صفحة الكاتب : اسعد عبدالله عبدعلي

البطيخ و المجتمع
اسعد عبدالله عبدعلي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

دخلت سوق الداخل وقت الظهيرة, وهو سوق يقع في إطراف مدينة الصدر (الثورة), وكان الطقس شديد الحر, وكنت مصمما على شراء بطيخة كبيرة كي يفرح الأطفال بها, اخترقت السوق والذي عمد أهله على جعل جزء من الشارع مكانا لعرض سلعهم, وتم هذا التجاوز بعلم السلطات التي تأخذ الرشوة وتسكت, فالدينار له وقع السحر حيث يغير القناعات ويقلب المواقف, وتمسك الباعة بالشارع بدل السوق يعود لقناعتهم التجارية, بان عرض بضاعتهم في الشارع يحقق لهم مبيعات اكبر.

لفت انتباهي رجل عجوز قرب جدار السوق حيث تتواجد أكداس النفايات, حيث شاهدته وهو يجلس قرب النفايات ويبحث بينها عن ما يمكن ان يؤكل, فان وجد شيئا وضعه في كيسه, وقد وجد بصلا وبعض الطماطم, بلد النفط هذا حال أبنائه, يبحثون في النفايات عن ما يحفظ كرامتهم ويسد جوعهم, تبا لكل الساسة وأحزابهم العفنة, التي بددت أموال العراق على شهواتها وملذاتها, وتركت الفقر يتسع ليصبح كبحر هائج يبتلع ألالاف.

بعد سير حثيث بين البسطيات وجدت تلال من البطيخ زاهي اللون, والبائع صاحب البطيخ ملتحي وملامح التقوى واضحة, أعطتني انطباع انه احد العباد مجهولين الاسم, وقررت ان اسأل عن السعر, فقال لي بصريح العبارة ( الحكة بألفين دينار), و"الحكة" هي وحدة خاصة لبيع البطيخ وتساوي أربعة كيلوغرامات, فتعجبت من السعر وقالت كلمة واحدة "معقولة"!

فحلف بكل المقدسات انه اقل من سعر باقي البائعين, واقسم جاهدا انه ليس طماعا ولا غشاشا وكل ما يطلبه الربح القليل ورضا الزبون, ثم راح يحدثني عن نوع البطيخ الذي يبيعه, وانه النوع الأفضل في السوق, واقسم علي الا ان اشتري منه, وحلف مرات لا تعد من أني أنا الرابح من هذه الصفقة (صفقة البطيخ).

الحقيقة الرجل الملتحي جعلني اصدق كل كلمة مما يقول, فالتدين يشع من عينيه, فأخرجت محفظة النقود ودفعت له وان اشعر بالرضا, ووضعت البطيخة في كيس نايلون وعدت مسرعا للبيت, هربا من هذا الحر الذي لا يطاق, فقد سمعت ان الحرارة تجاوزت الخمسين درجة, لكن الحكومة تتكتم على الموضوع, فهي على الدوم خائفة من كل شيء وكما يقال المثل المصري (( ألي على رأسه بطحه يحسس عليه)).

فرح الأطفال بالبطيخة الكبيرة, وناشدوني ان نأكلها حالا, فجلبت السكينة وشققتها نصفين, فإذا بها بطيخة فاسدة, انزعج الأطفال, وحزنت كانت خيبة أمل لا توصف, وضعت نصفي البطيخة في كيس ورميتها في برميل القمامة, الحقيقة ان المؤلم في الموضوع هو الغش, فعلى الرغم من ان طقوس الدين تتوشح بها اغلب مدننا, وعلى الرغم من مشاركة الأغلبية في السلوك الديني الظاهري, لكن ينخر في مجتمعنا الانحرافات السلوكية, والتي تمثل وجه باطني مخيف يناقض الوجه الظاهري المنير, والغش احدها! فلا يهمهم الحلف بالمقدسات ما دام يجعلهم يبيعون أكثر, وان غفلت عنه لحظه خسر الميزان, كذب وغش وخيانة يتكرر مع كل صفقة بيع, ويتباهون الباعة فيما بينهم بطرق مكرهم وخداعهم للناس, فتيقنت ان علينا الانتباه دوما فنحن في غابة.

شيوع الكذب ليس مقتصرا على الباعة في السوق, بل هي حالة عامة, تبدأ من رأس هرم بالدولة العراقية وتنتهي الى أصغرها كبائع البطيخ في سوق الداخل, وقد قيل سابقا "ان صلح الحاكم صلحت الأمة, وان فسد الحاكم فسدت الأمة", فتصور معي فساد طبقة الساسة بكاملها, وفساد جميع أحزاب العراق, فهل تنتظر ان يكون الشعب حالة مغايرة لساسته وأحزابه؟ فالإمراض الثلاثة (الكذب-الغش-الخيانة) مستشرية في بلدنا! وما يحصل لنا من نكبات سببها هذه الإمراض, وعندما أفكر بعلاجها أجده أمر يقارب المستحيل, لان الحل يكمن في أمرين غير ممكن تحققها خلال عشرين سنة قادمة: الأول تواجد حكومة شريفة, والثاني تحول القانون من حالة الموت الى الحياة, عندها فقط ينصلح حال البلد, وتنير القيم الأخلاقية في سماء الواقع اليومي للمجتمع.

عسى ان يحدث أمرا ما خارج التوقعات, ويعيد سير القافلة من حالة التيه الى الطريق الصحيح.

العراق – بغداد

assad_assa@ymail.com


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


اسعد عبدالله عبدعلي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/07/02



كتابة تعليق لموضوع : البطيخ و المجتمع
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net