صفحة الكاتب : عبدالاله الشبيبي

وقفة مع بعض مصطلحات ومناسك الحج...
عبدالاله الشبيبي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

اثناء تداول اخبار الحج وظهور الحجاج على القنوات الفضائية، وهم يؤدون مراسم اليوم الفلاني او انهم صعدوا على جبل عرفة او انهم استجاروا بالمستجار وغيرها من الايام والمصطلحات التي تذكر في هذه الايام المباركة المشحونه بالعبادة والايمان، سألني احدهم ماذا يعني يوم التروية، يوم عرفة والوقوف بمنى؟ ونحن نشاهد الجموع تؤدي مناسك الحج نتمنى ان نكون من ضمن الركب ولكن لاسباب كثر تحيل بين ذلك. قلت له هذه مناسك وعلى الحاج ان يؤديها لتكتمل عنده اجزاء الحج بصورة كامله متكامله، فالحج مجموعة من الخطوات يمر بها الحاج ولكل يوم اسم خاص به، كما وان هذه المصطلحات متأتية من حدث حدث فيها كما هو يوم التروية اي ان القوم حملوا معاهم الماء لتروي خوفاً من العطش، وفقدان الماء في اماكن اخرى.
فمن هذا المنطلق سنقف على بعض من هذه المناسك والمصطلحات التي يقوم الحجاج بادائها ومنها يوم التروية ويوم عرفة ومنى ومزدلفة والهدي والمستجار وغيرها. والتي ذكرها العلماء في مؤلفاتهم جزاهم الله الف خير وقد اعتمدنا في نقل اغلب هذه المناسك على كتاب ما وراء الفقه.

منها يوم التروية: هو اليوم الثامن من شهر ذي الحجة، وسمي بذلك نسبة لتَزوّد حجاج بيت الله الحرام بالماء قبل ذهابهم لمِنى.
والتروية مشتقة من المصدر رَوَيَ، فقد جاء في لسان العرب، تروّى القوم وروَّوا، أي تزوّدوا بالماء, ويوم التروية هو اليوم الذي يسبق يوم عرفة، وقيل أنّه سمّي بهذا الاسم لأنّ الله أرى فيه إبراهيم (عليه السلام) مناسك الحج .
وعن عبيد الله بن علي الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال سألته لم سمي يوم التروية، يوم التروية؟ قال لانه لم يكن بعرفات ماء وكانوا يستقون من مكة من الماء لريهم وكان يقول بعضهم لبعض ترويتم ترويتم فسمي يوم التروية لذلك.

منها منى: قال ابن منظور: منى‏ الله‏ الشي‏ء قدره وبه سميت منى. ومنى بمكة يصرف ولا يصرف. سميت بذلك لما يمنى فيها من الدماء أي يراق. قال ثعلب: هو من قولهم منى‏ الله‏ عليه الموت أي قدره لأن الهدي ينحر هنالك.
وامتنى القوم وامنوا: أتوا منى. قال ابن شميل لأن الكبش منى به أي ذبح. وقال ابن عيينة اخذ من المنايا. الجوهري منى مقصورة موضع بمكة.
‏ والظاهر: انها بكسر الميم وان كان الضم ليس غلطاً أيضاً. غير انه بغير المادة المأخوذة منها. وهو التمني أو المنية بالضم. لأن الله تعالى يعطي لعبده في هذا المكان مناه.
ويؤيده ما روى عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ان جبرئيل أتى إبراهيم فقال: تمن يا إبراهيم. فكانت تسمى منى. فسماها الناس منى.
ويعود الحجاج إلى منى صبيحة اليوم العاشر من ذي الحجة بعد وقوفهم على صعيد عرفات يوم التاسع من شهر ذي الحجة ومن ثم المبيت في مزدلفة، ويقضون في منى أيام التشريق الثلاثة لرمي الجمرات الثلاث الصغرى ثم الوسطى ثم الكبرى، وفيها مذبح الهدي.

منها المشعر الحرام‏: ويسمى المزدلفة وجمع أيضاً وإياه قصد الآية الكريمة: ﴿فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ‏﴾.
قال ابن منظور: المشعر المعلم والمتعبد من متعبداته. والمشاعر المعالم التي ندب الله إليها وأمر بالقيام عليها، ومنه يسمى المشعر الحرام لأنه معلم للعبادة وموضع ولا يكادون يقولونه بغير الألف واللام.
وقال عن المزدلفة: موضع بمكة، قيل سميت بذلك لاقتراب الناس إلى منى بعد الإفاضة من عرفات. قال ابن سيده: لا ادري كيف هذا. وأزلفه الشي‏ء صار جميعه حكاه الزجاج عن أبي عبيدة. قال أبو عبيدة ومزدلفة من‏ ذلك. وقوله تعالى: ﴿وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ﴾. معنى أزلفنا جمعنا. وقيل: قربنا الآخرين من الغرق وهم أصحاب فرعون. وكلاهما حسن جميل. لأن جمعهم تقريب بعضهم من بعض ومن ذلك سميت المزدلفة جمعاً.
ويؤيد هذه المعاني ما ورد عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) قال: في حديث إبراهيم (ع) وان جبرائيل (ع) انتهى به إلى الموقف فأقام به حتى غربت الشمس ثم أفاض به. فقال: يا إبراهيم ازدلف إلى المشعر الحرام. فسميت مزدلفة.
وعن معاوية بن عمار أيضا عن أبي عبد الله (ع): قال: إنما سميت مزدلفة لأنهم ازدلفوا إليها من عرفات. وهذا على معنى ذهبوا فيكون ازدلف يعني: ذهب. كما يكون بمعنى اجتمع وبمعنى قرب.
وقد يكون مأخوذاً أيضاً من الزلفة أو الزلفى. لأنها مكان يحصل فيه العبد على الزلفى عند الله عزوجل، لو قبل حجه وأجزأت عبادته. كما يمكن له وجه آخر، وهو ان يكون الازدلاف بأي معانيه إنما هو في ثواب الآخرة، وليس على صعيد الأرض.

منها يوم عرفة: قال ابن منظور: عرفة وعرفات، بمكة معروفة كأنهم جعلوا كل موضع منها عرفة. ويوم عرفة غير منوّن. ولا يقال العرفة، ولا تدخله الألف واللام.
قال سيبويه: عرفات مصروفة في كتاب الله تعالى: وهي معرفة والدليل على ذلك قول العرب: هذه عرفات مباركا فيها. وهذا عرفات حسنة. قال: ويدلك على معرفتها انك لا تدخل فيها الفا ولا لاما وإنما عرفات بمنزلة أبانَين وبمنزلة جمع. ولو كانت نكرة لكانت إذن عرفات في غير موضع.
قيل‏: سمي‏ عرفة لأن الناس يتعارفون به. وقيل سمى‏ عرفة لأن جبريل عليه السلام طاف بإبراهيم (ع) فكان يريه المشاهد فيقول له: أعرفت أعرفت. فيقول إبراهيم عرفت عرفت وقيل: لأن آدم صلى الله على نبينا وعليه وسلم. لما هبط من الجنة، وكان من فراقه حواء ما كان فلقيها في ذلك الموضع، عرفها وعرفته. والمصادف يوم التاسع من شهر ذي الحجة.

منها رمي‏ الجمرات‏: إذا كانت الكعبة المشرفة هي الرمز المادي لتوحيد الله تعالى، وكان الطواف واستلام الحجر، هو العمل الأساسي الذي يمثل الإخلاص له، وجعل توحيده المركز الحقيقي للإحساس والسلوك في كل أيام الحياة.
فما أحرى ان يكون هناك رمز آخر يضاد هذا الرمز ويناقضه. ولئن كانت الكعبة مستقطبة لكل معاني الخير والعدل، باعتبارهما المنتوجين الأساسيين لعقيدة التوحيد. فان الرمز الآخر لابد ان يستقطب كل معاني الشر والظلم، باعتبارهما المنتوجين الأساسيين لما ترمز إليه الجمرة، وهي فكرة الشيطان.
ولئن كان الطواف تعبيراً عن الولاء للخير والعدل، وإظهاراً عملياً لتأييدها، فان رمي الجمرة بالحصى هو العمل المهم في إظهار الشجب والاستنكار العملي للشر والظلم وبشجبهما يفهم الفرد بوضوح شجب كل فكرة ناتجة عنهما أو عمل مترتب عليهما من الكفر والضلال والعصيان والانحراف، وما تستتبعه هذه الأمور من ذنوب وموبقات.
على اننا لا يجب ان نغفل بهذا الصدد، فرقاً أساسياً، بين هذين الرمزين المستقطبين، فالكعبة بما انها رمز عن الله سبحانه وعن توحيده، إذن فيجب ان يبقى الرمز واحداً لا يتعدد.
على حين ان الجمرة، بما هي رمز عن الشيطان، والشياطين كثيرون بنص القرآن الكريم، فقد ناسب ان يتعدد الرمز بتعدد المرموز إليه.
فمن هنا نستطيع ان نعزو تعدد الجمرات إلى الرمز عن تعدد الشياطين، كما يمكن ان تعزى إلى تعدد وجهات الفساد والظلم الصادرة عن الشيطان.
ونستطيع ان نلاحظ في هذا الصدد، ان القسط الواجب من إظهار الولاء لله عز وجل بالطواف يعادل في العدد تقريباً ما تناله كل جمرة من دفعات الاستنكار والرمي.
ويضف: ومن هنا يمكن القول إن رمي‏ الجمرات‏ سيكون رمزاً، عن أي شي‏ء من ذلك حسب اختلاف المراتب. كالشيطان، والنفس الأمارة بالسوء. حيث ورد في الشيطان قوله تعالى: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً﴾. وورد في النفس: اجعل نفسك عدواً تحاربه. ففكرة العداوة والمحاربة مع العدو موجودة على كلا الصعيدين. ونحوهما: حب الدنيا، وما يترتب على ذلك من حب المال والشهرة والسيطرة وغير ذلك. المصدر: فقه الأخلاق، ج‏2، ص152.

منها بيت الإنسان‏: وهي‏ الأماكن‏ المسماة التي يجب الإحرام منها للحج. ونقصد بها المواقيت الرئيسية. والا فالمواقيت بمعنى الأماكن التي يجوز الإحرام منها، فوق حد الإحصاء، ومنها بيت الإنسان‏ لمن كان ساكناً داخل الحرم المكي وهو المعبر عنه في القرآن الكريم ان‏ ﴿أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ‏﴾ يعني الحرم المكي عموما. ولمن يحرم بالنذر، إذا نذر ان يحرم من مدينته أيا كانت في العالم فيجب عليه ان يحرم منها، ويسافر إلى الحج محرماً.

منها التزام المُستجار: فقد ورد في السنة الشريفة وثبت في الفقه انه يستحب للفرد الحاج ان يلتزم المستجار ويلصق جسمه به ويعترف أمام الله سبحانه بذنوبه.
ومن الواضح الأكيد ان الاعتراف بالذنب فضيلة، وانه سبب للغفران، وانه سبب الخشوع والخضوع والذلة التي يريدها الله عز وجل لعبده أمامه في ذلك الموقف.
يكفي ان نسمع هذه الأدعية الواردة التي يقولها الفرد هناك: اللهم البيت بيتك والعبد عبدك. وهذا مكان العائذ بك من النار. ثم يقول الإمام (ع) في الرواية: ثم اقر لربك بما عملت فانه ليس من عبد مؤمن يقر لربه بذنوبه في هذا المكان الا غفر الله له ان شاء الله. وتقول: اللهم من قبلك الروح والفَرج‏ والعافية. اللهم ان عملي ضعيف فضاعفه لي واغفر لي ما اطلعت عليه مني وخفي على خلقك. قال: ثم تستجير بالله من النار.

منها الهدي: يمثل الهدي، وهو التقرب إلى الله عزوجل بالذبح أو النحر، عدة معاني سامية يكفي كل منها ان يكون سببا لتشريع هذه العبادة الجليلة فضلا عن‏ مجموع المعان.
أولا: هو نوع من التضحية المالية في سبيل الله عزوجل شأنه في ذلك، شأن الزكاة والخمس، بل والحج نفسه بما يكلف الحاج من أموال.
ثانياً: هو نوع من التضحية بالدم الذي يعطي رمزية من التضحية في سبيل الله بالنفس والنفيس فانه ليس لدماء الأنعام أهمية تذكر لولا نتائجها والأفكار الدالة عليها. قال تعالى: ﴿لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ‏﴾.
ثالثاً: هو من التضحية بالدم كرمز عن التضحية بالشهوات والمطامح والمطامع الدنيوية والدنيئة في سبيل الله سبحانه. فان المهم الحقيقي هو ان يذبح الفرد نفسه الأمارة بالسوء تجاه قدس الله عز وجل وعظمته. تلك النفس التي تكون سبباً لكل عصيان وطغيان، ويكون القضاء عليها سبباً لكل خير وكمال.
رابعاً: فيه أسوة للطريقة التي كانت معروفة قبل الإسلام من التضحية لله عزوجل بالأنعام. ومن أشهرها القربان الذي قربه ابنا آدم أبي البشر عليه السلام‏ ﴿فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ﴾.
خامساً: لاشك اننا إذا أردنا احترام شخص عظيم اجتماعيا نحرنا له الذبائح احتراماً له أو فرحا بقدومه أو شكراً له على بعض المراحم أو لغير ذلك من المقاصد.
وإذا تم ذلك تجاه العظماء، كان ذلك أولى بالصحة والصدق تجاه خالق العظماء وعظيم العظماء.
سادساً: ان في هذا الذبح مساعدة للفقراء الذين يغلب عليهم صعوبة الحصول على اللحم خلال دهر طويل.
سابعاً: ان في هذه الأضحية دفعاً للبلاء، بحسب ما يرى الفرد انه متورط به. فإذا فعل الحاج ذلك دفع البلاء عن نفسه، بمقدار ما يريد، سواء كان منه البلاء المادي أو المعنوي.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عبدالاله الشبيبي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/08/22



كتابة تعليق لموضوع : وقفة مع بعض مصطلحات ومناسك الحج...
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net