صفحة الكاتب : عبد الرضا قمبر

الشعـب يريد .. !
عبد الرضا قمبر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

بدأت حكاية الربيع العربي بإضرام الشاب التونسي محمد البوعزيزي النار في جسده ، صباح يوم الجمعة 17 ديسمبر 2010 ، فقد عزت عليه نفسه إثر صفعة تلقاها من الشرطية "فادية حمدي" ، وسط حشد شعبي لإعتراضه على منعها ومصادرتها مصدر الرزق الوحيد له !

كان رد "البوعزيزي" على جرح كرامته هو إنهاء حياته ، بسبب إستشراء سوء الإدارة وفساد السلطة في جسد الدولة وجميع مرافقها ، إضافة إلى شح الحريات المزمن .

أحضر الشاب المتعلم وبائع الخضار عدته وتقدم خطوات من مبنى المحافظة ليكون أمام باب المبنى مباشرةً ، صب البانزين على نفسه وأشعل النار ، فتوهج جسده ، وقدم حياته قرباناً للثورة !

كان الأمر خاطفاً وسريعاً ، ففارق الحياة وسط حيرة المجتمع التونسي بشكل عام ، إنتشر الخبر إنتشار النار في الهشيم ، وشاع الخبر بسرعة ، وتناقلته وكالات الأنباء العالمية ومحطات التلفاز ، وهنا جاء دور وسائل الإتصالات الحديثة منها التويتر والفيسبوك واليوتيوب ، إلى تفعيل الأمر والمساهمة في توسيع رقعة إنتشاره !

كل شيء قبل هذا التاريخ بدا هادئاً واعتيادياً ، لكن النار كانت تضطرم تحت الرماد ، فما إن حركتها ريح شديدة ، حتى اشتعلت ملتهمة كل ما حولها من أوهام القوة ، وجبروت الإستبداد والرفاه الزائف !

قبل تلك الأحداث كانت الشرطة والإستخبارات السرية بالمرصاد لكل من يتفوه بكلمة ضد الرئيس أو حاشيته أو يعارض النظام ، كما كان القمع وشح الحريات والفساد المالي والإداري مستشرياً لدرجة مريعة !

في شروط علم الثورات كانت تلك لحظة ثورية بإمتياز ، لو تأخر اقتناصها لكان من الممكن أن تتبدد وتضيع فرصة تاريخية ، ولو جرى استعجالها قبل ذلك لكان يمكن أن تذوي وتذبل وتضيع !

وهنا كانت البراعة التي تجسدت في الإتساق التاريخي ، يوم اتحدت الظروف الموضوعية المواتيه بظروف ذاتيه مناسبة ، مع توفر أداة هي "الشباب" واستعداد لا محدود للتضحية .

لعل في ذلك يكمن الفارق بي اللحظة الثورية "أي الناضجة" بعد إحراق البوعزيزي نفسه وبين إحراق ثلاثة وثلاثون شاباً عربياً أنفسهم وإضرام النار في أجسادهم ، لكن اللحظة الثورية في بلدانهم ظلت مستعصية ، حتى وإن كان هناك تشابهاً في الأوضاع السياسية والظروف الإجتماعية والقهر والحرمان وشح الحريات ، لكن اللحظة الثورية لن تتكرر ولن تستنسخ إلى أن تحين مواعيدها ، يومئذ سيكون لكل حادث حديث .

كانت ثورة بإمتياز .. قيادة شبابية ، سميت بالربيع الأخضر ومن ثم سميت بالربيع العربي إلى أن إكتملت أركانها بمغادرة الحكم الفردي الإستبدادي في 4 يناير 2011 ، كانت بإصرار الشباب بالسير في الطريق اللا عودة عن ... الحرية !
شباب بعمر الورد .. يشكل كل واحد منهم على طريقته الخاصة ، جمرة غضب واعتراض ضد الظلم والفساد وهدر الكرامة ، وإذا كانوا قد تقدموا الصفوف بصدور عارية ، فلأنهم أرادوا حياة جديدة بعد سنوات من العتمة واختلال علاقة الحاكم بالمحكوم .

أراد هؤلاء الشباب صناعة ربيع عربي أخضر ، فكانوا قادة الثورة وسواعدها ووقودها ، متسلحين بمعرفة وعلم جديدين ، بفعل الثورة الهائلة في تكنولوجيا المعلومات والإعلام والإتصالات ، لقد فاقت الثورات العربية كل التصورات ، إزاء الشباب وعلاقته بالقضايا العامة وشعوره بالمسؤولية وتأثره بالمظاهر السلبية للعولمة ، وإذا به يحدث المفاجأة وتأتي هذه المرة من تونس البلد الأكثر رفاهاً وتعليماً ومدنية في العالم العربي !

وهي بحد ذاتها ظاهرة جديدة في علم الثورات ، لا بد من التوقف لدراستها واستخلاص الدروس والعبر منها ..!

من يتجاهل تلك العبر .. ويحاول قمع حرية الشباب في وسائل التواصل الإجتماعي فإن الربيع الأخضر قادم .. لا محالة !

والله المستعان ..


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عبد الرضا قمبر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/07/05



كتابة تعليق لموضوع : الشعـب يريد .. !
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net