صفحة الكاتب : علي علي

ليس المتنبي وحده يتساءل عن عودة العيد
علي علي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

  لم يعد المتنبي وحده من وجد في عودة العيد مذاقا غير مذاق الفرح المعهود في قدومه، وما عاد ينفرد بسؤاله: "بأية حال عدت يا عيد..." فلقد بات ينافسه في هذا شعب بكامله، بعد ألف وثلاثة وخمسين عاما على رحيله. ومعلوم ان المعنى اللغوي لمفردة العيد في لغتنا العربية، هو الوقت الذي يعود فيه الفرح او الحزن كل عام، حيث تصبح أيامه عادة يعتاد عليها الناس بشكل دوري سنويا، ومعلوم ايضا ما لأجدادنا من عهود زاخرة بالأفراح والأتراح معا.

  ولست أرى في تاريخ العرب أكثر من العراق ولاسيما بغداد، رصيدا بتلك القصص التي لم تعد تحويها ألف ليلة وليلة، ولا ألف شهر وشهر، ولا حتى ألف عام وعام. وكما يُقال: (أفراح عرس على جوانب مأتم) فقد يرى بعض العراقيين في العيد فرحا وغبطة تسر به نفوسهم، فيما لم تذق فيه نفوس أخرى إلا المرارة والحرمان والبؤس والشقاء، ولم تكن أيامه تزيدهم إلا ألما وحرقة، لما آلت اليه حياتهم ومعيشتهم، وهم يعومون على كثير من بحور الخيرات والثروات، إن كان النفط أولها، فإن المعادن والنهرين والسياحة والعتبات والآثار ليست آخرها، من دون ان ينالوا منها غير الحسد، فهم كما قال لبيد بن الأعوص:

كالعيس في البيداء يقتلها الظما

والمـاء فـوق ظهورهـا محمـول

  ولعل من المؤلم والمحزن أن كفة أتراحنا راجحة على كفة أفراحنا بكثير، بل كثير جدا. كما أنها -أتراحنا- تميزت لدينا نحن العراقيين، بلبوس يشابه الى حد ما لبوس الأفراح، مع أن الأخيرة من أضدادها، حتى غدا الحزن نغمة في أهازيج مناسباتنا، بما فيها أعراسنا.

  ولطالما تغنى مطربو العراق بالحزن كضرب من ضروب الفرح، واتخذوه خليلا ورفيقا دائما، واستقبلوه بالتهليل والصلوات، بعدما أدارت البسمة وجهها عنهم، ولطالما أخذوا الأحزان بالأحضان، بعدما يئسوا من مصافحة الأفراح. فهذا قحطان العطار يتعجب ممن يطالبه التغني بالفرح، في وقت أسدلت الهموم استارها على كل معانيه، فيقول:

ايگولون غني بفرح.. وآنه الهموم غناي

أما العيد، فهو الآخر لم يعد سعيدا كما كان، وما عاد العراقيون ينتظرون قدومه كما كانوا بفارغ الصبر، إذ اضحى يشغلهم عنه شاغل أكثر أهمية، ذاك هو هلاله، وقد قالها رياض أحمد حين صدح:

الناس تتنطر العيد.. وانا اظل انطر هلاله

بل من العراقيين من نسي العيد، وغابت عن مخيلته حتى صورة هلاله، فقد استثنى عراقي ناطق بلسان حال ثلاثين مليون رفيق درب من رفاقه، شموله بالعيد وفرحه، فانشد بيت دارمي صور فيه العيد وكأنه امتداد للحزن وتكملة لما فات من أتراح، حيث قال:

عيد اليمر عالناس عني آنا محظور

          حتى بنهار العيد لافيني عاشور

  وللغائبين الأعزاء حضور حتمي لا يباريهم فيه أحد، رغم غياب شخصهم عن العين، بل يوشكون أن يكونوا أول الحاضرين، ففي عتاب رقيق وجهته امرأة لمجهول لدينا -وهو معلوم لديها حتما- نلمس حقيقة الفرح في العيد، وأين يكمن سره، إذ يتضح جليا من مناجاتها، أن العيد محطة خالية من الفرح بذاتها، بل تضم جوانبها معاني الحزن كل الحزن، أما الفرح، فإنه يقدم إليها بقدوم الغائب، وإياب المسافر وعودة المهاجر، ومن دونهم لا فرح ولا مرح ولا بسمة ولا بهجة ولا جير ولا بسامير... تقول هذه المرأة:

إلمن كحل حطيت والمن تحنيت

                     عيد ويلم احباب ليش انت ماجيت

aliali6212g@gmail.com

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي علي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/06/19



كتابة تعليق لموضوع : ليس المتنبي وحده يتساءل عن عودة العيد
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net