وتلك محنة المثقف إن هو ارتقى إلى برجه العاجي مقتوه وإن نزل إلى الميدان أهانوه...إن اختار أن يكون ضدهم أكبروا منه حتى أرش الخدش وإن اختار أن يكون معهم هوّنوا منه صعائب الأمور..تساهم البيئة العربية المحبطة في التنكر لدور المثقف وهو ما أنتج على طول الخط بدائل من نموذج المثقف المزيف الذي يساهم في الرّداءة.. يرعى كل هذا الزّيف على مخلّفات الإمبريالية نفسها..على عولمتها..على تقنية التواصل التي جعلت الرداءة تتواصل أكثر من غيرها..وحوّل الرداءة إلى قرية صغيرة..استغلال الأزمات..الفرص..عالم يتسع للمتملّقين والسماسرة والأدعياء..يصلحون رواية..أو مسلسلا طويلا..جان فالجان الحرفوش..نجوم الخبز الحافي أو الشطار لمحمد شكري.. ليس هناك ما يفيد أن الأمور ستتحول إلى الأحسن..إنها معركة ستستمر..الكل رسم لنفسه هدفا داخل هذه المعركة..هناك من رسم لنفسه نهاية رجل شجاع في رواية حنا مينا وهناك من رسم لنفسه دور القبيح في فيلم الطيب والشرير والقبيح.. هناك في الحقيقة ما يعزز من أهمية عزلة المثقف من هذا الضجيج..من مشهد عبيط..متخم بقلّة الوفاء والجبن والأطماع الصغيرة والكبيرة..عالم يصيبك بعدوى النذالة إن لم تقارعه بقبضة الفتى وعناد الأطفال..لا خيار لك إن نزلت أو عد حيث يجب أن تكون.. في الميدان تراجع منسوب الرجال..فالرجولة وفاء..الرجل لا يطعن من الخلف..ولا يلعب لعبة الجرذان في الثقوب والحفر..ولا يستمتع بوجهين أبهاهما قبيح.. انتهى زمن الكبار..واختلطت الأوراق..الطّيبون وحدهم يعانون..والفساد لم يترك مجالا في البرّ والبحر والثقافة.. ستنتصر النذالة في عالم ليس للعدل فيه سوى استراحة مقاتل..ستنتصر الرداءة..لكن ماذا بالنسبة لمثقف يقرف ملئ ضلوعه من هذا الانحطاط، ويأبى ان يكون شاهد زور في مشاهد المدّعين؟ ماذا حين تتعدى الرداءة نصيبها من الإستفزاز؟...هنا لا أحد يعرف مصير الأشياء............ادريس هاني:20/8/2018
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat