كبيرا بقيت حين احتوشك المجرمون
حركة احرار البحرين

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

حجرة في يدك، كانت لك رمز الحرية واداة النضال، وكانت آخر ما تملك في هذه الدنيا التي ودعتها على عجل. وقعت على الارض ولم تسقط من يدك. تلك هي شاهد نضالك، وستظل صورتك بعد ان التحفت رداء الموت وانت متشبث بها في يدك دليل لا يقبل التأويل على قداسة الحجر لدى الاحرار الصامدين الذين لا يملكون من السلاح شيئا سوى الايمان والحجر. وعندما اصابتك طلقات الغدر، شعرت للمرة الاولى بانك حققت حلمك، واصبحت حرا. دمك الدافيء الذي انهدر من رقبتك وبطنك كان آخر مساهمة قدمتها لشجرة الحرية، فكانت وفيرة وسخية ودافئة وكريمة. قبل اربعة شهور فقدت رفيق دربك بعد ان ضمخته دماء الشهادة في يوم عيد المسلمين. شعرت بالفجيعة من جهة والكرامة من جهة اخرى. فأنتما، أيها الفرعان اليافعان آليتما ان لا تعيشا في ظل حكم المتجبرين والمستبدين، ورأيتما الطغيان آفة لا بد من القضاء عليها، ليعيش الناس بشرا أسوياء، يتمتعون بانسانيتهم ويتذوقون طعم الحياة الحرة. رأيت بعينيك وانت الطفل الذي لم تبلغ الخمسة عشر ربيعا، معنى الاستضعاف والاستعباد والاستبداد، وشعرت، يا بني، ان المرء لا يحيا الا مرة واحدة، فاما حياة حرة كريمة او موت بكرامة وشمم. عشت معنى الظلامة في يوم عيدك، عندما استهدف رفيق دربك، علي الشيخ، وقتل بطلقة نارية مباشرة في الرأي، فاعتبرتها هدية الطاغية لوالدة الشهيد يوم عيدها. آليت على نفسك يومها ان لا يقر لك قرار او تنام لك عين حتى تتحرر بلدك واهلك من النظام الذي جثم على صدور اهلها عقودا، مستعينا بالاجانب، ومتنكرا لكل ما هو انساني واسلامي. ولكن لم تكن تعلم، ولم يعلم غيرك، انك ستلقى ربك شهيدا بطريقة مستنسخة لما حدث للشهيد علي قبلك. ففي زقاق ضيق كنت وحيدا مع القتلة الذين امتلكوا اجسادا كالاباعر وعقول كالجرذان، رأوك فجأة فبهرهم نورك وأذهلهم شموخك، فخيل لهم انك الجبل الاشم الذي يتعالى فوق رؤوسهم، فجن جنونهم وأمطروك بوابل حقدهم، ومزقوا جسدك اليافع.

الموت والحياة تساويا لديك، منذ ان فقدت اعز رفاقك، فما معنى الكرامة ان فعلت كما يفعل عشاق الدنيا، ممن تروق لهم المناصب ويعشقون الدنيا؟ وماذا تعني الحياة ان كانت بلا كرامة او حرية او انسانية؟ وأية إنسانية تلك التي تسمح لاعداء الانسانية بحكم البشر وقتلهم وتعذيبهم بدون محاسبة او عتاب؟ كنت عظيما في حياتك بصمودك وشموخك وحضورك في ميادين الكفاح والنضال. فلقد أزال الله الغشاوة عن عينيك، وفتح قلبك لنور الايمان، وأراك النعيم الذي ينتظرك في الآخرة، فلم ترض عن كل ذلك بدلا. طالما رأيت البهائم ترعى في احياء وطنك، تدفعها الغريزة للبحث عن الأكل والشرب، وهناك ينتهي طموحها. مثلك لا يرضى بان يعيش بهيمة سائبة همها علفها، بل ادركت، وانت في مقتبل العمر، ان هناك طريقين امامك عليك ان تختار احدهما: فاما الكرامة والخلود والعطاء، او المهانة والفناء والتلاشي. عشت عمرك القصير في احضان المنابر، ورضعت من حليب أمك حب الجهاد والمجاهدين السائرين على خطى الحسين واصحابه. فانت سليل تلك العترة، ووارث مدرسة الشهادة، فكيف تعيش بدون ان تجسد معاني الحرية والكرامة؟ ولطالما سمعك القريبون منك حديث الشهادة ولقاء الله خصوصا بعد استشهاد علي الشيخ الذي ارتبطت به حبا وايمانا وجهادا، فكنت في عيون من يعرفك، مشروع شهيد قادم، وعنوان نضال متواصل، ومصداق ايمان حي متحرك. وعندما ودعت الدنيا في اللحظات الاخيرة من العام المنصرم كنت على موعد للقائه، وبقية الشهداء، وما اكثرهم. صعدت اليه بدون ان تودع والدتك التي فجعت بفقدك، ولكنها بقيت صابرة محتسبة تشكو الى الله ظلم الطاغية وجلاوزتهن وتدعو الله ليلا ونهارا ان يمحق الخليفيين والسعوديين ويأخذهم أخذ عزيز مقتدر. وهيهات يحجب دعاء الامهات عن الحضرة الالهية. فعما قريب سيحل القضاء باعداء الانسانية الذين ما فتئوا يقتلون ويفتكون ويعذبون.

لن تكون يا سليل رسول الله، آخر شهداء الوطن، وان كان رحيلك الاكثر فجاعة وألما، لانهم اغتالوك في زقاق ضيق، لم يفصل بينك وبينهم سوى الفاصل النفسي والتمايز الاخلاقي والقيمي.فأنت في ذروة الاخلاق والكرامة والصدق والكوكما ودعنا رفيق دربك، علي الشيخ، في يوم انقضاء شهر الصوم، فقد فارقت الدنيا في نهاية العام الذي ايقظ الشعب على ضرورة التصدي للظلم والطغيان والاستبداد. وبرغم ما يرتكبه فرعون وجنوده من جرائم وظلم وقتل واغتيال، فستظل انت، ايها الهاشمي، خاتمة عام الثورة، وقائد مسيرة "اللحظة الحاسمة" ومصداق المجاهد الصادق الذي انفتح قلبه على الله فاختاره اليه صابرا محتسبا شهيدا. لقد تغير الافق السياسي في الساعات التي اعقبت رحيلك، فأصبح التفاؤل سمة المناضلين الصابرين المتحسبين، وتراجع شأن المستبدين والظالمين، واصبحوا من السقوط والانهيار قاب قوسين او ادنى. دماؤك سالت دافئة على تراب اوال، فاحتضنها المجد، وايقظت القلوب النائمة للخطر المحدق بكل مواطن شريف يابى الانحناء او الخنوع ويرفض الاستعباد او الوصاية او الاستحمار على ايدي اعداء الانسانية. لاذ الانتهازيون والحقراء وعبيد الدنيا بالصمت، اما انت، يا من ورثت شهامة محمد وعلي والحسين، تقدمت الصفوف، ومزقت جدار الصمت، واعلنتها، مع اخوتك الذين سبقوك بالشهادة، والذين سيلحقون بكم، ثورة عارمة لا تهدأ، ونهضة واعية لا تهزم. أبى قلبك الحنون ان ينام على ضيم، او يتنكر لانات المظلومين، وآهات المعذبين. وعندما ودعت رفيق دربك وأنت صائم، كان لسان قلبك يخفق بالامل، برغم سنك اليافع. علمت الآخرين ان العقل ليس مرتهنا للعمر، وان الشجاعة ليست منوطة بالانتماء الايديولوجي او الديني، وان الايمان الحقيقي لا يتحقق الا عندما يحرك صاحبه على طريق الجهاد والنضال ومقارعة الظلم والتصدي للاستبداد. فما دام الظلم معشعشا على ايدي الطغاة وفراعنة العصر فلا يجوز لاحد ان يتخذ الصمت رداء، لان حقوق الناس تضيع وحرماتهم تنتهك وحياتهم تتحول الى جحيم.

سمعت يا سليل رسول الله باذنيك ورايت بعينيك ما يفعله الظالمون و المرتزقة واعداء الشعب بالاحرار والابرياء، واسترجعت ذاكرتك كيف تم أسر نساء بلدك، من قبل أسوأ البشر الذين باعوا ضمائرهم للشيطان، وكيف رموهن على قارعة الطريق مقيدات الايدي والارجل. قلبك لا يحتمل الا ان يكون هاشميا علويا، متحررا من اعباء الجاهلية واثقال الدنيا الزائلة، ويرتبط بربه العظيم الذي يقصم الجبارين ويمحق الظالمين، ويأخذهم أخذ عزيز مقتدر. هكذا كنت، وجاهدت، واستشهدت، فسلام عليك يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حيا. اما نحن فلا نستحق الا البكاء والتأوه لنصبح نحن غرباء التاريخ في اوطاننا، والنائمين على الضيم والخائفين من الشيطان، فما اتعسنا من قوم ان لم ننتقم لدمك!


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حركة احرار البحرين

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/01/02



كتابة تعليق لموضوع : كبيرا بقيت حين احتوشك المجرمون
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net