صفحة الكاتب : عبدالاله الشبيبي

الحسد... داء الامم و حالق الدين!...
عبدالاله الشبيبي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال رسول الله (ص): قال الله عزَّوجلّ لموسى بن عُمْرَان: يابن عُمْران لا تَحسدنَّ النّاسَ على ما آتيتُهم من فضلي، ولا تمدَّنَّ عينَيْكَ إلى ذلك، ولا تُتْبِعْهُ نفسَك، فإنَّ الحاسدَ ساخطٌ لِنعمي، صادٌ لِقِسمْي الذي قسمتُ بين عبادي، ومَنْ يكُ ذلك فلَستُ منه وليس مني.
والحسود ساخطٌ على خالقه سبحانه، يتمنَّى السوء لأخيه، راغبٌ في الدنيا، دائم الخوف والحزن وعبوس الوجه... وهذا بخلاف أهل الإيمان الذين يحملون في قلوبهم نوراً يشرح الصدور ويُمكِّنُ الرِّضا والقناعة، وهذا يتعارض مع ظلام الحسد.
والحسد إحساس نفساني مركب من استحسان نعمة في الغير مع تمني زوالها عنه لأجل غيرة على اختصاص الغير بتلك الحالة أو على مشاركته الحاسد فيها.
فقد يغلب الحسدُ صبرَ الحاسد وأناتَه فيحمله على إيصال الأذى للمحسود بإتلاف أسباب نعمته أو إهلاكه رأساً. وقد كان الحسد أولَ أسباب الجنايات في الدنيا إذ حسد أحد ابني آدم أخاه على أن قُبِل قربانه ولم يقبل قُربان الآخر. المصدر: التحرير والتنوير.
وفي مراحل متقدمة، ومع التمادي دون إصلاحٍ وردعٍ للنَّفس، قد يُؤدِّي الحسد لا سمح الله، إلى الغِيْبة والنميمة والكذب والافتراء واختراع الوقائع، لتبرير حسده. وهذا يضرُّ به دون المحسودين، الذين يتنعَّمون بما وهبهم الله تعالى، بينما هو يغتمُّ ويحزن ويموت بطيئاً بكَمدِهِ. وفي النصِّ عن علي أمير المؤمنين: الحسد يُضْني الجسد. وعنه أيضاً: الحسود أبداً عليل.
قال رسول الله (ص) ذات يوم لأصحابه: إنه قد دبّ إليكم داء الأمم ممن قبلكم، وهو الحسد ليس بحالق الشعر ولكنه حالق الدين، وينجي منه أنه يكف الإنسان يده ويخزن لسانه، ولا يكون ذا غمز على أخيه المؤمن.
ورد في الحديث عن الامام الباقر (u): إن الحسد ليأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب. وقال الامام صادق (u): آفة الدين: الحسد والعجب والفخر.
وقد عرف السيد محمد الصدر الحسد أخلاقياً: هو تمني زوال النعمة عن الآخر، وانتقالها إليه أو اتصافه بها، ومن هنا قد يفعل الأفاعيل ضد الآخر حسداً له. ولذا تنهى الرواية عن ذلك بقوله، ولا يكون ذا غمز على أخيه المؤمن.
ومن الطبيعي أن الحسد يحلق الدين، أي يزيله ويتلفه. لأن المهم وإن كان هو عاطفة الحسد، إلاَّ أن الأهم هو العمل السيئ الذي يقوم به الحاسد.
وقال الشهيد الثاني في "كشف الريبة": الحسد وهو أعظم الأدواء، وأكبر المعاصي وأشرها وافسدها للقلب، وهى اول خطيئة وقعت في الأرض لما حسد ابليس آدم فحمله على المعصية فكانت البلية من ذلك الى الأبد وقد امر الله نبيه (ص) بالإستعاذة من شره فقال: مِنْ شَرِّ حاسِدٍ إذا حَسَد، بعد ان إستعاذ من الشيطان والساحر وأنزله منزلتهما.
وقال السيد عبدالحسين دستغيب: ذهب مشهور الفقهاء الى ان الحسد من كبائر الذنوب، والأعضاء كاللسان واليد هى طرق لإظهاره واثباته كما سبق، إلا ان بعض العلماء ذهب الى ان الحسد طالما كان غير ظاهر فهو ليس بحرام انما الحرام هو اظهاره وإنعكاسه على الأعضاء، لان الحسد القلبي امر غير اختياري، فهو نتيجة للخبث الذاتي، او العداء السابق لشخص، فحين يراه في رفاه ونعمة يستاء من ذلك قهرا وبلا اختيار، ويود لو تزول عنه، ولا تكليف في امر غير اختياري، وورد التصريح في عدة روايات انه لا مؤاخذة على الحسد القلبي ما لم يظهر.
وعلامات الحاسد ثلاثة كما ورد عن الامام الصادق (u): حيث قال: قال لقمان لابنة: للحاسد ثلاث علامات: يغتاب اذا غاب، ويتملق اذا شهد، ويشمت بالمصيبة.
ولهذا عبر السيد دستغيب عن حالق الدين بناقوس الخطر الذي دب في الامم السابقة واليوم يدب في ما بيننا، فان الامم السابقة بعد ان وصلت الى الكمال والسعادة، كان من اسباب تدمرها وسقوطها داء الحسد، حيث تمتد الاثار المدمرة للحسد الى الروح الانسانية وتلوثها.
وقال الامام الحسن (u): هلاك الناس في ثلاث: الكبر، والحرص، والحسد. فالكبر: هلاك الدين وبه لُعن إبليس. والحرص: عدو النفس، وبه أخرج آدم من الجنة. والحسد: رائد السوء، ومنه قتل قابيل هابل.
وهناك اسباب كثيرة للذين يحسدون منها خبث النفس وتلوثها، ومنها التنافس والتغلب، ومنها الكبر والانانية وحب النفس والذات والتفرد، ومنها الازدراء على الاخرين بتمني زوال نعمهم مكترثين نعم الله عليهم حاسداً لهم. ابعد الله عنا وعنكم هذه الخصل الذميمة وواقنا شرها.
ويذكر علماء الأخلاق للحسد منابع كثيرة منها: العداوة والحقد بالنسبة إلى الآخرين حيث يتسبّب في أن يتمنّى الإنسان زوال النعمة عن الطرف الآخر الّذي يحمل له العداء ويبطن له الحقد.
والآخر هو الكِبر والغرور، ولهذا إذا رأى المتكبر غيره يتمتّع بنعم أكثر منه فإنه يتمنّى زوالها بل يسعى في إزالتها أيضاً لكي يُحرز تفوّقه على الآخرين.
وعلى هذا الأساس فإنّ أشد أنواع الحسد هو أن يتمنّى الإنسان زوال النعمة عن الآخر ويتحرّك في هذا المسير أيضاً سواءً عن طريق ايجاد سوء الظن بالنسبة إلى المحسود، أو عن طريق ايجاد الموانع لعمله في حركة الحياة والمعيشة، وهذا النوع من الحسد يحكي عن خبث الباطن الشديد للحسود.
فإن الأمراض منها ما هو متعلق بالأبدان والأجسام، ومنها ما هو متعلق بالقلوب، وأمراض القلوب أشد خطراً وأعظم ضرراً من أمراض الأبدان، وعلاجها عسير والشفاء منها عزيز، وأمراض القلوب إما نتيجة شهوة أو شبهة؛ من هذه الأدواء الخبيثة، والأمراض الفتاكة المقيتة: الحسد، الذي يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب.
والحسد من أخبث الصفات وأقبح الطبائع، وهو من القبائح العقلية والشرعية، فإنه في الحقيقة سخط لقضاء الله واعتراض لنظام أمره وكراهة لإحسانه، وتفضيل بعض عباده على بعض، ويفترق عن الغبطة الممدوحة، بأن الحاسد يُحبّ زوال نعمة الغير والغابط يحب بقاءها، لكنه يتمنى مثلها أو ما فوقها لنفسه.
إنّ الفضائل والرّذائل، وطبقاً لهذه النظرية والرؤية، علامةٌ لسلامة ومرض الرّوح عند الإنسان، والأنبياء والأئمّة المعصومين، كانوا معلمي أخلاق، وأطباء نفسيين، وتعاليمهم تجسّد في مضمونها الدّواء النّافع والعلاج الشافي.
وعلى هذا، فكما هو الحال في الطّب المادي، ولأجل الوصول إلى الشّفاء الكامل، يحتاج المريض إلى الدواء، ويحتاج إلى الحُمية من بعض الأكلات، فكذلك في الطّب النّفسي والرّوحي الأخلاقي، يحتاج إلى الإمتناع عن أصدقاء السّوء، والمحيط الملّوث بالمفساد الأخلاقيّة، وكذلك الإمتناع عن كلّ ما يَساعد على تفّشي الفساد، في واقع الإنسان النفسي، ومحتواه الداخلي.
والحسد من أبشع الرذائل وألأم الصفات، وأسوأ الانحرافات الخلقية أثراً وشراً، فالحسود لا ينفك عن الهم والعناد، ساخطاً على قضاء اللّه سبحانه في رعاية عبيده، وآلائه عليهم، حانقاً على المحسود، جاهداً في كيده، فلا يستطيع ذلك، فيعود وبال حسده عليه، ويرتد كيده في نحره.
ناهيك في ذم الحسد والحساد، وخطرها البالغ، أن اللّه تعالى أمر بالاستعاذة من الحاسد، بعد الاستعاذة من شر ما خلق قائلاً: ومن شر حاسد إذا حسد. المصدر: اخلاق اهل البيت.
قيل لأرسطو ما بال الحسود أشد غماً من المكروب؟ قال لأنه يأخذ نصيبه من غموم الدنيا ويضاف إلى ذلك غمه بسرور الناس.

وللحسد أسباب وبواعث نجملها في النقاط التالية:
1. خبث النفس: فهناك شذّاذ طبعوا على الخُبث واللؤم، فتراهم يحزنون بمباهج الناس وسعادتهم، ويُسرّون بشقائهم ومآسيهم، ومن ثم يحسدونهم على ما آتاهم اللّه من فضله، وإن لم يكن بينهم تِرة أو عداء. وذلك لخبثهم ولؤم طباعهم.
2. العداء: وهو أقوى بواعث الحسد، وأشدها صرامة على مكايدة الحسود واستلاب نعمته.
3. التنافس: بين أرباب المصالح والغايات المشتركة: كتحاسد أرباب المهن المتحدة وتحاسد الأبناء في الحظوة لدى آبائهم، وتحاسد بطانة الزعماء والأمراء في الزلفى لديهم.
وهكذا تكثر بواعث الحسد بين فئات تجمعهم وحدة الأهداف والروابط، فلاتجد تحاسداً بين متباينين هدفاً واتجاهاً، فالتاجر يحسد نظيره التاجر دون المهندس والزارع.
4. الأنانية: وقد يستحوذ الحسد عن ذويه بدافع الأثرة والأنانية، رغبة في التفوق على الاقران، وحباً بالتفرّد والظهور.
5. الازدراء: وقد ينجم الحسد على ازدراء الحاسد للمحسود، مستكثراً نِعَم اللّه عليه، حاسداً له على ذلك.
وربما اجتمعت بواعث الحسد في شخص، فيغدو آنذاك بركاناً ينفجر حسداً وبغياً، يتحدى محسوده تحدياً سافراً مليئاً بالحنق واللؤم، لا يستطيع كتمان ذلك، مما يجعله شريراً مجرماً خطيراً. المصدر: اخلاق اهل البيت.
واليك بعض النصائح العلاجية للحسد:
1. تَركُ تطلع المرء الى من فوقه سعادة ورخاءً وجاهاً، والنظر الى من دونه في ذلك، ليستشعر عناية اللّه تعالى به، وآلائه عليه، فتخف بذلك نوازع الحسد وميوله الجامحة.
2. تذكّر مساوئ الحسد. وغوائله الدينية والدنيوية، وما يعانيه الحسّاد من صنوف المكاره والأزمات.
3. مراقبة اللّه تعالى، والايمان بحكمة تدبيره لعباده، والاستسلام لقضائه، متوقياً بوادر الحسد، ومقتضياته الأثيمة من ثلب المحسود والاساءة اليه، كما قال ص: ويُنجي منه أن يكفّ الانسان يده، ويخزن لسانه، ولا يكون ذا غمز على أخيه المؤمن. المصدر: اخلاق اهل البيت، ص220.
4. أن يقطع أسباب الحسد، ومنها: خبث النفس، العداوة، حب الرئاسة، الكبر والعجب، المنافسة.
5. أن يكلّف نفسه نقيض ما يقتضيه الحسد في قول ٍأو فعل، فان بعثه الحسد علي التكبّر ألزم نفسه التواضع.
6. أن يعرف الحاسد أن ّ الحسد يضرّه في الدنيا والدين، ولا يضرّ محسوده.
7. أن يعلم الحاسد أن ّ النِّعم ـ التي يحسد الناس من أجلها مصدرها الله فليطلبها منه.
8. أن يُغيّر نيته من الحسد الى الغبطة، وهي: أن يتمنّي حصول النعمة مع عدم زوالها عن صاحبها.
9. أن يعلم أن ّ الحسد مُضرّ بصحته الجسدية.
10. أن يعمد الى مراقبة نفسه ومحاسبتها ومعاقبتها، ويترك مراقبة الناس؛ فمن راقب الناس مات همّاً.
22. ذكر الموت، وهو هادم اللَّذات. المصدر: معرفة الاخلاق الإسلامية، ج1، ص23.
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عبدالاله الشبيبي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/10/21



كتابة تعليق لموضوع : الحسد... داء الامم و حالق الدين!...
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net