صفحة الكاتب : مصطفى الهادي

النخلة، ولا تقربا هذه الشجرة. الجزء الثاني
مصطفى الهادي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

لا تكاد تخلو ديانة او أمة من ذكرٍ لهذه الشجرة فهي في عقائد الشعوب (شجرة إغدراسيل أو شجرة دافني ، او شجرة كودما ، أو شجرة الحياة ، او شجرة معرفة الخير والشر أو شجرة النسل او شجرة الماشيان او شجرة الطلح او شجرة ينبوع الشباب التي يحرسها الخضر.او شجرة الحكمة إتز خاييم او شجرة أربور فيتاي ... ) .الخ (1)

وأما القول بأنه لولا آدم لكنّا نحن البشر الآن في الجنة وهذا القول خطأ لأن جنة الآخرة هي للآخرة ولا يعيش فيها إنسان فترة من الوقت ثم بعد ذلك يطرد منها بل هي كما أخبرنا الله تعالى جنة الخلد. كل من دخلها عاش في نعيم أبدي. لأن الله تعالى قبل أن يخلق آدم حدد مهمته فقال: (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعلٌ في الأرض خليفة). فآدم مخلوق للخلافة في الأرض ومن صلح من ذريته يدخل جنة الخلد ، ومن دخل جنة الخلد عاش في النعيم خالدا.

جعلت هذه الاضافة جزءا مستقلا تحاشيا للاطالة في الجزء الاول . وأقول : التوراة من جانبها أيضا ابهمت نوع هذه الشجرة فلم تذكر لنا جنسها ، ولكنها اختلفت في اسباب تحريم هذه الشجرة ومنع آدم وحواء من الأكل منها وقدمت عدة أسباب لا علاقة لبعضها ببعض توقع الإنسان في حيرة.

السبب الأول : قالت التوراة : (وأما ثمر الشجرة التي في وسط الجنة فقال الله: لا تأكلا منه ولا تمساه لئلا تموتا). فجعل هذا النص الشجرة شجرة الموت.

النص الثاني : (وأنبت الرب الإله من الأرض كل شجرة شهية للنظر وجيدة للأكل، وشجرة الحياة في وسط الجنة وشجرة معرفة الخير والشر). فجعلهما شجرتان الأولى (شجرة الحياة) وهو بعكس القول الأول الذي اعتبرها شجرة الموت ، وكذلك شجرة أخرى معها هي شجرة (معرفة الخير والشر).

طبعا لا يوجد شر هناك في جنة الخلد او الفردوس ولذلك فإن هذا النص غير صحيح ، ولكن لو آمنا بصحة هذا النص فإنه يقودنا إلى أن الانسان لو أكل من هذه الشجرة فسوف يعمل الشر والجنة السماوية ليست مكان للشر، وإنما جنة الأرض ستكون مسرح الشر ولذلك تم رمي آدم خارج اسوارها ليواجه هناك الحياة المليئة بالخير والشر ــ ليبلوكم أيكم أحسن عملا ــ . (2) ولربما قوله تعالى في القرآن يُفسر لنا بعض ما غمض في نصوص التوراة فقوله مثلا : (كل نفسٍ ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة). (3)

هذا النص يخبرنا بأن الموت والخير والشر هما من صنع الإنسان نفسه إذا أكل من تلكم الشجرة الغامضة والتي عبرت عنها التوراة بأنها : (شجرة الحياة ، أو شجرة الموت) وكذلك عبّرت عنها بانها (شجرة معرفة الخير والشر).فامتزج ذلك في عقل الإنسان وروحه.

ولا يفوتنا هنا أن نُشير إلى قول التوراة بأن هذه الشجرة غايتها اعمال الإنسان التي تقوده إلى مصيرة كما يقول تعالى : (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسنُ عملا). (4) ولكن كاتب التوراة لم يُحسن التعبير أو خانته الذاكرة بعد فقدان النصوص الاصلية فبدا هذا الاختلاف فيما كتبه وهذا الاختلاف يقودنا إلى نتيجة هي ان التوراة لم يكتبها كاتب واحد.

فعندما كان آدم داخل الجنة كانت وظائف الخير هي التي تعمل ولكن عند تناوله من تلكم الشجرة الأرضية المنشأ تكشفت له جوانب اخرى وبدأت وظائفه الجسدية بالعمل وبدأ النقص يدب في خلاياه التي تؤدي به إلى الشيخوخة ثم الموت ناهيك عن الشر الذي يعمله في حياته. ولكن رأيي الشخصي الذي توصلت إليه من خلال الجزء الأول من البحث أن هذه الشجرة هي (شجرة النسل). التي امر الله آدم ان لا يأكل منها (يمارس الجنس)، لأن الجنة طاهرة بكل المواصفاة والقياسات الروحية ولا تصلح مكانا للولادة.وشجرة النسل لا تتحرك في داخل الانسان إلا بعد الأكل من النخل ذات الفوائد العظيمة في عملية النشاط الجنسي.

الثالث : (فرأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل، وأنها بهجة للعيون، وأن الشجرة شهية للنظر. فأخذت من ثمرها وأكلت، وأعطت رجلها أيضا معها فأكل. فانفتحت أعينهما وعلما أنهما عريانان. فخاطا أوراق تين وصنعا لأنفسهما مآزر).الأكل من هذه الشجرة جعل الإنسان يلتفت إلى حاله بعد ان كان مشغولا بالنظر إلى مفاتن الجنة والتنعم بملذاتها فتحركت به الغريزة الجنسية وإذا به وزوجته عرايا فخاطا من ورق الجنة ولا أدري من أين تعلم آدم الخياطة وبأي وسيلة خاطا الورق.

الرابع : قالت التوراة ايضا : (الله عالم أنه يوم تأكلان منه تنفتح أعينكما وتكونان كالله عارفين الخير والشر).فجعلتها التوراة شجرة معرفة الخير والشر.

الخامس : أن الله خالف قوله في النص الرابع حيث قال بأن آدم وحواء إذا أكلا من الشجرة يكونا عارفين الخير والشر . ولكن في النص الآتي قال بأن الإنسان كان عارفا بالخير والشر ولكنه إذا أكل من الشجرة سوف يكون خالدا : (وقال الرب الإله: هوذا الإنسان قد صار كواحد منا عارفا الخير والشر. والآن لعله يمد يده ويأخذ من شجرة الحياة أيضا ويأكل ويحيا إلى الأبد). فجعلتها التوارة شجرة الخلد وملك لا يبلى .

ومع الأسف فإن هذا الاختلاف في بيان ماهية الشجرة اوقع المفسرين في حيص بيص فجاؤوا بتفسيرات غير منطقية وهل ينسى الله بأنه قال بأنها : شجرة الموت ، ولكن في هذا النص يقول بأنها شجرة الخلد!.

الإنجيل خالف كل النصوص التي وردت في التوراة وجائنا بقول غريب نفى فيه أن تكون الشجرة غير صالحة للاكل وانها شجرة الموت فقال في سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي 2: 7 (من له أذن فليسمع من يغلب فسأعطيه أن يأكل من شجرة الحياة التي في وسط فردوس الله).

مما تقدم نفهم أيضا ان الكتاب المقدس والمفسر المسيحي ايضا لم يذكروا لنا نوع الشجرة وتركوا الأمر للتخمين ولكننا لو قرأنا قول حواء في نص سفر التكوين : (فرأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل، وأنها بهجة للعيون، وأن الشجرة شهية للنظر). اليس هذا الوصف يُليق بالنخلة التي تتعرض لدمار منهجي مروّع وكأن الإنسان يطلبها ثأرا فيُعاقبها لأنها رمت به خارج فردوسه إلى دنيا العناء والشقاء والفناء.

المصادر: 
1- وتوجد شجرة بالقرب من القرنة في البصرة حيث يعتقد أهل المنطقة أنها شجرة آدم وهي ليست رؤية اسلامية فقط ، بل يرتاد هذا المكان الكثير من اليهود والنصارى الأجانب ويبدو أنه يشكل أحد الأماكن المقدسة لديهم.وكما يقول المستشرقون أن الأهوار هي بقايا من حضارة سومر، وجنة عدن.

2- اعترف المفسر المسيحي بخطأ هذا النص فقال : (ولا نجد في أورشليم السماوية غير شجرة حياة ولا نسمع أنه في السماء توجد شجرة معرفة خير وشر فلا يوجد هناك شر بل حياة أبدية فالمعرفة في حد ذاتها هي نعمة وبركة ولكنها إن اتجهت إلي خبرة الشر تصير علة للهلاك. هذه المعرفة هي التي تحمل العصيان في داخلها . الله كان يريد لآدم ألا يختبر الشر لأنه مازال ضعيفًا).
3- سورة الأنبياء آية : 35.
4- سورة الملك آية : 2.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مصطفى الهادي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/09/02



كتابة تعليق لموضوع : النخلة، ولا تقربا هذه الشجرة. الجزء الثاني
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net