صفحة الكاتب : ايوب عدنان الأسدي

دور المرجعية في تأسيس كيان الدولة الحديثة بعد السقوط ورعاية المصالح العليا للشعب
ايوب عدنان الأسدي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

إنّ توجيه أصابع الاتّهام إلى المرجعية الدينية في كل صغيرة و كبيرة أصبح شيئاً رائقاً للكثيرين في هذا الزمان .

و من الاتّهامات التي يرددها الببغائيون - الذين إمّا كانوا أطفالاً في فترة ما بعد 2003 ، أو يتجاهلون الحقائق بسبب عدم البحث و التحري- :

• أنّ المرجعية الدينية هي من تتحمل مسؤولية فشل السياسيين ؛ لأنها دعمتهم حينما أوجبت انتخاب (قائمة الائتلاف العراقي الموحد 169 "الشمعة") .

• أنّ المرجعية الدينية أوجبت التصويت بـ (نعم) على الدستور مع كونه فاشلاً .

في هذه الأسطر سنُبيّن حقيقة هذه الادّعاءات بالوثائق الرسمية الصادرة عن مكتب

السيد السيستاني - دام ظله - .

تنبيه مهم :

أيّها الأعزاء قبل أن تصدروا هكذا أحكام باطلة  وتنشروها في وسائل التواصل - والتي

تُحاسبون عليها يوم الحساب - يا حبذا لو تسألون و تبحثون عن حقيقة هذه الادّعاءات .

لكنكم إما سمعتموها من غيركم أو وجدتموها في وسائل التواصل فصدّقتم بها دون حجة أو برهان .

قبل أن نُجيب عن هذه الادّعاءات  ، لابد أن نقدّم مقدمة مهمة جداً هي :

حينما سقط النظام البائد الجائر حصلت خلال السنوات الأولى من سقوطه أمور خطيرة وضعت العراق أمام مفترق طرق خطير بسبب :

١- انهيار كامل في بنية الدولة والمؤسسات وليس مجرد سقوط الرئيس مع بقاء الدولة .

٢- حل الجيش العراقي وغياب القانون بالكامل ، و فتح مخازن الأسلحة للناس بحيث أصبحت بمتناول الجميع .

٣- اقتحام مديريات الأمن ونشر التقارير السرية التي كتبها البعثيون وتسببت بإعدام

الآخرين ، و وقوع هذه التقارير في يد ذوي المقتولين وانطلاق عمليات الثأر والتصفية للبعثيين .

٤- احتماء البعثيين بعشائرهم ، واستعانة ذوي المقتولين بعشائرهم أيضاً مع تسلح كل الأطراف مما هدّد بكارثة اجتماعية وتصادم عشائري .

٥- سيطرة بعض المجاميع المسلحة على المؤسسات ومصادرة ممتلكاتها إضافة الى عمليات النهب والسلب ( الفرهود ) التي شملت جميع المؤسسات حتى الخدمية كالمستشفيات و المدارس ، و تسليب الناس لبعضهم البعض فكان يحدث في الطرق الخارجية  وغيرها .

٦- فتح الحدود بشكل سائب والسماح بدخول وخروج الجميع مما أدى الى فرار بعض أركان النظام البائد وعملها من خارج العراق مع ما تملكه من موارد هائلة وخلايا منظمة .

٧- دخول العناصر الجهادية ( تنظيم القاعدة ) والمفخخات من جهة سوريا والأردن بدعوى " مقاومة الاحتلال " . رافقه تدفق مماثل للأسلحة من الجمهورية الإسلامية الايرانية لدعم الأطراف الشيعية بذريعة مقاومة الاحتلال أيضاً .

٨- تحول العراق الى ساحة تصفية حسابات من قبل أجهزة المخابرات العالمية و كل دولة تريد أن تفرض وجودها و تثبت مصالحها فيه.

٩- تحول المدن المقدسة ومحيط المراقد الدينية الى ساحة مواجهة مسلحة مما سبب ضغطاً نفسياً هائلاً على أتباع أهل البيت -عليهم السلام- والمرجعيات الدينية .

١٠- وجود طبقة سياسية - وحيدة في الساحة - مهزوزة ومترددة تعيش فترة انتقال من المعارضة الى الحكم وغير مدركة لخطورة الموقف وناظرة للمصالح الضيقة .

١١- الشحن الطائفي الذي مارسه الإعلام العربي ومشايخ الفتنة ، والدعوات الصريحة للحرب الأهلية .

١٢- تهديد المرجعيات الدينية ومحاولة إخراجها من العراق ، واستهدافها في أكثر من عملية .

١٣- عمليات تصفية واسعة للكوادر الأكاديمية والعقول العراقية ، واغتيال العلماء لمنعهم من أي مشاركة إيجابية في نهوض العراق ،  ودفعهم الى الانطواء أو الهجرة خارج البلاد .

١٤- وجود الشركات الأمنية الأمريكية التي تجند مرتزقة من دول مختلفة وتقتل بدم بارد بل كانت تتسلى بقنص المدنيين . كما أن قوات الاحتلال نفسها مارست جرائم بشعة بحق المدنيين.

 

 

أمام هذه الفوضى - وفي بلد مهم مثل العراق ليس من مصلحة الكثيرين أن يستعيد عافيته -

لم يكن بيد المرجعية مجاميع مسلحة ، ولا أي مصدر للقوة سوى التحرك بسلطتها الروحية والدينية لتمارس من خلال تأثيرهما على الناس دورها و هو محصور في شيء واحد

لا غير :

يجب تأسيس دولة عراقية تحكم نفسها بنفسها لتسيطر على هذه الفوضى العارمة .

و كانت المرجعية في حينها أمام مسؤولية تأريخية عظيمة ( يُنظر : صورة رقم ١ ) .

و لابد لهذه الدولة من مقوّمات أولها الدستور .

فكانت قوات الاحتلال مصرّة اصراراً شديداً بأنها تتولى بنفسها كتابة دستور العراق .

الدستور الذي يُكتب بيد المحتل كيف يُراعي مصالح الشعب و يحترم دين الأغلبية ؟!

فدخلت المرجعية في دوامة مقاومة شديدة مع الاحتلال ، و وقفت بوجهه فعارضت قراره هذا .

و كانت ترى من الواجب أن يُكتب الدستور بأيدٍ عراقية يمثلون الشعب عن طريق الانتخابات (يُنظر : صورة رقم ٢ ) .

إذن لابد للشعب أن ينتخب ممثلين عنه ليكتبوا دستوره ، و في خضم الانفلات الأمني و تدهور الأوضاع كانت قوات الاحتلال و السلطة الحاكمة بزعامة إياد علاوي يرون عدم امكانية اجراء الانتخابات .

لكنّ المرجعية ترى عدم وجود سبيل آخر غير الانتخابات ، و إنها ممكنة استناداً إلى تقارير الخبراء ، و بالإمكان اجراؤها اعتماداً على الاحصاء السكاني في البطاقة التموينية .

فحثت الناس على المشاركة فيها (يُنظر : صورة رقم ٣ ) .

و في( 30/1/2005 )جرت أول انتخابات عراقية ، الغاية منها تشكيل الجمعية الوطنية لتقوم بمهمة كتابة الدستور .

و كانت القوى الشيعية مؤتلفة تحت مسمّى ( الائتلاف العراقي الموحد ١٦٩ "الشمعة" )

و قد دعمت المرجعية تشكيل هذه القائمة للأسباب الموجودة في( صورة رقم ٤ ) كما زجّت بعض رجالها الأمناء ليشاركوا  في كتابة الدستور ليراعوا مصالح الشعب العليا

و دين الأغلبية و لم يكونوا وحدهم في اللجنة بل كان معهم العشرات و فيهم ما فيهم من العيوب .

و كانت مهمة بعض رجال المرجعية مقتصرة على هذا الأمر لا غير .

و بالإضافة لأسباب دعم التشكيل المذكورة في صورة رقم (4) نقول :

لقد قلنا إن الغاية من هذه الانتخابات محصورة في كتابة الدستور - الذي أصرّ المحتلون

 على كتابته بأيديهم بعيداً عن مراعاة مصالح الشعب- و ليس للحكم .

و كان الشعب أمام أول تجربة انتخابية فالمشاركون كلهم وجوه جديدة و ليسوا مجرّبين .

و كانت المرجعية ترى من الضروري مشاركة الطائفة الشيعية في كتابة الدستور

كبقية إخوانهم من الأديان والطوائف الأخرى .

و الشيعة لم تكن لهم مشاركة سابقة في نظام الدولة بسبب إقصائهم من النظام السابق

مع كونهم يمثلون أغلبية الشعب .

و لم تكن في حينها قائمة أخرى تمثل الشيعة غير قائمة (الإئتلاف العراقي الموحد),

حيث اجتمعت فيها كل القوى الشيعة .

و انبثقت الحكومة الانتقالية المؤقتة من هذه الانتخابات لكي يتم في ظلها إجراء تصويت الشعب على الدستور ، والانتخابات النيابية القادمة ، وتولّى رئاستها إبراهيم الجعفري.

وعندما تمت كتابة الدستور عُرِضَ على الشعب ليصوتوا عليه بـ نعم أو لا ( بتاريخ 15/10/2005  ).

و قد أيّدتِ المرجعية التصويت عليه بـ( نعم ) . و التفاصيل في( صورة رقم ٥ ) .

و لم يكن في ذلك الحين الاعلام متاحاً لذلك اعتمدت المرجعية في ايصال توجيهاتها - بخصوص الانتخابات الاولى و التصويت على الدستور - على الوكلاء و المعتمدين المنتشرين في مناطق البلاد ، وهم أخذوا على عاتقهم تنفيذ هذا الأمر .

 و اذا قام شخص ما بتبليغ غير ما تراه المرجعية فهي غير مسؤولة عنه ، و كان رأيها في عدم الوجوب الشرعي للمشاركة في الانتخابات جلياً كما في ( صورة رقم ٣ ) .

و الحمد لله صوّت أغلب الشعب بـ (نعم) على الدستور ، و كان هذا تحدياً كبيراً و ارغاماً

 لأنف الاحتلال ؛ لأنهم كانوا يرون فشل مساعي المرجعية ليقوموا بأنفسهم بمهمة كتابة الدستور العراقي .

 

و بعد انتهاء فترة المرحلة الانتقالية للحكومة المؤقتة جرت الانتخابات النيابية في

( 15/12/2005 ) ليُنتخب البرلمان الدائم الجديد لمدة أربع سنوات مقبلة  و تتشكل

الحكومة التي تتولى ادارة أمور البلاد خلال المدة المذكورة .

و هنا كان رأي المرجعية واضحاً بهذا الصدد (يُنظر : صورة رقم ٦) .

حيث تولّى رئاسة هذه الحكومة نوري المالكي .

إذن اتّضح لنا أنّ المرجعية دعمت و أيّدت لأجل كتابة الدستور لا غير ، و كانت متحفّظة على العديد من بنوده لكنّ الوضع العسير الذي مرَّ به العراق حتّمَ تمريره .

و أما السياسيون و أصحاب السلطة الذين فشلوا في ادارة البلاد فكان انتخابهم من قبل الشعب فقط دون تدخل المرجعية ؛ لأن الحكومة الدائمية  أُنتخبت في (15/12/2005)

و كان رأي المرجعية في (صورة رقم ٦ ) واضحاً .

و قد اكتفت المرجعية بإسداء النصح للناخبين بضرورة انتخاب الصالح الكفوء حسب ما تتوصل إليه قناعته.

كما أن منهج مرجعيتنا هو عدم التدخل المباشر في أمور السياسية إلا فيما تقتضيه المصلحة العامة (يُنظر صورة رقم ٧) .

فلا يجوز لنا أن نحمّلها ما لا تتبناه ، كعدم تبنّيها نظرية ولاية الفقيه بالمعنى المتداول عصرياً(يُنظر: صورة رقم ٨) .

 

مصدر الصور :

كتاب النصوص الصادرة عن سماحة السيد السيستاني - دام ظله - في المسألة العراقية ، تأليف : الدكتور حامد الخفاف (مدير مكتب السيد السيستاني في لبنان) ، الطبعة السابعة ، ١٤٣٨ - ٢٠١٧ .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ايوب عدنان الأسدي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/01/26



كتابة تعليق لموضوع : دور المرجعية في تأسيس كيان الدولة الحديثة بعد السقوط ورعاية المصالح العليا للشعب
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net