المرجعية الدينية العليا تحذر من خطورة الوضع " العراق يمر بفوضى ونزيف أخلاقي"

حذّرت المرجعيّةُ الدينيّةُ العُليا وبشدّةٍ من تصدّع وانهيار المنظومة الأخلاقيّة للمجتمع، ودعت الجميع الى المساعدة والتكاتف من أجل وقف نزيف القِيم الأخلاقيّة برمّتها، مؤكّدةً في الوقت نفسه على أنّ ثقافة هذا البلد ثقافة أصيلة ومتجذّرة في أعماق التاريخ، وواقعاً أنّ بعض جزئيّات هذه الثقافة بدأت تغيب، وعلينا أن نرجع الى تلك الأخلاق الفاضلة والى تلك الروح الطيّبة، ويجب علينا تعليم أولادنا على هذه الثوابت.
جاء ذلك خلال الخطبة الثانية لصلاة الجمعة المباركة التي أُقيمت في الصحن الحسينيّ الشريف اليوم الجمعة (21 شوّال 1439هـ) الموافق لـ(6تموز 2018م)، وكانت بإمامة سماحة السيد أحمد الصافي (دام عزّه)، وهذا نصّها:
إخوتي أخواتي أودّ أن أعرض بخدمتكم الأمر التالي:
أغلبُ المشاريع التي يسعى لها الإنسان هي ما تعود بالنفع عليه، وشرافة أيّ مشروع عندما يعود بالنفع على أكثر ما يُمكن من الشرائح الاجتماعيّة، والعقلاء يتنافسون فيما بينهم على اختيار المشروع الذي فيه عوائد، وهذه العوائد تختلف فهناك عوائد مادّية لمشروع استثماريّ مثلاً أو عوائد خدميّة لمشروعٍ خدميّ.. وهكذا، المشاريع تتباين في الهدف من السعي لها وأيضاً تتباين في الناتج الذي يحصل لهذا المشروع، وطبعاً أكرّر أنّ الحديث ليس حديثاً سياسيّاً أصلاً وإنّما هو حديثٌ من واقعنا المُعاش وليس له ربطٌ في أيّ صورةٍ كانت بأيّ جانبٍ سياسيّ.
فإذا كانت هذه المشاريع إنّما تتباين بمستوى فوائدها فنعتقد أنّ أفضل مشروع هو المشروع الذي يتعلّق بصناعة الإنسان والمشروع الذي يربّي الإنسان، المشروع الذي يعلّم الإنسان هو سيكون أفضل مشروع لأنّ هذه العوائد لا تتحدّد بجهةٍ معيّنة ولا لفترةٍ معيّنة، وإنّما هذا يبقى دائماً ما دام الكلام يتعلّق بالإنسان وتطوير الإنسان وقابليّة الإنسان، فلا شكّ أنّ شرافة هذا المشروع أشرف المشاريع، القرآن يقول: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) فكانت دعوات الأنبياء والمصلحين والمفكّرين والفلاسفة والأخلاقيّين كلٌّ أدلى بدلوه، الأنبياء مرتبطون بالله تعالى ولهم المنهج الذي بيّنوه، والبقيّة أيضاً أدلوا بدلائهم وكلٌّ وضع برنامجاً يرى أنّ هذا البرنامج يرفع قابليّات الإنسان.
نحن الآن نتحدّث عن وضعنا -ليس كلاماً سياسيّاً- أقول من هي الجهات التي تتكفّل ببناء الإنسان عندنا؟! إنّ هناك فوضى في بعض الحالات -حتّى لا نعطي صورة سوداويّة- لكن أرى أنّ هناك فوضى في بعض الحالات، من المسؤول عن إزالة هذه الفوضى؟! بل من المسؤول عن بداية هذه الفوضى؟! هل هي الدولة بعنوانها العام؟ هل هي المؤسّسات الأخرى؟ هل هي الأسرة؟ لماذا هناك حالة من عدم الاكتراث ببناء الإنسان؟! طبعاً هناك أمثلة كثيرة نتحدّث عنها ولكن كما قلنا المسألة ليست في قلب القضيّة السياسيّة إطلاقاً، إنّما في إطار أنّنا مواطنون نحبّ بلدنا ونحبّ أبناءه ونحن نعيش في هذه الرقعة ومن حقّنا أن نبحث عن جميع الوسائل التي تطوّر المواطن أو الإنسان أو الشخص الذي يعيش هنا، الأمر ليس سياسيّاً بل خطباء يتحدّثون لا تغشّ لا تكذبْ وهذه وظيفة من الوظائف التي تتعلّق بالإنسان، لكن لاشكّ أنّ خطاباً أو خطابين أو عشرة غير كافين لابُدّ من خلق أجواء ترفع مستوى وكفاءة الإنسان، من المسؤول عنها؟.
أنا أتحدّث عن قضايا حياتيّة بسيطة لكنّنا عندما ننظر لها نحن نتأذّى، مثلاً في الشوارع والأزقّة وجود نفايات من المسؤول عنها؟! لماذا هذه الحالة موجودة؟! قضيّة تراكميّة أنا لا أقول الحالة علينا أن نقضي عليها الآن قطعاً هذا أمرٌ غير مقدور عليه في اللحظة، لكن أريد أن أبحث عن الأسباب لعلّي أستطيع أن أصل الى حلول.
نحن نتكلّم وأنا بين كلّ فترةٍ أعيد حتّى لا يحصل توهّم أنّ المسألة فيها إشارة سياسيّة مع ذلك أعيد، نحن مثلاً نريد أن نشجّع شرطيّ المرور ماذا نقول له؟ يا أيّها الشرطيّ طبّق القانون، ونحبّ أن يطبّق شرطيّ المرور القانون، وفي داخلنا واقعاً إحباط من أنّ بعض القوانين التي فيها الصالح العام لا تُطبّق، لكن عندما يريد شرطيّ المرور أن يطبّق القانون على شخصٍ يقول له ذلك الشخص سأذهب بك الى عشيرتي، هل يُعقل هذا؟! العشيرة محترمة ولكن ما دخلُ العشيرة في تطبيق شرطيّ المرور للقانون، يمكن أحد الآن في البلد يشرح لي هذا المعنى؟! يمكن أو لا يمكن؟! ويبقى شرطيّ المرور خائفاً، لماذا؟ لأنّه أراد أن يطبّق القانون ووقع عند شخصٍ هدّده بالعشيرة! هل يُعقل هذا؟! إنّ هذه العشائر الأصيلة التي كانت لها أدوار -وما زالت- قويّة في الحفاظ على البلد، بهذه الطريقة يهدّد هذا الشخص شرطيّ المرور؟! ويهدّد القانون بهذه الطريقة؟!
اختلف اثنان على بعض المياه في النهر والوضع الطبيعي عند العقلاء أنّهم يجلسون يتحاورون، هذه المدّة لك وهذه لي، إذا كان لا يوجد ماء يتكاتفون لإيجاد الماء، أين تصل المسألة الآن؟! الى الاقتتال وسقوط ضحايا! من المسؤول عن هذه الحالة الإنسانيّة؟! أنا حقيقةً أسأل وأريد جواباً.
أقول هذا بلدنا فلماذا هذه الجرأة على الدماء؟! من الذي أوصلنا لهذه القضيّة؟! أعيد القضيّة ليست سياسيّة، هذا دم وهذا بلد وهذه أناس وهناك عشرات الأمثلة لو أردت أن أظهر هذه الأمثلة، لماذا لا توجد كوابح؟! نحن مجتمع محافظ فلماذا التساهل في كلّ شيء؟! من الذي أوصلنا الى هذا؟! أنهر مملوءة بأوساخ وأزبال!! لماذا لا نعلّم أولادنا الجانب التعليمي؟! لا أتحدّث عن جهة معيّنة ولا أُعبّر أكثر ممّا تتحمّل أو لا أسمح للعبارة أن تُحمل أكثر ممّا هي عليه، أنا أتحدّث عن حالة اجتماعيّة، كانت للمعلّم هيبة في نفسيّة الطالب، الآن الطالب لا يحترم المعلّم ولا يقدّر المعلّم، المعلّم يبذل نفسه ويجهد نفسه لكن الطالب لا يحترمه، وهناك حالات بالعكس المعلّم لا يكترث ولا يحترم أدب الطالب ولا يربّي الطالب، وسواء الطالب نجح في الامتحان أو نجح في الأخلاق المعلّم لا يكترث، لماذا وصلنا الى ما وصلنا اليه؟!.
إخواني حقيقةً المشكلة كبيرة لكن لأنّنا في وسطها وأصبحت تدريجيّة قد لا نستشعر ضخامتها، ثقافة هذا البلد ثقافة أصيلة، واقعا بعض الثقافة بدأت تغيب، أنت تعلم أنّ إنساناً خرّيج كلّية لا يُحسن أن يكتب!! حقيقةً أنا أتكلّم والله هذا يحزّ في النفس، من الذي أوصلنا الى هذا؟! من المسؤول؟! سيقف أمام التاريخ وأمام شعبه ويقول: أنا أتحمّل هذه المسؤوليّة من واحد، عشرة، مئة؟! لا زلنا نعاني من مشاكل تترى وهذه المشاكل كيف تُحلّ؟! هذه مشاكل بلد وحالات اجتماعيّة وحالات لياقات وحالات أدبيّة، أبناؤنا هؤلاء، ترى فوضى في الشارع في السوق لا يوجد شيء اسمه عيب ولا يوجد شيء اسمه احترام، كأنّ كلّ شيء حالة من الفوضى، من المسؤول؟! الدولة بعنوانها العامّ فلتتحمّل مسؤوليّتها، المؤسّسات؟ فلتتحمّل مسؤوليّتها، الأسرة؟ المدرسة؟ فلتتحمّل مسؤوليّتها.
إخواني أنا أقول ذلك وأريد أن أبيّن خطورة المسألة، وأنا أعلم أنّ خطبة أو عشر خطب لا تحلّ هذ الإشكال لكن أريد أن أبيّن نحن ملتفتون وهذا الوضع في منتهى الخطورة، ونبدأ من الأُسر، نعم الإنسان ليس عليه أن يكون سوداويّاً لكن على الأسر الكريمة لأنّ الأسر الكريمة مقدورٌ عليها، الأسرة الصغيرة تنشأ ابدأوا إخواني بتدريب وتأديب أبنائكم على خلاف ما موجود الآن، ارجعوا الى تلك الأخلاق الفاضلة والى تلك الروح الطيّبة وعلّموا أبناءكم، وهذا العراق والكلام أيضاً الى بلادنا العزيزة الإسلاميّة الأخرى لكن أتحدّث الآن عمّا أراه وترونه أنتم والكلّ كأنّ المسألة لا تعنيه، حتّى بعض مسائل الرشوة والمال الحرام لماذا وصلنا الى هذا الحال؟ المرتشي يمشي سابقاً وهو مسودّ الوجه الآن النظيف يمشي وكأنّما هو خجلان لأنّه لم يرتشِ!! هذه ليست أمور سياسيّة إخواني أنا أتحدّث عن تربية الناس.
الرجاء إخواني والله نحن نتقطّع، أرجوكم لنتساعد جميعاً ونتكاتف في وقف هذا النزيف -النزيف الأخلاقيّ-، المنظومة الأخلاقيّة برمّتها مهدّدة وأنا أتحدّث مع أصحاب الغيرة وهم كثر، ممّن يملك القرار والكلمة في أسرة في معمل في مدرسة...، أرجوكم لا تجعلوا الأمور تخرج عن السيطرة فالكلّ سيتأثّر، جميلٌ أن يلتزم الإنسان بثوابت أو بقيم أو بأخلاق.. على كلّ حال، لعلّي أُصيب بذلك أذناً واعية...


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/07/06



كتابة تعليق لموضوع : المرجعية الدينية العليا تحذر من خطورة الوضع " العراق يمر بفوضى ونزيف أخلاقي"
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net