الأربعين، محطة ثورةً وعطاء
بتول عرندس

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

   يقصد ما يقارب المليونين شيعي، من حول العالم، مدينة كربلاء المقدسة العراق في العشرين من شهر صفر لأداء زيارة الإمام الحسين بن علي (ع) واحياءً لواقعة الطف الأليمة. وقد كشف مركز كربلاء للدراسات والبحوث، التابع للعتبة الحسينية المقدسة، بأنه يسعى لإدراج هذه المناسبة العظيمة على لائحة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو، باعتبارها جزء من التراث الشيعي ذات الابعاد الاجتماعية والعقائدية والثقافية والاقتصادية وغيرها، وكذلك باعتبارها مناسبة لترسيخ القيم الإنسانية لثورة أبي الضيم، عليه السلام.

     حشودٌ ضخمة وفرق تقدم خدمات متنوعة تملأ المكان، فهذه الشخصية العظيمة أكدت الروايات على زيارتها في أكثر من موضع كالحديث الشريف: "علامات المؤمن خمس; صلاة إحدى وخمسين وزيارة الأربعين والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم والتختم باليمين وتعفير الجبين." إنها شعيرةٌ مقدسة لا يمكن حصر كنه عظمتها وأثرها في سطورٍ قليلة، ولا يمكن كذلك ان نفِ صاحبها حقه وهو المعصوم الذي لا يعرفه حق معرفته إلا الله ورسوله.

     زيارة الأربعين وإحياء ذكراها جزء لا يتجزأ من العقيدة الصحيحة الحقة والإسلام المحمدي الرسالي القويم، ذات بعدٍ روحانيٍ لشخصيةٍ روحانية ذابت عشقًا في الذات الإلهية. كيف لا، وهو الذي ترك الخلق طرًا في هوى الخالق، وأيتم عياله لكي يراه، "فلو قطعتني بالحبّ إربًا، لما مال الفؤاد إلى سواك." ومما لا شك فيه بأن ذكرى الأربعين مناسبة حيّة للاستذكار خصال أبي الشهداء وايثاره وتضحياته وبذله في سبيل الله من خلال أقواله النيرة وسيرته البهية وأخلاقه السنية وثورته القويمة.

     عفوه وحلمه وطيبه وصبره، والكثير الكثير من المواضيع، تستحضر من جديد في أربعين الإمام الحسين (ع) ليشكل بذلك منظومةً أخلاقيةً واعية وسمحة. رفض صنوف الجور والترهيب السفيانية فثار لإقامة الأمت والعوج "لم أخرجْ اشرًا ولا بطرًا،" بل خرج لإيقاظ الضمائر وإصلاح النفوس، ليخلد في مناهج الأحرار أيقونةً ثوريةً ما شهد ولن يشهد التاريخ مثلها.

     إن حدث الأربعين وحجيج كربلاء، باعتباره حدثًا إقليميًا وعالميًا مهمًا، برهانٌ كافٍ على عالمية هذه الشخصية والثورة العظيمتين، وقد أثار اهتمام الكثير من الباحثين والمستشرقين الذين غاصوا بحثًا في المعاني والابعاد العميقة لهذه المناسبة. فالأربعينيون شريحةٌ واسعةٌ تؤدي طقوسًا إسلاميةً مميزة بنكهة حسينيةٍ فريدة، تتخلل مسيرات، خطابات، فعاليات ثقافية، مسابقات، موائد، أعمال فنية وسينمائية، مسرحيات، أعمال أدبية، الخ.

وبالتالي، فإن تعاظم هذه الظاهرة، عامًا بعد عام، وزحف الزوار المليونين إلى كربلاء، تتطلب منا أن نكون على قدر عالي من الجهوزية والإعداد والوعي لتصل رسالة الحسين (ع) خلال هذه المناسبة بأدق وأتم وأكمل معانيها، لتتحول إلى حدثٍ عالمي راسخ وسنة كونية زاخرة بمنظومة القيم والمفاهيم العاشورائية والعطاء والعمل الحسيني الخادم للإنسانية جمعاء، في ظل ما يعانيه العالم اليوم من تردي وتراجع الاخلاق وروح المسؤولية والظلم المتفشي وفتن طائفية وسياسية.

     كذلك يوجه زوار الأربعين رسائل تؤكد ولاءهم للخط الحسيني، خط انتصار المظلومِ على الظالم، ويجددون عهدهم لمحاربة الاستكبار ورفض الذل والخنوع. فالأربعين محطة مقدسة لتجديد معاني الوفاء والثورة ومبادئ العدل والاستقامة وقيم الجهاد والنضال، تترك في نفوس المواليين آثارًا ايجابيةً جمّة، لا بد أن تنعكس على أعمالهم وحياتهم وسلوكهم وولاءهم للإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته وأصحابه الميامين.

     فقد أكدت صحيفة "الاندبندنت" البريطانية في تقرير لها أن الزيارة الأربعينية هي حدث دینی لا نظیر له في العالم، حيث تفوق حشود المشارکین فیه بأعداد کبیرة أیام الحج. ويستطرد التقرير مشيرًا إلى أنها تكرس ثقافة التكافل الاجتماعي وسمة العطاء الذي يورث بدوره خصالًا أخلاقية وإنسانية حميدة كثيرة في مقدمتها الكرم والجود والإيثار وتغييب البخل والأنانية والحب المفرط للذات والقضاء على التمييز العنصري على أساس اللون والعرق والجنسية والانتماء الفكري والديني، إلى جانب تكريس التواضع والتذكير بالأخوة الإنسانية عامة والإسلامية خاصة.

     وتحدثت صحيفة "هافينجتون بوست" الأمريكية عن عدم اكتراث الإعلام الغربي بتغطية هذا الحدث والقصص الإيجابية الملهمة خلال زيارة الأربعين، مشيرةً إلى أنها تحتوي الكثير من المواد الثرية لإنتاج أفلام ضخمة عن الفداء والصبر والتحمل والعطاء وكل مفردات الخلق الرفيع، باعتبار مسيرة الأربعين أعظم ملحمة إنسانية تبين قضية الإمام الحسين (ع) وآلامه التي ألهمت الملايين.

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


بتول عرندس

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/09/26



كتابة تعليق لموضوع : الأربعين، محطة ثورةً وعطاء
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net