صفحة الكاتب : ادريس هاني

الميديوقراطية وحروب الإعلام القذرة
ادريس هاني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

العنف الذي يمارسه الإعلام ضدّ العقل الجمعي لا حدود له..تعذيب يومي..استهداف لا يتوقّف..إنّها حرب غير مباشرة على الجمهور..لم يعد الأمر يتعلق بحرب إعلامية تستهدف العدو بل أصبحت حربا ضد الجمهور نفسه من أجل إخضاعه وفرض صورة زائفة عن الحقيقة التي يتطلع إليها المتلقّي..أي قيمة للتطور في تقنية الوسائط إن كانت في نهاية المطاف لن تقدم إلاّ معلومة مغشوشة للمستهلك؟ خلف الإعلام توجد سياسة إعلامية.. وهناك وجب التوقف لاختبار أسباب نزولها..فقد تكون سياسة تستهدف استرقاق الوعي وقد تكون سياسة تهدف كسر الحواجز أمام الحقيقة..في الحالة الأولى هناك استخفاف بالعقل الجمعي يستدعي استغلاله..وهنا تتعاطى السياسة الإعلامية الإمبريالية مع المتلقّي كقاصر وكموضوع إثارة ليس إلاّ، وهي تطبّق عليه نظرية بافلوف بخصوص الإثارة ولعبة المثير وغسيل الدماغ..إنّ السياسة الإعلامية الإمبريالية تقيم قياسا في ردود الفعل بين الكلاب والبشر..وهكذا اهتدت إلى وضع اليد على الإعلام باعتباره وسيلة إخضاع وغسل دماغ وتحوير الأفكار وتزييف الأحداث..إن كان هناك من يعتبر أن الإمبريالية والرجعية تصرف كل هذه الأموال لغرض الترفيه وخدمة المشاهد فه واهم حدّ الغباء..ففي كلّ لقطة هناك رسالة وفي كل كلمة هناك فعل ممنهج لغسيل دماغ المشاهد..أحيانا لسنا أمام محاولة لغسيل الدماغ بالمعنى الذي يفيد تغيير الأفكار وتعديل النظر عبر نظرية بافلوف التي أجريت على الكلاب فحسب، بل أحيانا تصبح الميديا وسيلة لتحويل المشاهدين إلى كلاب حقيقية دورها أن تنبح وتنتظر وجبة من الصوت والصورة تدرك مسبقا مواقيتها..تعويد العقل على أنماط من الفرجة والبرامج كافية لكلبنة الإنسان وتحطيم قدرته على الاختيار..إذا كنت خبيرا بألاعيب الإعلام ستجد في خريطة البرامج التي انتهى إليها التلفزيون تحديدا نوعا من الإكراه "الوعياني" للخضوع والجلد المكثّف للذّائقة في سبيل الوصول إلى حالة القبول العام بالرداءة في الصوت والصورة والثقافة..إن كان الشارع ينوء بالتفاهة فلأنّ التلفزيون يلعب دور التربية على القبول بالأذواق الدّنيا في كل مناحي الحياة.. إنّ العصر القادم هو عصر التحكم بواسطة الصورة أو بتعبير آخر هو عصر الميدوقراطية (La Média-cratie)..تعابير تكرست في المعجم السياسي..مثل الفيديقراطية الذي ظهرت في الاستعمال الإيطالي في تسعينيات القرن الماضي (La videocrazia) مع الصعود السياسي لبرلسكوني ، رجل السياسة الذي يملك المجموعة الإعلامية الأضخم التابعة للشركة القابضة (Fininvest)..وعلى غرار ذلك سنجد مصطلحات تقترب من المعنى راجت في نقد الهيمنة بالإعلام مثل التيلي-قراطية(télécratie)..ستنشأ بعد الهيمنة على الميديا سيولة في استعمال الديمقراطية التي تعني الحق في المشاهدة وليس الحق في المشاركة,,يغيب هذا المفهوم من حقل الميديا حيث نقف على شكل من التوتاليتارية المقنّعة..في الغرب أو الشّرق ليس هناك سوى الخضوع، ودفتر تحمّلات يشبه العمل داخل مؤسسة المافيا..لا تتعجّب إن رأيت أشكالا من الطّرد التعسفي داخل شبكات الإعلام المجنّدة في الحروب: تغيير الولاءات، الاختلاف حول الصفقات، الحسابات الداخلية نظرا لاختلاف المصالح..فالميديا هنا كشبكة حاكمة، والدخول أو الخروج منها يخضع لقواعد الانتماء إلى تنظيم المافيا.. لقد كانت الصورة والصوت سابقا أمرا مخيفا، لكن ما الذي جعلهما اليوم أمرا يجاوز المدى؟ هذا يعني أن الصوت والصورة لم تعد تخيف أحدا، لأنّها حققت السيطرة الكاملة..اليوم ربما بات الصمت هو الأكثر رعبا..غياب الصوت والصورة أمران مزعجان، لذا فدور الميديوقراطية أن تستنطقك، وإذا نطقت فلا بدّ أن يكون ذلك ضمن حدود ترسم وفق السياسة الإعلامية المتّبعة..أنت حرّ أن تعبّر لكن في حدود الأنماط التي تحددها مافيا الإعلام..لست حرّا في الصمت ولست حرّا في الكلام..وجب عليك أن تتكلّم في إطار محدد..العنف الميديولوجي..سنكرر أساليب التنميط لكي نحدّد لك إطارا للكلام..إذا وعيت بلعبة الإعلام أصبحت عدوّه الذي يتحاشاه..تختار الميديوقراطية بعناية عبيد المنزل لقمع عبيد الخقل..كلاب الحراسة لقمع كلاب المجتمع البافلوفي..يلعب الإعلامي المنخرط في عنف الميديا ضدّ المواطن دور كلب الحراسة، المنخرط في تنميط الواقع والاستثمار في الحقيقة..ثمة نظام إعلامي فاسد..تهدف الصناعة الإعلامية إلى التحكم في إنتاج الحقيقة واستهلاكها..لا يوجد مشاهد حرّ.. لقد تطورت العقول الثورية حتى أصبحت تستوعب تقنيات التحكم الإعلامي، لكن لا زلنا نسمع كلاب الحراسة الجدد يتحدثون عن أنّ الإعلام يقوم بمهامه وبمهنيته..وفي هذا الانزلاق الغضروفي لوظيفة الإعلام يستوي الجمهور وحتى الطابور الخامس لمافيا الإعلام، فهؤلاء يفهمون أنّهم أجراء في حرب ميديولوجية قذرة ولكنهم جاهلون بخفايا التحكم في الجمهور والأجراء معا.. الوعي يبدأ من هنا، من الثورة على الإعلام وإخضاعه لمراقبة منتجي الوعي والتنوير في عالمنا..لا أتحدّث عن إقليمنا المتخلّف فحسب، بل عن العالم باعتباره غدا مسرحا للميديوقراطية: ديكتاتوريا الصوت والصورة واستغباء العقل..هنا لا بدّ من استراحة مقاتل..الصّمت..هذا الأخير وسيلة لمقاومة الضجيج الإعلامي الذي يشلّ الوعي..الصمت هو مرحلة التحلل من ثقل الصوت والصورة ومحمولاتهما..حالة استرخاء يقتضيها الوعي ليستأنف مرحلة الوعي بتاريخ من الخداع مارسته الميديا باسم التحرر والديمقراطية ومهنة المتاعب..يشبه دورالأجراء في الميدوقراطية دور الممرض المساعد في ورشة المتاجرة بالأعضاء البشرية، فكل شيء هنا أيضا يتمّ بمهنية...


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ادريس هاني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/10/22



كتابة تعليق لموضوع : الميديوقراطية وحروب الإعلام القذرة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net