صفحة الكاتب : عبدالاله الشبيبي

مفاتيح الفلاح…
عبدالاله الشبيبي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

قال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾... ففي هذه الآية اربعة أوامر مهمة تضمن عزة المؤمنين وانتصارهم وكل مفردة لها مغزى خاص بها، فاذا اتمهن وتمسك بهن ظفر بالفوز والنجاح والفلاح وقد أمر عزوجل بالصبر والصمود امام الاحداث المختلفة وهوى النفس والشهوات, فيقول اصبروا وهو في الواقع اساس كل انتصار.
ثم يأمرهم بعد ذلك بالمصابرة بمعنى الصبر والاستقامة في مقابل صبر واستقامة العدو, وبتعبير آخر فان مفهومها هو انه مهما كانت المشاكل كثيرة وصعبة فان صبركم واستقامتكم ايها المؤمنون لابد وان يكون اكبر, وكلما زاد العدو من استقامته عليكم ان تزيدوا من استقامتكم وصمودكم حتى تغلبوا العدو.
كما يأمرهم بالمرابطة ويقول: ورابطو, وهذه الجملة مأخوذة من مادة رباط وهي بالأصل بمعنى ربط شيء في مكان ما، وكناية عن الاستعداد الذي يعتبر الاستعداد وحماية الثغور من اوضح مصاديقه, اذ ان الجنود يحفظون دوابهم ووسائلهم ومعداتهم في ذلك المحل.
ويأمرهم بالتقوى, اشارة الى ان الصبر والاستقامة والمرابطة لابدان تكون جميعا منسجمة ومعجونة بالتقوى والاخلاص, وان تكون منزهة عن كل ريا وتظاهر. المصدر: نفحات القران.
اختلفوا في تأويل هذه الآية، فقال قوم: معنى اصبروا اثبتوا على دينكم وصابروا الكفار ورابطوهم يعني في سبيل الله. وقال آخرون: معناها اصبروا على دينكم وصابروا الوعد الذي وعدتكم به ورابطوا عدوي وعدوكم. وقال آخرون اصبروا على الجهاد وصابروا عدوكم ورابطوا الخيل. وقال آخرون: رابطوا الصلوات أي انتظروها واحدة بعد واحدة، لان المرابطة لم تكن حينئذ.
وأصل الرباط ارتباط الخيل للعدو، والربط الشد، ومنه قولهم: ربط الله على قلبه بالصبر، ثم استعمل في كل مقيم في ثغر يدفع عمن وراء من أرادهم بسوء وينبغي أن يحمل قوله رابطوا أيضا على المرابطة لما عند الله لأنه العرف في استعمال الخبر، وعلى انتظار الصلاة واحدة بعد أخرى.
وروي عن أبي جعفر (ع) انه قال اصبروا على المصائب، وصابروا على عدوكم، ورابطوا عدوكم. وانما جمع بين اصبروا وصابروا من أن المصابرة من الصبر، الصبر الذي يعني به في الذكر لان المصابرة صبر على جهاد العدو يقابل صبره لان المفاعلة بين اثنين. وإنما وصف أي بالموصول ولم يوصف بالمضاف، لان الذي يجري مجرى الجنس، لان فيه الالف واللام بمنزلة قوله يا أيها المؤمنون، ولا يجوز يا أيها أخو زيد، لأنه لا يصح فيه الجنس. المصدر: تفسير التبيان، ج3، ص94.
وعن أبى بصير قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله عزوجل، ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا﴾ فقال: اصبروا على المصائب، وصابروهم على التقية، ورابطوا على من تقتدون به، واتقوا الله لعلكم تفلحون.
وجاء في تفسير الامثل: ان هذه الآية تحتوي على برنامج يتكون من أربع نقاط لعامّة المسلمين، وهي لذلك تبدأ بتوجيه الخطاب إِلى المؤمنين إِذ تقول: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا﴾.
1ـ ﴿اصْبِرُوا﴾، إِن أوّل مادة في هذا البرنامج الذي يكفل عزّة المسلمين وانتصارهم هو الإِستقامة والثبات، والصبر في وجه الحوادث الذي هو أصل كلّ نجاح مادي، وعلّة كل انتصار معنوي، لما له من أثر جدّ مهم في الانتصارات والنجاحات الفردية والاجتماعية.
2ـ ﴿وَصَابِرُوا﴾، بمعنى الصبر والاستقامة والثبات في مقابل صبر الآخرين وثباتهم واستقامتهم. وعلى هذا فإِن القرآن يوصي المؤمنين أوّلا بالصبر والاستقامة، ثمّ يوصي ثانياً بالصبر والثبات والاستقامة أمام الأعداء، وهذا بنفسه يفيد أن الأُمّة ما لم تتغلب وتنتصر في جهادها مع النفس، وفي إِصلاح ما بها من نقاط الضعف الداخلية يستحيل انتصارها على الأعداء، وهذا يعني أن أكثر هزائمها أمام أعدائها إِنّما هي بسبب ما لحق بها من هزائم في جبهة الجهاد مع النفس وما أصابها من إخفاقات في إصلاح نقاط الضعف التي تعاني منها.
3ـ ﴿وَرَابِطُوا﴾، وهذه العبارة مشتقة من مادة الرباط وتعني ربط شيء في مكان، ولهذا يقال لمنزل المسافرين الرباط، ويقال أيضاً ربط على قلبه بمعنى أنّه أعطاه السكينة، وملأه بالطمأنينة وكأن قلبه انشد إِلى مكان، وارتكز على ركن وثيق، والمرابطة بمعنى مراقبة الثغور وحراستها لأن فيها يربط الجنود أفراسهم.
4ـ ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾، وهذا بالتالي آخر التعاليم والأوامر في هذا البرنامج، وهو بمثابة المظلة الواقية لما سبقها من التعاليم أنّه حثّ على التقوى، ولابدّ للاستقامة والمصابرة والمرابطة من أن تمتزج بعنصر التقوى، ولا يشوبها شيء من أنانية أو رياء أو أغراض شخصية.
﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾، وهكذا تختم الآية هذا البرنامج بذكر النّتيجة التي تنتظر كلّ من يطبق هذا البرنامج، إِنه الفلاح والنجاح الذي يمكنكم الوصول إِليه عبر الأخذ بهذه التعاليم والأوامر، وإلاّ فلن تحصلوا على شيء من النجاح والانتصار.
وقال الطنطاوي في تفسيره: الصبر حبس النفس عن أهوائها وشهواتها وترويضها على تحمل المكاره وتعويدها على أداء الطاعات.
والمصابرة: هي المغالبة بالصبر: بأن يكون المؤمن أشد صبرا من عدوه.
ورابطوا: من المرابطة وهي القيام على الثغور الإسلامية لحمايتها من الأعداء، فهي استعداد ودفاع وحماية لديار الإسلام من مهاجمة الأعداء.
﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا﴾، على طاعة اللَّه وعلى تحمل المكاره والآلام برضا لا سخط معه فإن الصبر جماع الفضائل وأساس النجاح والظفر.
وصابِرُوا، أى قابلوا صبر أعدائكم بصبر أشد منه وأقوى في كل موطن من المواطن التي تستلزم الصبر وتقتضيه.
وعليه فان الناس يجب أن يصبروا أمام كل ظلم وجور وقول زور وانحراف وضلال، وأنّ عليهم أن يسعى كلهم لرفع مشاكلهم، وأن يراقبوا أعداءهم حذرين، وأن يمنعوا تسلّل الأجانب بينهم بكل صبر وثبات. بإنّ اتّخاذ المواقف المصامدة أمام المعتدين ومقابلة الأعداء وإبعاد أنواع الذلّة والهوان من واجبات عباد الله الصالحين، وهم كذلك مكلّفون بأن يجعلوا شعارهم ودثارهم تقول الله في السرّ ولعلن، ففي ظل التقوى لا ينسى الإنسان تكاليفه مهما كانت الظروف، فهو يعمل بأوامر الله بأحسن وجه. قد يتمايل الإنسان تحت الضغط الخارجي تارة إلى اليمين وأخرى إلى الشمال، ولكن التقوى وخلوص النية توجد في كيانه تعادلاً كاملاً.
وقد أمَرَهم عزوجل بالصبر الذي هو جماع الفضائل وخصال الكمال، ثم بالمصابرة وهي الصبر في وجه الصابر، وهذا أشدّ الصبر ثباتاً في النفس وأقربه إلى التزلزل، ذلك أنّ الصبر في وجه صابرٍ آخر شديد على نفس الصابر لما يلاقيه من مقاومة قِرن له في الصبر قد يساويه أو يفوقه، ثم إنّ هذا المصابر إن لم يثبت على صبره حتّى يملّ قرنه فإنّه لا يجتني من صبره شيئاً، لأنّ نتيجة الصبر تكون لأطول الصابرين صبراً. المصدر: التحرير والتنوير.
وقد قال صاحب الميزان في قوله تعالى: ورابطوا، أعم معنى من المصابرة وهي إيجاد الجماعة الارتباط بين قواهم وأفعالهم في جميع شؤون حياتهم الدينية أعم من حال الشدة وحال الرخاء ولما كان المراد بذلك نيل حقيقة السعادة المقصودة للدنيا والآخرة وإلا فلا يتم بها إلا بعض سعادة الدنيا وليست بحقيقة السعادة عقب هذه الأوامر بقوله تعالى واتقوا الله لعلكم تفلحون يعنى الفلاح التام الحقيقي.
سئل الإمام جعفر الصادق (ع) عن التقوى؟ فقال: ان لا يفقدك اللَّه حيث أمرك، ولا يجدك حيث نهاك.. إذن لابد في التقوى من العلم بأحكام اللَّه، والعمل بها لوجه اللَّه، لأن العلم بلا عمل حجة على صاحبه، والعمل بلا علم كالسير على غير الطريق، وعلى هذا الأساس تكون التقوى هي الدين والأخلاق، وأساس الفضائل.. قال رسول اللَّه (ص): لا تقولوا : ان محمدا منا، فو اللَّه ما أوليائي منكم ولا من غيركم إلا المتقون.
وجاء في كتاب المحجة البيضاء: فمن حاسب نفسه قبل أن يحاسب خفّ في القيامة حسابه وحضر عند السؤال جوابه وحسن منقلبه ومآبه ومن لم يحاسب نفسه دامت حسراته وطالت في عرصات القيامة وقفاته وقادته إلى الخزي والمقت سيّئاته، فلمّا انكشف لهم ذلك علموا أنّه لا ينجيه منه إلا طاعة اللَّه عزّ وجلّ وقد أمرهم بالصبر والمرابطة فقال: يا أيّها الَّذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا.
فرابطوا أوّلاً أنفسهم بالمشارطة، ثمّ بالمراقبة، ثمّ بالمحاسبة، ثمّ بالمعاقبة ثمّ بالمجاهدة، ثمّ بالمعاتبة، فكانت لهم في المرابطة ستّ مقامات ولابدّ من شرحها وبيان حقيقتها وفضيلتها وتفصيل الأعمال فيها وأصلها المحاسبة ولكن كلّ حساب فبعد مشارطة ومراقبة ويتبعه عند الحساب معاتبة ومعاقبة.
وقد نقل عن أحد العرفاء انه كان يتجه إلى الحجّ مشياً على الأقدام، فالتقى بأعرابي راكباً جمله فقال له الأعرابي: أين تذهب يا شيخ؟ فقال له: إلى بيت الله الحرام. فقال: لماذا أنت راجل؟ فقال: بل لدي مراكب كثيرة، فتعجب الأعرابي من ذلك فسألة: وما هي هذه المراكب؟ فقال العابد: عندما تنزل عليّ مصيبة فسأركب مركب الصبر، وعندما تنزل عليّ نعمة أركب مركب الشكر، وعندما يداهمني القضاء والقدر أركب مركب الرضا، وعندما تطغى نفسي وتطلب مني شيئاً فأعلم أنّه لم يبق من عمري شيء وما مضى منه أكثر ممّا بقي. فقال الأعرابي: في الواقع أنت الراكب وأنا الراجل والسلام عليكم، فودعه وانصرف.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عبدالاله الشبيبي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/07/05



كتابة تعليق لموضوع : مفاتيح الفلاح…
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net