صفحة الكاتب : عبدالاله الشبيبي

متى يكون الذنب صّغيراً ومتى يكون كبيراً؟....
عبدالاله الشبيبي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

سألني احد الشباب الواعي بعد انتهاء الحوار متى يكون الذنب صغير ومتى يكون الذنب كبير؟ وهل من علاج للحد من ارتكاب الذنوب؟ قلت له لا يوجد ذنب صغير ولا يوجد ذنب كبير!. الصغير قد يكون كبير، والكبير قد يكون صغير. مثلاً السرقة ذنب صغير قبال الزنا ذنب كبير، والزنا ذنب صغير قبال القتل مع الاستهانة بالذنب وتصغيره، فلا تنظر الى الذنب من زاوية واحدة ولكن انظر الى حجم الذنب والى من تعصي، واشعر بأنك قد ارتكبت ذنب سواء كان كبير او صغير.
وعليه يجب عدم الاستهانة بالذنب مهما صغر او كبر فلابد من تدارك الموقف والرجوع الى الرب بالتوبة وطلب المغفرة والندم على عدم التكرار والاصرار على المواصلة في ارتكاب الذنوب صغيرها وكبيرها، وقد قيل اشد الذنوب ما استهان به صاحبه، فالذي يرتكب الذنب ويشعر بعظمة ذنبه ويندم على ما فعل هو الذي يؤمل فيه التوبة والجبران.
كما يجب ان لا ينظر الفرد الى نفسه انها خالية من العيوب والذنوب، ينقل ان رسول الله(ص) نزل مع اصحابه في ارض جرداء وقال لهم اجمعوا لنا الحطب؟ قيل له يا رسول الله انها ارض جرداء فلا شيء فيها قال وان يكن، ليذهب كل واحد منكم في جهة ويجلب ما يجد، تفرق القوم وبعد فترة من الزمن جلب كل واحد منهم ما وجد ووضعوه في مكان واحد... قال لهم هكذا تجتمع الذنوب.
وقد قرأت في تفسير الامثل أنّ المعاصي الصغيرة تبقى صغيرة ما لم تتكرر، هذا مضافاً إِلى كونها لا تصدر عن استكبار أو غرور وطغيان، لأنّ الصغائر قد تتبدل إِلى الكبيرة في عدّة موارد هي:
1ـ إِذا تكررت الصغيرة، قال الإِمام الصّادق(عليه السلام): لا صغيرة مع الإِصرار.
2ـ إِذا استصغر صاحب المعصية معصيته واستحقرها، فقد جاء في نهج البلاغة: أشدّ الذّنوب ما استهان به صاحبه.
3ـ إِذا ارتكبها مرتكبها عن عناد واستكبار وطغيان وتمرد على أوامر الله تعالى، وهذا هو ما يستفاد من آيات قرآنية متنوعة.
4ـ إِن صدرت المعصية ممن لهم مكانة اجتماعية خاصّة بين الناس وممن لا تحسب معصيتهم كمعصية الآخرين.
5ـ أن يفرح مرتكب المعصية بما إقترفه من المعصية، ويفتخر بذلك.
6ـ أن يعتبر تأخير العذاب العاجل عنه على المعصية دليلاً على رضاه تعالى، ويرى العبد نفسه محصناً من العقوبة آمناً من العذاب، أو يرى لنفسه مكانة عند الله لا يعاقبه الله على معصية لأجلها.
كما ان علماء الاخلاق يقولون ان السبب لنشوء الذنب عند الانسان يرجع لثلاث قوى:
1ـ القوة الشهوانية: حيث تجر الانسان الى الافراط في اللذات وتكون عاقبته الغرق في الفحشاء والمنكرات.
2ـ القوة الغضبية: وهذه القوة لها دور فعّال في طغيان غريزة الغضب عند الإنسان مما تؤدي به الى الظلم والتعدي اللامحدود.
3ـ القوة الوهمية: وهذه القوة تهيج حالة التكبر والاعتداء على حقوق الاخرين مما تدعوه الى اقتراف الذنوب الكبيرة.
والذنوب تنقسم إلى قسمين وهما الصغائر والكبائر وكلاهما معصية ولكن الفرق بينهما في شدة العذاب وقلته فالكبائر هي التي توعد اللَّه بها النار، كعقوق الوالدين والحسد والغيبة ولكن هنالك حالات تكون الذنوب فيها كلها عظيمة وتوجب دخول النار ومن تلك الحالات: الإصرار على الذنب وعدم التفكير بالتوبة، الاستخفاف بعقاب اللَّه بالاستهتار وعدم الوجل من اللَّه تعالى، منها: الابتهاج بالمعاصي والفرح بإتيانها والتلذذ بها كمن يغتاب ويضحك ويستر, ومن لا تتحجب الحجاب الشرعي، منها: احتقار الذنب وعدم النظر إلى من عُصِي, بأن يقول لو أن دخول النار بهذا فلا ضرر وبمعنى آخر عدم المبالاة بفعل الذنب والتقليل من خطره، ومنها: سوء الخلق فهو سبب للانغماس في الذنوب.
فعن ابي عبد الله (ع): لا والله لا يقبل الله شيئاً من طاعته على الإصرار على شيء من معاصيه، وعنه (ع): لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار، وعن أبي جعفر (ع) في قول الله عزوجل: ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون، قال (ع): الإصرار ان يذنب ولا يستغفر الله ولا يحدث نفسه بالتوبة، فذلك الإصرار.
كما ان عاملان الجهل والحماقة مؤثران في ايجاد الارضية لارتكاب الذنب. فالجهل بالله سبحانه وتعالى، والجهل بالهدف الأساسي من خلقته، والجهل بنواميس الخلقة، والجهل بالأثار الناتجة من الذنب، والجهل في معرفة بذل الجهد في العمل الصحيح.
اضف الى ذلك احتقار الذنوب، واستصغارها من الترضيات النفسية للمخالفة، ولكنه هو الآخر مما يزيد الذنب ذنباً، والخطيئة خطيئة فعن سماعة عن ابي الحسن (ع) يقول: لا تستكثروا كثير الخير، ولا تستقلوا قليل الذنوب فان قليل الذنوب يجتمع حتى يكون كثيراً، وخافوا الله في السر تعطوا من انفسكم النصف.
اما إستصغار الذنب: بمعنى ان يستخف مرتكب الصغيرة بذنبه، ولا يرى نفسه جديرا بالعقوبة الالهية، وهنا يعتبر ذنبه كبيراً، ويكون مستحقا للنقمة الإلهية، اذ انه في هذا الحال يستهين بنهى الله، ويخرج من طريق العبودية، وحسب تصريح الروايات لا يغفر هذا الذنب، وسر المطلب ان عدم المؤاخذة على الذنوب الصغيرة مع الابتعاد عن الكبائر انما هو فضل ورحمة من الله، وإلا فان في مخالفة النهي الالهي صغيرا وكبيراً، استحقاق للعقوبة بحكم العقل، وواضح ان من يناله الفضل الالهى هو من لم يخرج عن جادة العبودية، واما من كان من اهل العجب، ولا يعرف حقارة نفسه وعظمة الله، ويرتكب الذنب كأن لم يكن شيئا فانه لا يناله الفضل الالهي، بل هو جدير بالخذلان والانتقام وبالجملة فان الله يفضله يعفو عن الذنب الصغير لمن لا يستهين بالذنب ويستخف به. المصدر: الذنوب الكبيرة.
كما ان الاستهانة بالذنب: تعدّ من الذنوب الكبيرة، ولإيضاح الموضوع نضرب مثالاً: اذا ضرب أحد غيره بحجرٍ كبير على رأسه ثم ندم على عمله واعتذر، فمن الممكن ان يصفح عنه. ولكن اذا ضرب احد الآخر بحجرٍ صغير جداً ولم يعتذر منه زاعماً أنها هفوة طفيفة ولم تكن شيئاً مهماً، فطبيعي أن لا يصفح عنه المضروب، لأنها نابعة من روحه المتكبرة واستهانته بذنبه.
قال الامام الحسن العسكري (عليه السلام): من الذنوب التي لا تغفر: ليتيني لم أواخذ الاّ بهذا. لان الذنب المشار اليه في الرواية قد استهين به.
نقل زيد الشحام عن الامام الصادق (عليه السلام) انه قال: اتقوا المحقرات من الذنوب فأنها لا تغفر. قلت: وما المحقرات؟ قال الامام الصادق (عليه السلام): الرجل يذنب الذنب فيقول: طوبى لي لو لم يكن لي غير ذلك.
الاحساس باللذة والفرح عند اقتراف الذنب هو احد الاسباب التي تحول الذنب الى كبير ويوجب العذاب الاليم لصاحب الذنب. وفي هذا المورد توجد عدة روايات. قال الامام علي (عليه السلام): شر الاشرار من تبهج بالشر. المصدر: الذنب، ص29.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عبدالاله الشبيبي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/08/18



كتابة تعليق لموضوع : متى يكون الذنب صّغيراً ومتى يكون كبيراً؟....
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net