لماذا يكذب القادة والزعماء ؟
علاء هادي الحطاب

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

توطئة
     قبل ان نبدأ بالحديث عن الاسباب الحقيقة وراء كذب القادة والزعماء علينا اولا ان نبين الكذب وما يتضمنه من تلفيق وتحايل وخداع
الكذب : هو تزوير للحقيقة كي يخدع بها الشخص الآخرين، من أجل تحقيق أهداف ودوافع ذاتية معينة، وهو فعل مخطط لخداع جمهور معين، ويتضمن الكذب تأليف حقائق يدرك مؤلفها أنها غير حقيقية، أو انكار حقائق يعرف أنها صحيحة او عندما يتحدث الإنسان بمقولة يعرف أو يشك في عدم صحتها، ولكنه يأمل أن يظن الآخرون أنها حقيقة، اما التحايل والتلفيق فمن الممكن أن يختار الفرد أن يذكر بعض المعلومات الصحيحة وأن يسكت عن معلومات أخرى، وهذا لا يدخله في دائرة الكذب، ولكنه في الوقت نفسه يخرجه من دائرة الصدق وأن إخفاء جزء من الحقيقة في بعض الأحيان، قد يؤدي إلى خداع على نطاق واسع، كذلك الخديعة تعرف على أنها الخطوات المتعمدة لمنع الآخرين من معرفة الحقيقة كاملة بخصوص أمر محدد والهدف المخطط له هو عدم إيصال رواية مباشرة في وصف شامل للأحداث
انواع الكذب
هناك خمسة أنواع مهمة من الأكاذيب الاستراتيجية التي تستخدمها الأنظمة السياسية ضد بعضها البعض او ضد شعوبها
1- الكذب بين الدول
2- واثارة الذعر
3- التغطيات الاستراتيجية
4- صناعة الأساطير القومية 
5- الأكاذيب الليبرالية 
1 - الكذب بين الدول :- السؤال الذي يُثار هنا لماذا تلجأ الدول للكذب فيما بينها ؟
والجواب ان الواقع يشير الى ان العلاقة بين الدول لا تقوم على حسن النوايا أو الثقة المتبادلة بل إنها مبنية على الشك والارتياب وذلك بحسب مصلحة الدولة ونظامها السياسي براغماتيا، لكن الرؤساء لا يكذبون دائما لانه إذا شعر الكل بأن الرؤساء يكذبون، فلن يصدقهم أحد بعد ذلك، وهذا ثمن غال لا يمكنهم تحمله، فالكذب يكون فعالاً فقط عندما يعتقد الضحية المخدوع أن ما يقوله الكاذب هو الحقيقة، وبناء على ذلك، لا بد أن تتوافر أسباب مقنعة للقادة ليقتنعوا بأنهم ليسوا مضللين، مما يعني أنهم لا يكذب بعضهم على بعض بشكل مستمر، وإلا أصبح سلاح الكذب غير مجد.
فهناك انواع لاسباب كذب الانظمة السياسية على بعضها البعض في حال تعرض مصالحها للخطر ومنها:-  
- النوع الأول:- وهو أن يبالغ قائد الدولة في تصوير قوة دولته، والهدف من ذلك هو ردع العدو قبل أن يقوم بأي هجوم محتمل ضده ومثال ذلك ما قام به الزعيم السوفياتي خروتشوف، عندما أطلقت قواته صاروخها الباليستي الأول، في عام 1957، فرغم تفوق أميركا في ذلك الحقل، إلا أن خروتشوف قد روج أن الاتحاد السوفيتي يمتلك قوة صاروخية هائلة، مما أقلق الأميريكيين وساهم في ردعهم.
- النوع الثاني:- وهو أن تقلل الدولة من حجم قوتها، في محاولة لإخفاء تلك القوة عن أعين أعدائها خوفاً من أن يأخذوا حذرهم أو يدمروا تلك القوة في بدايتها ومثال ذلك إخفاء إسرائيل لبرنامجها النووي عن حليفتها الأميركية، وذلك حتى لا يتم إجبارها على النكوص والتراجع عن المضي قدماً في سبيل استكمال ذلك البرنامج.
- النوع الثالث:- فهو إخفاء الميول العدوانية تجاه دولة ما، للتمويه على النية المبيتة في الهجوم عليها، فهتلر في الفترة الواقعة ما بين 1933 و1938، حاول أن يقنع الدول الأوروبية بأنه ملتزم بالسلام والتهدئة، في الوقت الذي كان يعمل بمنتهى القوة للحشد والإعداد لحربه الكبرى.
- النوع الرابع:- هو عندما تكذب الدولة لتتستر على نواياها العدائية تجاه دولة أخرى منافسة، حتى تتحاشى استفزاز تلك الدولة ومن ذلك عندما قامت الدول الأوروبية بعقد معاهدة دنكرك في عام 1947 ومعاهدة بروكسل في عام 1948، تحت شعار التصدي لقوة ألمانيا المتزايدة، ولكنها في الحقيقة كانت تخطط لكبح جماح التوسع الروسي في أوروبا.
- النوع الخامس:- هو ذلك الذي يظهر عندما تهدد الدولة أحد أعدائها، من دون أن تكون هناك نية حقيقية للهجوم عليها، مثل ما قامت به أميركا في عهد الرئيس رونالد ريغان في عام 1986، عندما شعرت بالقلق من بعض النوايا الإرهابية المحتملة من جانب الزعيم الليبي معمر القذافي، فسرّبت بعض التقارير الكاذبة التي تشير إلى نيتها في قصفه، دون أن يكون هناك أي نية حقيقية في ذلك.
- النوع السادس:-هو تعمد الكذب لإثارة دولة أخرى واستفزازها لكي تبدأ بالهجوم والعدوان، ومن ذلك ما فعله المستشار الألماني بسمارك مع فرنسا، عندما دفعها دفعاً لإعلان الحرب على بروسيا.
- النوع السابع: هو عندما يؤدي قلق دولة ما من ان حلفاءها لن يأخذوا خطر الدولة المنافسة لها مأخذ الجد، الى الكذب عبر المبالغة في إمكانيات تلك الدولة الحربية، او سلوكها العدواني، حتى تثير انتباه حلفائها الى الخطر، وقد لجأت حكومة "بوش الابن" الى هذا النوع من الكذب في العام 2005م، عندما شعرت بأن الصين واليابان وكوريا الجنوبية لم يقدروا جدية الخطورة التي تشكلها كوريا الشمالية، ولكي تستثير انتباههم إدعت بأن كوريا الشمالية قد باعت ليبيا مادة اليورانيوم (يورانيوم هيكسافلورايد)، وهو مكون أساس لصناعة اسلحة نووية بيد ان ذلك لم يكن صحيحا، فقد كانت باكستان وليست كوريا الشمالية هي التي باعت المادة الي ليبيا
- النوع الثامن: هو عندما يحاول الزعماء التضليل لتسهيل عمليات التجسس او التخريب في وقت السلم، وكذلك للتخفيف من مغبة السقوط دوليا في حالة اكتشاف فعلتهم في التجسس والتخريب.
- النوع التاسع: تكذب الدول لتحسين وضعها العسكري في اثناء تجهيزها للعمليات العسكرية في زمن الحرب، ومثال ذلك في الحرب العالمية الثانية، أطلق البريطانيون حملة تضليل واسعة ضد المانيا النازية كان الكذب فيها امرا عاديا، وفي هذا السياق، قال تشرشل كلمته الشهيرة " في زمن الحرب يصبح الصدق شيئا ثمينا لا بد ان يحاط بسياج من الأكاذيب".
- النوع العاشر: يحدث حين يلجأ القادة الى الكذب للخروج بأفضل النتائج لمصلحة دولهم في اثناء التفاوض بشأن الاتفاقيات والمعاهدات الرسمية الأخرى. ولربما يكذبون على نظرائهم في التفاوض بخصوص املاكهم او قدراتهم، وكثيرا ما نجد هذا النوع من الكذب في مواقع عديدة منها: حظر السلاح، ومفاوضات وقف الحرب على الصعيد الأمني، والديون العالمية، والتعاملات التجارية في الجانب الاقتصادي. في هذا السياق، كذبت اليونان بشأن عجز ميزانيتها للسنوات المطلوبة حتى يتسنى لها الدخول في منطقة اليورو، مدعية ان عجزها اقل من 3%، في حين انه لم يكن كذلك. وقد نجحت كذبتها، واستطاعت ان تستخدم اليورو كعملة لها في العام 2001م.
 
2 - إثارة الذعر:-
                  ويتم استخدام اسلوب إثارة الذعر عندما يرى قادة الدولة خطراً محدقاً بهم، وفي الوقت نفسه لا يتمكنون من إقناع الشعب بخطورة هذا الوضع فالقادة الذين يستخدمون أسلوب إدارة الذعر قد يستهدفون إثارة حالة خوف غير موجودة في مخيلة الشعب أو في أغلب الأحوال نجدهم يبالغون في تضخيم أثر تهديد موجود فعلاً، ولكنه يخرج عن الدوائر الحكومية، ويتلخص الهدف النهائي من وراء ذلك في الحصول على دعم شعبي لقضية ما يحتاج النظام السياسي الدعم الشعبي فيها لذا فأن اسلوب إثارة الذعر يتم استخدامه في النظم الديموقراطية بشكل أكثر منه استخداماً في النظم الأوتوقراطية، والسبب في ذلك أن النظام الديموقراطي يشهد دوراً كبيراً للجماهير والشعب في تحديد القرار السياسي، بعكس النظم الملكية التي يتخذ فيها فرد واحد أو طبقة محددة القرار من دون الرجوع إلى الشعب ومثال على ذلك بالحرب الباردة ما بين الاتحاد السوفياتي وأميركا، فالأول بشمولية نظامه الحاكم كان أسهل في الحشد والتعبئة من الثانية، مما حدا بالحكومة الأميركية لإطلاق الكثير من الأكاذيب والخداع لإقناع شعبها بضرورة وحتمية المواجهة.
3 - التغطيات الاستراتيجية:-
                            أن تقنية التغطيات الاستراتيجية، تعتبر من أهم أنواع الكذب والخداع التي تمارسها الدول، ويكون المستهدف منها الجمهور الداخلي، والدول الأخرى في آن واحد، إذ أن مسألة الحفاظ على الروح المعنوية هي من أهم الأسباب والدوافع التي تجعل الساسة يلجأون إلى استخدام تقنية التغطية الاستراتيجية، وقد تكون التغطية بسبب استهداف هدف استراتيجي على المدى البعيد، مثل ما قام به الرئيس الأميركي جون كيندي عندما سحب صواريخ "جوبيتر" من تركيا في مقابل سحب الاتحاد السوفياتي لصواريخه من كوبا، ثم خرج لينكر ذلك كله أمام شاشات التلفاز، حيث كان كيندي يرى أن الأولوية في ذلك الوقت هي نزع فتيل الأزمة التي من الممكن أن ينتج عنها صدام نووي مع السوفيات.
4 - الأساطير القومية:-
                       ظهرت تلك الأساطير والأكاذيب استجابة إلى التغيرات السياسية التي وقعت في الدول خلال القرنين السابقين، فالدول التي أصبحت تعتمد في قيامها على فكرة القومية، حاولت أن تستند إلى عدد من البطولات والقصص التاريخية التي تعطي لها ولمواطنيها تميزاً وقوة وحقاً يفوق ما لدى أعدائها في الدول المجاورة وأن تلك الأكاذيب تسير في اتجاهات ثلاثة، وهي (( الإعلاء من شأن الجماعة القومية- تنقيتها من كل ما قد علق بها من خطايا وذنوب- والإضرار بالجماعات المجاورة)) وأن الأساطير القومية يتم اختلاقها بواسطة كل من النخبة والطبقة الحاكمة من جهة والعامة من جهة أخرى فالنخبة تعتقد أن تلك الأساطير تؤيد الروح الوطنية القوية التي يجب أن يتلبس بها المواطنون، كما أن تلك الأساطير تعطي أسبابا معقولة للجنود والمقاتلين للاستشهاد في سبيل الدولة في ساحات الحروب والمعارك، أما عامة الشعب، فيجدون في تلك الأكاذيب فرصة لإثبات تفوقهم التاريخي على الشعوب المجاورة، وكيف أنهم يتقدمون عليهم ويتفوقون منذ فترة بعيدة، وأنه في الكثير من الأحيان، وهناك علاقة طردية تربط ما بين درجة القسوة والتوحش اللذين صاحبا تأسيس الدولة من جهة وحجم الأساطير القومية التي تختلقها الأنظمة السياسية والنخب الفكرية في تلك الدول من جهة أخرى، ونجد أن بعض الدول لا تكتفي بنشر أساطيرها القومية داخل نطاقها الداخلي، بل إنها تعمل على نشر تلك الأساطير في المحيط الدولي، بغية تحقيق هدف ما ومن ذلك ما نشرته إسرائيل عقب احتلالها فلسطين، عندما ادعت أن الفلسطينيين قد تركوا منازلهم بمحض إرادتهم، وهو الأمر الذي يخالف الواقع التاريخي الذي يؤكد على أن ما يزيد عن السبعمائة ألف من الفلسطينيين قد تم تهجيرهم قسراً أثناء حرب 1948، وأن السلطات الإسرائيلية قد رفضت العديد من الطلبات التي قدمها بعضهم للعودة إلى ديارهم.
5 - الأكاذيب الليبرالية:-
                       الكثير من الدول التي اعتادت أن تصف نفسها بالليبرالية، قد قامت في العديد من اللحظات الخطرة بتصرفات تتنافى مع ليبراليتها، وذلك بغرض الانتصار في معركة معينة أو للحصول على بعض المكاسب المادية لذا فأن بعض زعماء الدول الليبرالية قد اعتادوا على أن يطلقوا عدداً من الدعايات التي تبرّر مواقفهم السياسية العدوانية، ومن ذلك قتل أميركا لأكثر من 900 ألف ياباني في الحرب العالمية الثانية، لا لشيء إلا كي تنتهي الحرب مبكراً.
نتائج كذب القادة والزعماء :- أن الآثار والنتائج السلبية للكذب تظهر في المجتمعات والدول الديموقراطية بشكل أكبر منها في الدول الديكتاتورية، والسبب في ذلك أن الشفافية والموثوقية عنصران مهمان وأساسيان في تلك الأنظمة، وأي غياب لأحدهما يؤدي إلى حدوث حالة من حالات الضبابية والارتباك في المشهد السياسي ككل.
اسباب الكذب :-
1- إن الدول التي تعيش في مناطق الصراع الخطرة والتي يكون فيها التنافس الامني حادا تميل أكثر إلى الكذب عكس المناطق التي تكون آمنة نسبيا 
2- يتفشى الكذب في زمن الحرب أكثر منه في زمن السلم 
3- في الأزمات يكون القادة أكثر قابلية للكذب من الأوقات الهادئة 
4- يكذب القادة أكثر على الدول المنافسة أكثر من الدول الصديقة. 
هناك تيارين على المستوى العام ينظران إلى الكذب، التيار الأول يرى الكذب من منظور مطلق، ومعنى ذلك أن الكذب دائما خطأ ومن النادر أن تكون له جوانب إيجابية ويمثل هذا التيار إيمانويل كانت وأوغستين، فالكذب وفق كانت يمثل أكبر انتهاك يرتكبه الإنسان في حق نفسه، أما التيار الثاني فهو التيار النفعي الذين يرون أن الكذب يكون منطقيا في بعض الأحيان لأنه يحقق غرضا اجتماعيا مفيدا.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علاء هادي الحطاب

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/12/01



كتابة تعليق لموضوع :  لماذا يكذب القادة والزعماء ؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net