صفحة الكاتب : د . عباس هاشم

الحيدري ومفاجأة أخرى حول عصمة الأئمة (ع) 
د . عباس هاشم

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 

يسّوغ السيد الحيدري للشيعي القول بعدم عصمة الأئمة، ويزعم أن من يقول بذلك لا يخرج من التشيع، وأما القول بأن العصمة ضرورة مذهبية، فإنه يرفض الضرورات ويزعم أنها من وضع العلماء، فهي ضرورات علمائية كما في تعبيره. والمهم عند الحيدري طاعة الأئمة، ووجوب طاعتهم لا تقتضي أن يكونوا معصومين، ويضرب مثالا بالفقهاء حيث يزعم بوجوب طاعتهم مع انهم ليسوا معصومين.

 
 وفي هذا الطرح خطورة وأهداف بدأت تتجلى بوضوح، ولها صلة بمشروعه الحداثي الذي ينبغي أن لا يقبل تقديس أي شخصية ويميل للقول بتاريخية ما صدر من النبي والأئمة، أي أن ما صر منهم متأثرا بعصرهم وظروفه ولا يصلح لهذا العصر، وقد تم الرد سابقا على هذا الطرح، ولكن المفاجأة أن نكتشف مع الأيام، خطورة القول بعدم عصمتهم من خلال كلام السيد الحيدري نفسه كما سيتضح في هذا المقال.. ولكن قبل ذلك، نعيد بشكل مقتضب ما بيناه سابقا في ثلاث نقاط: 

أولا: عندما نقول أن الإيمان بعصمتهم ضرورة مذهبية، أي يخرج من التشيع من لا يؤمن بها، فإن ذلك مشروط بعد أن ثبت وجوب أخذ الدين منهم وفق حديث الثقلين، بأن يبلغ الفرد الشيعي بيانهم عليهم السلام من أنهم قد ثبّتوا العصمة لهم، وفي هذا العصر خاصة، قد ثبت بالتواتر تأكيدهم على عصمتهم سواء بالروايات المباشرة أو التي يلزم منها عصمتهم، بالتالي فإن مصطلح "ضرورة مذهبية" بهذا الفهم لا يمكن رفضه إلا تحكما وبلا مسّوغ علمي، وهذا ما فعله السيد الحيدري، فاعتبر القول بإمامتهم السياسية وعصمتهم من الأمور النظرية الاجتهادية، حالها حال أحكام السفر والقصر والتمام وغيرها. بينما لو ثبت له قطعا ما يدعيه من الإيمان بعصمتهم وإمامتهم السياسية، لما صحّ له أن يزعم أنها من الأمور الاجتهادية الظنية. فمجرد هذا الزعم يعني أنه لم يثبت له ذلك قطعا. وهو هنا يتفقمع مدرسة الخلفاء. 

ثانيا: وهو الأخطر حيث خلط السيد الحيدري بين وجوب أخذ الدين منهم وبين وجوب طاعتهم، فاعتبر الأمران سيان، فقال كما أن الفقهاء لا يجب أن يكونوا معصومين مع ذلك يجب طاعتهم، كذلك يجب طاعة الأئمة بأخذ الدين منهم. بينما أخذ الدين منهم لا يعد طاعة لهم، وكذلك أخذ الدين من الفقهاء لا يعد طاعة لهم، وإنما يرشدوننا لكيفية طاعة الله، فنأخذ منهم كيفية الصلاة والصوم وأحكام الحج. وهذا كله لا يعد طاعة لهم بل طاعة لله تعالى. ولا يجب طاعة الفقهاء بوصفهم فقهاء، فلو أمرك الفقيه بشراء الخبز له، أو احضار كأس ماء فلا يجب طاعته، وأما الأئمة، فيجب طاعتهم طاعة مطلقة، حتى لو أمرك بالخروج من مالك ومن أهلك، فهم كما هو رسول الله صلى الله عليه وآله: أولى بالمؤمنين من أنفسهم. وهنا نكتفي بروايتين: عنهم عليهم السلام "..وإنما أمر الله بطاعة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) لأنه معصوم مطهر لا يأمر بمعصية ، وإنما أمر بطاعة اولي الأمر لأنهم معصومون مطهرون لا يأمرون بمعصيته" وفي رواية أخرى "نحن خزان علم الله ، نحن تراجمة أمر الله ، نحن قوم معصومون ، أمر الله تبارك وتعالى بطاعتنا ونهى عن معصيتنا ، نحن الحجة البالغة على من دون السماء وفوق الأرض".

ثالثا: نعلم أن المسلمين جميعا قد اتفقوا على القول بعصمة النبي صلى الله عليه وآله، ولكن اختلفوا في سعة العصمة، فقال الشيعة بعصمته المطلقة، واقتصر السنة على عصمته في تبليغ الأحكام دون عصمته في تطبيقها، فقد يصلي الصبح قضاء مثلا عندهم. ولكن الكل مجمع على عصمته في تبليغ الأحكام، لأنه لو قلنا بعدم عصمته، فلا حجة عقلا على اتباعه فيما بلّغ، ويمكن الطعن في بعض ذلك ورفضه بدعوى أنه ربما أخطأ أو سهى أو ..الخ. والشيعة يؤمنون أن من وظيفة أهل البيت التبليغ بالأحكام أيضا وليس الرواية عن النبي كما يروي الآخرون، فقد بلغ عدد الروايات عنهم ما يقرب من 59 ألف رواية في الأحكام الفقهية فقط دون غيرها، وذلك وفق موسوعة وسائل الشيعة للحر العاملي والمستدرك على الوسائل للشيخ النوري، وويفة الفقهاء الاجتهاد في استنباط الأحكام الشرعية من هذه الروايات، فإذا قلنا بعدم عصمتهم، عرّضنا هذه الروايات للخطر، إذ بأي حجة أن نقول بعدم عصمتهم ثم نأخذ هذه الرواية وتلك؟ أما الفقهاء فيمكن رفض اجتهادهم ونقض مبانيهم وما يستنبطونه من أحكام من قبل فقهاء آخرون، فلا قياس مطلقا حتى في هذه الحالة.

ولكن ما المفاجأة الجديدة؟

في درسه عن نظرية قراءة النص أي كيف يفهم النص ، وبعد أن استعرض ثلاثة احتمالات لقراءة النص، إما أن تكون السلطة للنص ذاته أو السلطة لمؤلف النص وبالتالي الاهتمام بمراد المؤلف أو السلطة للقارئ وفهمه للنص. فإذا كانت السلطة لمؤلف النص، فيجب أن نصبّ عليه كل اهتمامنا. وأما لماذا الاهتمام بمؤلف النص، لأنه إذا اعتبرناه معصوما، فكل ما يقوله مطابق للواقع، وأما إذا لم يكن معصوما، فإن مواقفه تكون متأثرة بظروف وثقافة عصره و

علوم مجتمعه، فلا تكون مطابقة للواقع. إذن فهذا دليل آخر على أهمية القول بعصمة النبي والأئمة من لسان الحيدري نفسه، وإلا فكل مواقف الإمام وأقواله وتقريراته تعتبر لا تمثل واقع الحكم عند الله، وإنما متأثرة بواقع عصره ثقافيا وفكريا وملابسات وظروف مجتمعه، فهل يصح ممن لا يقول بعصمتهم الإلتزام بسنتهم وفق هذا الطرح للسيد؟ كلا

والآن لنأت للمفاجاة الثانية التي يثبت فيها الحيدري خطورة القول بعدم عصمة الأئمة وبذلك ينسف ادعائه من أن الاعتقاد بعصمتهم ليس ضرورة مذهبية. فهو يرى أنه إذا اعتبرنا مؤلف النص معصوما وهو في حال القرآن الله تعالى، ثم وجدنا آيتين متعارضتين دلالةً، هنا لابد من تخريجة لهما لأن المعصوم لا يتناقض مع نفسه. بالمثل لو قلنا أن الإمام معصوم، بالتالي لا يمكن أن يتناقض الإمام الباقر مع الإمام الجواد عليهما السلام، فلو ورد عنهما ورايتان متناقضتان، ظاهر الأولى أن لحم الأرنب حلال وعن الآخر ظاهر الرواية أن لحم الأرنب حرام، هنا لابد من القيام بعملية جمع تنفي عنهما التناقض، لأن المعصوم لا يتناقض. إذن يتضح أهمية وضرورة القول بعصمة الأئمة من لسان الحيدري نفسه، الذي يزعم بأنه يكفي أخذ الدين منهم، إذ لو كان يكفي أخذ الدين منهم ووردت روايتان متناقضتان، فهذا يرجع لخطأ أحدهما لكونهما غير معصومين، فماذا نفعل؟ نفعل كما يفعل الإمام أبو حنيفة الذي يعتبر قول الصحابي حجة، فإذا وردت روايتان متناقضتان عن الصحابة، يقول أنه يختار أي واحدة وفق ما يستحسنه، بالتالي لا حاجة لطريقة جمعٍ بين الروايات التي يستلزمها القول بعصمة الإمام عليه السلام. 

طبعا السيد الحيدري حاول الهروب من هذا المآل بدعاوى مختلفة، وذلك حتى يلتقي وما يدعوا له فكر عصر الحداثة من أن المناط والسلطة لقارئ النص، وليس للنص ولا لمؤلف النص، حيث ادعى أن ما ورد عن الأئمة في الروايات ليس مرادهم، لأن الذي كتب رواياتهم هو البقال والجمال والحمالي، و 70% منهم كتبت بالمعنى وليس نص كلام الإمام، فالمؤلف إذن هم هؤلاء الرواة عنده. ويضرب مثالا بما لو دخل سائق تكسي لا صلة له بالعلم وجلس في حلقة العلم وسمع بوحدة الوجود، سينقل للناس ما فهمه من أننا والله وحدة واحدة فكلنا الله. 

ولكن هذا مثال ساقط ولا يصح التمثيل به، لأن القاعدة أن الإمام عندما يعلّم الناس الدين، فهو يسعى لايصال مراده وتفهيمهم، وهم بدورهم ينقلونه للآخرين، لا أن يلقي كلاما غير مفهوم لهم، إذ ورد عنهم " أمرنا أن نخاطب الناس على قدر عقولهم"، ولهذا فالأئمة يخصصون الحديث الخاص الذي يفوق عقول عامة الناس لخواصهم، ولكن الحيدري يتشبث بالشاذ النادر ليخرم القاعدة، ويعتبر الروايات التي وردت عنهم عليهم السلام من تأليف من رووها، وذلك لينفي أهمية العناية بمراد المؤلف (مراد المعصوم).. وكذلك فإن سيرة الأئمة القطعية أنهم كانوا يشجعون العلماء على تدوين الروايات والرواية عنهم، فمثلا كان الرواة يروون عن آباء المعصوم أمامه، فلم ينهرهم ولم ينف نسبة ذلك لأبيه إلا نادرا، ولم يقولوا أن هذا فهم الراوي فهو إذن مؤلف النص. وكون الراوي جمالا وبقّالا لا يعيب لأن هؤلاء عرب وعلماء ولا تخدش مهنتهم في ذلك.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . عباس هاشم
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/01/24



كتابة تعليق لموضوع : الحيدري ومفاجأة أخرى حول عصمة الأئمة (ع) 
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net