صفحة الكاتب : عزيز الدفاعي

سلام عليك أبا كل هذا التراب
عزيز الدفاعي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
 

رغم تقاطع ووحشة طريق الجلجلة ومشانق الشعارات المفرغة في ارض اليباب أتخيلك الان يا سيدي وأنت ‏تغادر تلك الربوة التي جف بحرها منذ قرون مرتديا بردة ابن عمك تحث الخطى الى كربلاء مقبلا اولادك ‏واصحابهم الذين استقبلوك قبل نقطة التفتيش ....تفاجئك المدرعات والبنادق ...تتساءل عن الذين لم ‏يتراجعوا او يخونوا .‏

‏ أمسكت بلا خوف مثلما علمتنا قبضة من اثر الرسول لتقذف بها في جوف (عجل )السلطة الجديدة دون ‏ان يطلق كما توقعت ذلك الرغاء وسط افواج النخب السلطوية الظالين والمظللين الذين كسروا وصايا ‏الرب والواح الانبياء وحكمة الوصي المغدور في محرابه الكوفي الذي ورث الشهادة والمرجعية دون ‏السلطة فكانت بوصلة للموقف الثابت والراسخ وخط مستقيما بين السماء والارض... وبيانا للشرف ضد ‏الرذيلة.. وصرخة الانسان الحق ضد الفرعون الاوحد الزعيم والصنم والبطل المستبد.... ‏

بين عالم الرفعة والكرامة الانسانية وذرائعية النكوص والركوع ولصوص الاوطان والدولة الاثنية الطائفية ‏نتذكرك سيدي ..حين رفع يدك الرسول ليبان بياض صدريكما كالثلج وكاجنحة الملائكة ...ورغم ذلك!!!!‏

نتطلع اليك مثلما تنظر الام لابنها الوليد لتخرجنا من هذا اليم والطوفان والتمزق الوطني مناديا بروح ‏القدس ليعيد القضية في قلب الدولة ...والدولة في ضمير الامة ...والشعب في ضمير الساسة ..لكي ‏يستعيد الوطن روحه وعنفوانه ووحدته وناموسه واشراقه الازلي .‏

والحق قد يتبدل وجهه وحظوره ولغته ولهجته وحتى ماهيته احيانا حين يستيقض وحش الانا الاثني  في ‏غفلة من الزمن او بفعل سنابك خيول الغزاة وسماسرة العهر الوطني الذين حولوا الوطن الى مجرد صك ‏او فريسة تلوكها انياب ذئاب الافاقين وميليشياتهم وازلامهم .‏

أللان التأريخ كله بكل فلسفاته ونظرياته وحظوره وشخوصه الادمية لاينحرف عن بوصلة التلاحم وكرامة ‏الارض في الانسان ...وعزة الانسان في ارضه لا في ماله او موقعه السياسي او سطوته.... ولان ‏الانسان هو الكائن الاعظم في معجزة الخالق العظيم فماذا نسمي من باعوا الارض وساوموا على العرض ‏والنفظ.... من لايكرمون من اسجد له الله الملائكة ويضطهدونه ويستعبدونه ويدوسون على جبين كادحيه ‏ومبدعيه الذين جعلوا من دمه  وقودا لمشاعل الساسة الذين لاكوا لحمنا بعد ان وطأته سرفيات الدبابات ‏وبساطيل الغزاة والمماليك . فماذا تبقى لنا غير النحيب في الديسابورا ومن سيعبر بنا هذا البحر الذي بات ‏يتسع كل يوم بخطاه؟ .‏

وهل لي ان اتجاوز السرمد لاعود الى الامد غارقا في هول شعاع يحمل اول ضوء بكينونة التاريخ...لهذا ‏العهد السماوي الكائن الاوحد والذبح العظيم على ثرى بقعة من بلادي وان استحي حتى لمجرد اسطر ‏كتبتها والملايين من اهلي يوقدون هذه الليلة شموعهم عند مغدور في محرابه فارق الروح قبل الف ونيف ‏عن خلاص ببركة ضحية رفعت يدها للسماء في لعنة المتخاذلين والناكثين وما اكثرهم بالامس واليوم ‏سيدي يارسول السلام وامير المحبة .‏

لم تبارحني ابدا تلك اللحظة بسكونها واهاتها لان الفارس يعود الينا كلما ابتعدنا عنه ويذكرنا بآدميتنا ‏ورقابنا الممدودة وحقوقنا المشروعة المنهوبة بعد ان برع كهنة الضريح ومسوسي الملة وساسة الطائفة ‏في لعب دور السامري الذي صنعوا اصنام الخرافة من عمانا ولحمنا المستوحاة من تراث الاخرين ‏وطقوسهم الوثنية وسحرهم الاسود ليتحول الفادي وانصاره الى مجرد حائط مبكى ومخلص منتظر من ‏الظليمة والمطامير وهو المظلوم المذبوح الذي اراد منا حين نستذكر لحظة الصلب او المبايعة ان نعرف ‏هوية القاتل الحقيقي وسارق لقمة الخبز وسمسار القضية... لا ان نبتلع الذكرى كسنارة تنغرس في شفاهنا ‏النازفة التي تجيد العوي والنحيب فقط... لكي لاتضيع العبرة وتبقى العبرة... والدماء التي تنفر من ‏الرؤوس والسلاسل التي تمزق الظهور والاقدام المتقيحة والصدور التي ادماها اللطم المتواصل كانه لم ‏يكفينا كل ذلك الامتهان والسبي والمهانة.‏

‏ فالشهيد واحد.. والنزيف شاهد... والوطن الذي لم يعد واحدا ممدد فوق التراب حتى قيام الساعة بلا ‏ناصر او مشيع او نادب في لحظة المواجهة مع الدكتاتورية والاحتلال والخوارج الجدد .‏

فيا لروعتك سيدي يا ابا تراب ويا لذلنا في تلك الظهيرة التي ضيعنا فيها رجولتنا وتمسكنا بخوفنا على ‏ارواحنا رغم انك تقدمت بنا الى المذبح الوطني  وحيدا لتسبقنا الى الفردوس بينما اخترنا كعادتنا المساومة ‏وفلسفة التراجع وايديولوجيا البقاء بينما وليدك يحمل بين يديه حتى الرضيع ويقذف دمه ليصبح قمرا يدور ‏حول نجمة الصباح بينما الغريبة ترفع الجسد المقطع الملفوف بحصير وتعيرنا بجلدها وصبرها وهاشميتها ‏‏:- اللهم تقبل منا هذا القربان .‏

فماذا فعلنا لاوطاننا نحن ؟...وما الذي تعلمناه من امير السلام  حتى لو اسقطنا جدلا خصوصية النبوة ‏وحتمية الشهادة سوى ان الانسان اما ان يكون مجرد شبح عابر في هذه الدنيا يطويه ظلام الابدية ويعيده ‏بصمت مثلما ولد وعاش لحما وعظاما تاكلها الدود والتراب دون بصمة اصبع واحدة او مجرد سطر او ‏شجرة مثمرة او لوحة او تمثال يحفره معول .‏

‏ او ان يكون الاكرم والاعظم والاروع بعيون بارئه وخالقه الفنان القدوس ليخلق هو الحدث لا ان يكون ‏وليدا له... ويصنع التأريخ ممسكا عقارب الزمن بيديه المخضبتين بالدم والوجع والابداع يوقفها عنده حين ‏يسقط بطلا انسانا مستبشرا رغم صنوف التهاويل والحراب والالغام في طريقه ...بينما تكون المحارق ‏والمزابل قبورا للطغاة والافاقين والشعارات الباهتة ولو طال الزمان .‏

وهيهات ان تخطأ الشعوب او تسير خلف من يزورون الثورات ويتاجرون بدماء صناعها الحقيقيين ‏ويستذكرون علي والحسين في لعبة السياسة المقيتة مازجين بين احلامهم السلطوية واوجاع الملايين الذين ‏تركوهم في سنوات الجمر وسط ذئاب الارهاب والقتلة بعد ان سكنوا قصور الفرعون في المنطقة ‏الخضراء... وتذكروهم فقط في استحقاقات الانتخابات الجديدة دون اي حياء او خجل او وخزة ضمير ‏معلنين للملا افلاسهم الاخلاقي قبل السياسي والعقائدي لان الشعوب لاتخدع حتى لو كانت بطونها خاوية ‏ومادامت ذاكرتها لم تنس ماحدث بالامس وقادرة اليوم ان تفرق بين الخاذلين والناصرين سادتي اصحاب ‏القوائم الانتخابية الذين تريدون ان تسرقوا منا كل شي حتى الحسين متناسين صوته ووديعته شارة التعب ‏والولادة الجديدة للوطن والانسان الاسمى نبيا ومرسلا وسط الكادحين يشاركهم الحلم في تهدج الذكرى ‏ولو كانت قرمزية بلون السيوف التي نحرتك  سيدي المفدى ولازالت تشحذ لذبحنا بصيغ وسيناريوهات ‏يبدوا القادم منها اخطر من كل المذابح والمفخخات وذئاب القاعدة واذنابها مادام من وكلناهم وبصمنا لهم ‏بالامس مصرين على تمزيق راية العباس.‏

ثم انًا لي ياسيدي ياامام المتقين ومشكاة النور وعلمها الاممي الا نغسل خطايانا السياسية والشخصية في ‏نهر البرائة الذي ابقيته دافقا في كل المواسم بتضحيتك على المذبح العراقي الذي اخترته دون كل بقاع ‏الارض لتحملنا وديعة التصدي والتلاحم والدفاع عن التنزيل والرسالة بعد ان راهن الجميع على تمزيق ‏بغداد وصلبها ...‏

ثم انًا ليد ياسيدي ان لا استظل بشجرة النبوة الزاهية ومشكاتها المضيئة حين تباع المبادئ والاحزاب ‏بابخس الاثمان وتنتهك السيادة وحرمة الدم ولايبقى لنا سوى العودة لاوراق النبوة والوصاية الاسمى ‏بمعجزة اسمها الوراثة المحمدية والدستور الاصدق.... نبراس اسمه الولادة والبيعة  في لحظة تمزيق ‏الشريان الابهر حين يصبح الحق والفرقان مقياسا وبوصلة وحيدة نعيد من خلالها تقييم الزعامات ‏والمرشحين ومبادئ الدستور حين نرتل القران بلسان عربي قريشي وتدين كوفي بدون تزوير او رتوش ‏ليحل معضلة الاعجاز بين قران وسنة او قران وعترة... ليكون قرانا ورثته العترة التي حفظت السنة... ‏فتحققت معجزة النبوة واكتملت بالذبح العظيم في كربلاء وماتلاها .‏

وبين حدود الحكاية والاسطورة البابلية مزامير يعود فيها ايليا او علي ليمسح عن خيال طائش واعراب ‏منحرفين ليسقط الجد اصنام الكفر والاستعباد ويحرر قيود العبيد .‏

ويسير الحفيد تموز او سين او الحسين عارفا بدوره التأريخي ليسقط اصنام الردة والانحراف في فكر ‏طائش مرتد منحرف ويعيد الانسان الى قواعد نبتت في جيناته الادمية في ظل الكعبة يكسر سكون ‏التشضي والعتب ويعيد للانسان ضميره وشرفه ومحرابه ولو كان الثمن الروح والاهل والعشيرة . ‏

اتراني مغاليا حين لا ارى في كل ثورة على الارض بعض من روحك ...وفي كل بيان سياسي شريف ‏قبسا من ندائك في تلك الظهيرة  ام انك هكذا خلقت حرفا في اول بيان يساري ووقفة ضد الطاغوت ‏والتجبر واراك في جموع المتظاهرين وقبلهم وفيهم سيدي امير السلام والمحبة والعدل .‏

ها انا استحظر وطني البعيد عن عيني فيك.. واستحظر روحي في تراب وطني ...واستحظر الكوفة ‏وكربلاء في بغداد ام الصابرين منذ ان غسلت عن روحي وجسدي سكون الموت الادمي وقلقه وعدت الى ‏حدود الحقيقة في ساحة الفردوس من رفرفة راية قطيع الكفين ...في دماء اطفالنا الذين اما ذبحوا جوعا ‏في حصار الدكتاتور او مزقوا اشلاءا في ظل دولة الطوائف .‏

ويجنح بي ذلك الرأس الذي لن يسكته والله سوى (طلقة في اعنف موضع انفعال فيه) مثلما قال صديقي ‏بالامس فاضل الموسوي... فاصرخ من على البعد سيدي ياعلي...  ليتني كنت عند ضريحك الان ممسكا ‏ولو بلجام الحصان الذي قطعت فيه الطريق الطويل وحيدا عبر الصحراء الموحشة الى وطني.‏

‏ او ان امسح دمعة من على وجهك الحزين في تلك الامسية بمنديل حاكته اربعة ملايين ارملة عراقية ‏والتي لم تغفوا فيها حتى القطا والضباع بين النواويس وغابات النخيل والقمر المنتظر لمشهد الاعدام ‏الجماعي في الليلة القادمة .....‏

‏ وترتفع بي حمى وجعي فاصرخ  سيدي ياعلي ..سيدي ياعلي ..سيدي ياعلي.. ولا اعود سوى بالصدى ‏لان قيد السجن والاحتلال لايمكن ان يفتح ابواب حضرتك للزائرين... لانك علمتنا ان العبيد لايحررون ‏ابدا اوطانا ولا يشيدون ثغورا وحجابات عند البوابات الشرقية والغربية .‏

اتوسل بك يا سيدي ان تعود الينا لتغسل عن اجسادنا وأرواحنا مهانة الانكسار العسكري والذل السياسي ‏والتراجع ... امنحنا بعضا من رجولتك ..وحد ميمنتنا بميسرتنا تحت علم العراق فلعل فينا بعض من ‏عظمتك وكبريائك ليكون لموتنا معنى.... ولغربتنا دليل يعود بتوابيتنا الى وطن لايمتلك معناه ورفعته الا ‏من شهادتك يا امير السلام والحرية والشرف الوطني .‏

 

د.عزيز الدفاعي

Azjadeirq_55@yahoo.com


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عزيز الدفاعي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2010/07/11



كتابة تعليق لموضوع : سلام عليك أبا كل هذا التراب
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net