه المحجة البيضاء والشريعة الغراء إلا البناء على العقل والمنع عما يفسده من اتباع الهوى لكفاها فخراً. المصدر: تفسير الميزان، ج2، ص111.
فكثيراً ما تسبّب الأزمات الرّوحية في الإصابة بأمراض جسديّة، تضعف جسم الإنسان وتشل عناصر القوّة فيه، فيبيض الشّعر، وتظلم العين، وتخور القوى عند الإنسان والعكس صحيح أيضاً، فإنّ الفرح وحالات الرّاحة التي يمرّ بها الإنسان، تنمي جسمه وتقوّي فكره، وقديماً توجّه العلماء لتأثير الغذاء على روحيّة الإنسان وسلوكه المعنوي، وتغلغَلت هذه المسألة في ثقافات الناس، على مستوى الموروث الفكري والوعي الاجتماعي، فمثلاً شِرب الدّم يبعث على قساوة القلب، والعقيدة السّائدة هي أنّ العقل السّليم في الجسم السّليم. المصدر: الاخلاق في القران، ج1، ص180.
واذا طهرت الروح وسلم القلب من الامراض المعنوية المذكورة ونحوها من الصفات الذميمة المدمرة يسلم الجسم من الكثير من الامراض المادية التي تنشأ غالباً من تلك الامراض المعنوية المحطمة وعلى هذا يصح ان يقال: الجسم السليم في العقل والقلب السليمين ـ كما يقال في المقابل العقل السليم في الجسم السليم.
ومقولة العقل السليم في الجسم السليم فالعكس صحيح ايضاً لان الجسم لا يكون سليماً الا اذا حمل في طياته القلب السليم من الحقد والحسد والطمع الجامح ونحو ذلك من الامراض النفسية المدمرة، وقد اثبت الطب الحديث ان هناك امراضاً كثيرة وخطيرة تحصل للإنسان بسبب الخوف والقلق والحقد الدفين والحسد اللعين، وحيث ان الإسلام دين السعادة والسلام فقد دخل الى عمق النفس البشرية وتدخل في احوالها الداخلية ليوجه كل صفة اودعها الله سبحانه في كيان الإنسان لتكون مصدر خير وعطاء ووسيلة تشييد وبناء في طريقها القويم ونهجها السليم. المصدر: من وحي الاسلام، ج1، ص190.
ولا شك أن في اجتماع سلامة الجسم وسلامة العقل نعمة عظيمة على صاحبهما، وإذا أريد بسلامة العقل السلامة من الآفات المعنوية والمادية فالنعمة بذلك أعظم. ولكن هذه العبارة غير مطردة، لوجود كثير من ذوي الآفات الجسمية ــ كالعمى، والصمم، والعرج، والشلل ــ ممن منحهم الله عقولا سليمة قوية مخترعة مبدعة في العلوم الإسلامية وما يخدمها كاللغة والأدب والبلاغة والتاريخ وغيرها من العلوم المسماة بـالإنسانية، والعلوم الكونية المتعددة التي نفع الله بها العالم قديماً وحديثاً. المصدر: السباق الى العقول، ص42.
وعليه فان العقل السليم ليس في الجسم السليم فحسب بل في الفكر السليم والايمان السليم والمعرفة السليمة، فكم من مريض الجسم سليم العقل والايمان، وكم من مريض العقل مريض الجسم، لابد للجسم السليم من عقل سليم، يسلم به من الامراض والآفات وينجو من المزالق والمنحدرات ويصمد بوجه التيارات الجارفة التي تجرف من هو قليل الايمان والاطلاع والمعرفة، وسلامه العقل بالتحمل والصبر والثبات، فما قيمة جسمك سليم وعقلك مريض ومعبى بالآفات والامراض، وهناك الكثير من الانبياء والاولياء والعلماء والمفكرين والفلاسفة كانوا مريضي الجسم سليمي العقل، وقد ضرب بهم التاريخ اروع الامثلة في الورع والثبات والمعرفة.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عبدالاله الشبيبي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/01/31



كتابة تعليق لموضوع : العقل السليم و الجسم السليم...
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net