صفحة الكاتب : د . مصطفى يوسف اللداوي

الاحتياط الاستراتيجي الإسرائيلي من الأسرى والمعتقلين
د . مصطفى يوسف اللداوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 يبدو أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي، تحرص دوماً على الاحتفاظ برصيد احتياط استراتيجي من الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجونها ومعتقلاتها المنتشرة في كافة أرجاء فلسطين المحتلة، وتخشى من نقص عددهم، أو تراجع منسوبهم، أو انخفاض عمليات اعتقالهم، أو اختلال أصنافهم وفقدان صنفٍ منهم، وكأنهم عملة صعبة ونقدٌ أجنبي تسند به ميزانيتها، وتعزز بها مدخراتها، وتقوي به احتياطها الاستراتيجي استعداداً لأي صفقةٍ قادمة، تضطر فيها إلى دفع "أثمانٍ باهظة"، فتدفع مما توفر لديها من أسرى ومعتقلين ولو كانوا وفق تصنيفها خطرين، لئلا تكون مضطرة لأن تغطي العجز المترتب عليها نتيجة شروط المقاومة من صناديق ائتمانية أخرى، ترى أنها تضر بأمنها وسلامتها واقتصادها، وتكون على حساب كرامتها وسيادتها.

لذا فهي تصر دائماً على زيادة رصيدها من أعدادهم، وخلق روافد جديدة لهم، ومنع نقصانهم مهما دعت الضرورة إلى الإفراج عن بعضهم، وإطلاق سراح عددٍ منهم، ولهذا فهي ترفض تبييض السجون، وترفض الخضوع للشروط والالتزام بالاتفاقيات التي نصت على الإفراج عن الآلاف منهم، وترفض الانصياع بسهولةٍ إلى شروط القوى والتنظيمات الآسرة لجنودهم، والمحتفظة برفاة بعضهم أو ببعض أجسادهم، التي تصر على الإفراج عن المزيد من الأسرى والمعتقلين، لأن هذا من شأنه أن يخل بميزان المدفوعات لديهم في المستقبل، إلا أن يجددوا مصادرهم، ويزيدوا مداخيلهم، ويرفعوا من أرصدتهم الاعتقالية كماً ونوعاً.

كما تحرص سلطات الاحتلال على الاحتفاظ بأعدادٍ غير قليلةٍ من الأطفال والنساء، الذين يشكلون نسبةً غير قليلة من مجموع الأسرى والمعتقلين في سجونها، ولكنهم يختلفون عن غيرهم قيمةً وقدراً في المفاوضات والحوارات، إذ أنهم مادة جيدة للضغط والإكراه، ووسيلة فاعلة للابتزاز وتقديم التنازلات، وذلك بالنظر إلى مكانة المرأة الحساسة لدى الشعوب العربية والإسلامية، وخصوصية حالتها لجهة الشرف والكرامة، وكذا الحال بالنسبة للأطفال وإن كانوا أقل حساسية من النساء، ولهذا فإنهم يبقون عليهما صنفاً ثابتاً وفئة حاضرة في كل السجون والمعتقلات، وعلى مدى سنوات الاحتلال المريرة منذ أكثر من سبعين عاماً.

تعتقد سلطات الاحتلال الإسرائيلي أن الأسرى والمعتقلين ورقة رابحة في يديها، تساوم عليهم، وتفاوض بهم، وتستخدمهم متى تشاء في الضغط على الفلسطينيين وإخضاع سلطتهم، وتمارس من خلالهم الضغط على الشارع الفلسطيني ليهدأ ويسكن، ويتوقف عن الثورة والتمرد، ويقلع عن الانتفاضة والمقاومة، كما تضغط بواسطتهم على السلطة الفلسطينية، وتخضعها لشروطها القاسية، وتفرض عليها ما لا تقوى عليه، في الوقت الذي تضغط فيها على عائلات الأسرى وذويهم، وتكبلهم بتعهداتٍ وتضيق عليهم بالتزاماتٍ، وإلا تحرمهم من زيارة أبنائهم، أو تضيق عليهم خلالها فتقلص وقتها، وتضع دونها عقباتٍ تنغص عليهم، وتحرمهم من حق الاستمتاع برؤية أولادهم والانفراد بهم. 

استناداً إلى هذه السياسة التي تقوم على ثبات الرصيد من عملة الدفع وأداء الثمن، لا يكاد يمر يومٌ دون إقدام سلطات الاحتلال الإسرائيلي على اعتقال مواطنين فلسطينيين من كل الفئات العمرية ومن الجنسين معاً، ومن مختلف المناطق الفلسطينية، وهي تعمد إلى اعتقالهم بسببٍ أو بدون سببٍ، إذ تعتقل على الشبهة والاشتباه، وعلى الشكل والمظهر، وعلى خلفية الردود والإجابات، أو بسبب التواجد في بعض المناطق الإسرائيلية دون تصاريح أمنية، حيث يحق للجندي والشرطي وعنصر الأمن حق اعتقال أي فلسطيني والشهادة عليه، حيث أن شهادتهم عليه مصدقة، وهي كافية لأن يدينه القضاء ويحكم عليه بموجب الشهادة فقط.

وعلى سبيل المثال فقد اعتقلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي خلال شهر يونيو/حزيران الماضي أربعمائة فلسطيني من سكان الضفة الغربية، منهم ستين طفلاً، وأربعة عشر امرأة، فضلاً عن اعتقال ثلاثة عشر فلسطينياً من سكان قطاع غزة، وهذا الحال يتكرر شهرياً بصورةٍ مشابهةٍ لشهر يونيو المثال، تزيد أو تنقص عن الأعداد الواردة أعلاه، وفي بعض الأحيان تتضاعف هذه الأعداد في ظل المناسبات الوطنية والأحداث العامة، كاجتياحات المسجد الأقصى، وفي أيام المواجهات مع جيش الاحتلال.

وتجري عمليات اعتقال العديد من الفلسطينيين دون سندٍ قانوني أو مبررٍ أمني، حيث تأخذ الكثير منهم على الحواجز والمعابر، أو خلال الدوريات وأثناء المراجعات، فضلاً عن اعتقال بعضهم خلال عمليات اجتياح مخيماتهم وبلداتهم، أو أثناء المواجهات والمسيرات، أو الاشتباكات والمظاهرات، أو أثناء المداهمات الليلية، وهي تخضع بعضهم للتحقيق، بينما تحيل آخرين إلى الاعتقال الإداري على خلفية أسبابٍ استنسابية ومزاجية شخصية، بموجب الصلاحيات الممنوحة لضباط الأمن ومسؤولي المناطق، علماً أن عمليات الاعتقال الإداري في السجون الإسرائيلية سائدة بكثرة، والأسوأ منها حالات التمديد المفتوحة للكثير من الأسرى.

علماً أن عمليات الاعتقال لا تطال عناصر فصائل وقوى المقاومة فقط، بل تطال عناصر الشرطة والمنتسبين إلى الأجهزة الأمنية الفلسطينية، حيث باتوا يشكلون اليوم نسبةً غير قليلة من مجموع الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، فضلاً عن احتفاظ سلطات الاحتلال بمئاتٍ من عناصر وكوادر حركة فتح، ولعل في المقدمة منهم مروان البرغوثي، الذي لا يخفى على أحدٍ أن اعتقاله يأتي في السياق السياسي أكثر منه في السياق الأمني، وغيره الكثير من كوادر وقيادات حركة فتح، ونواب المجلس التشريعي الفلسطيني، وعددٍ لا بأس به من الوزراء السابقين.

ينبغي أن نجرد سلطات الاحتلال الإسرائيلي من هذا السلاح التي تبتزنا به، وتمارس الضغط علينا من خلاله، وتحاول مقايضتنا على حقوقنا به، وتستخدمه لأداء ما عليها من ثمن منه، رغم أنه ليس من خزينتها، ولا يرتب عليها أعباء أو تكاليف، إذ أنها تجدد أرصدته بسهولة.

لذا يجب على المقاومة الفلسطينية والعربية العمل على إفلاس دولة الاحتلال، وكشف أرصدتها، وذلك بتبييض السجون، والعمل بكل السبل والوسائل للإفراج عن جميع الأسرى والمعتقلين وتحريرهم، ولا سبيل لذلك إلا بأسر جنودهم، واعتقال مستوطنيهم، ومبادلتهم برجالنا، وإعادتهم إليهم مقابل كل أبنائنا، فبهذا نحبطهم ونضعفهم، ونسحب ورقة الأسرى والمعتقلين من أيديهم، في الوقت الذي نكون فيه أوفياء مع أسرانا، وصادقين مع ذويهم، ومخلصين لأسرهم وأبنائهم، الذين نعدهم دوماً بعودة آبائهم وحرية أبنائهم.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . مصطفى يوسف اللداوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/07/04



كتابة تعليق لموضوع : الاحتياط الاستراتيجي الإسرائيلي من الأسرى والمعتقلين
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net