صفحة الكاتب : عبدالاله الشبيبي

جبر الخواطر...
عبدالاله الشبيبي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

عن عبد العزيز القراطيسي قال: قال لي أبو عبد اللَّه (عليه السّلام): يا عبد العزيز إن الإيمان عشر درجات بمنزلة السلم يصعد منه مرقاة بعد مرقاة فلا يقولن صاحب الاثنين لصاحب الواحد لست على شيء حتى ينتهي إلى العاشرة فلا تسقط من هو دونك فيسقطك من هو فوقك وإذا رأيت من هو أسفل منك بدرجة فارفعه إليك برفق ولا تحملن عليه ما لا يطيق فتكسره فإن من كسر مؤمناً فعليه جبره.
دائماً نسمع من الأهل والأصدقاء بعد الوقوع في حادثة او مشكلة او مصيبة يقولوا لنا الله يجبر خاطر ويسكن من روعك ويطيب نفسك، وجبر الخواطر ضد كسر القلوب، ولهذا فإن جبر الخاطر المقصود به مداواة القلب، والجبر يكون مداواة للكسر، وتأتي منه الجبيرة، والتي تداوي كسر العظام.
كما أن كلمة الجبر من الجبيرة التي نضعها على العظم المكسور حتى يلتئم، وعكس كلمة الجبر هي كلمة الكسر الذي يؤلم الجسد ولا تلتئم بسهولة ويترك الكسر شروخاً ويحتاج وقتاً للعلاج.. والخاطر هو القلب أو النفس فيقال أخذ على خاطره.. بمعنى حزن وتأثر قلبه.
وقد قيل: أن جبر الخواطر كلمة وفعل له طاقة إيجابية كبيرة تنعكس مردودها على الإنسان من فعل ورد فعل وعبادة جبر الخواطر هي العبادة الأولى التي يتقرب بها العبد إلى ربه، وهى قبل عبادة الصلاة والصيام، فقال تعالى "أرأيت الذي يُكذب بالدين" بمعنى يكفر بما أنزله الله؟ "فذلك الذي يدُع اليتيم" يعني يكسر خاطر اليتيم.. ولا يحُض على طعام المسكين" يعني يطرد المساكين ولا يجبر خاطرهم! "فويل للمصلين" وهى ثالث شيء قاله تعالى في كتابه وهى الصلاة ! بمعني أن أول شيئين ذكرهما الله جبر الخاطر في المرتبة الأولى ثم المرتبة الثالثة الصلاة!
وجبر الخواطر يعني فيما يعنيه تثبيت الآخر ورفع همته وتهوين مصيبته وإقالة عثرته والأخذ بيده حتى يقف على قدمه... والخاطر ما يرد على القلب أو النفس من رأي أو معنى أو فكرة ، ثم أطلق على القلب على سبيل المجاز.
وجبر الخواطر خلق إسلامي عظيم يدل على سمو نفس وعظمة قلب وسلامة صدر ورجاحة عقل ونبل محتد وكرامة أصل، وأصالة معدن وشهامة مقدرة ورجولة مباركة.
هذا ذكرني برجل تزوج امرأة وبعد سنوات دخل عليها المطبخ وقد جهزت طعاماً فتذوقه فإذا هو مالح جداً.. فلم يغضب.. ولم يعول ولم يولول... ولم يكسر الصحون... ولم يضرب... ولم يشتمها وأهلها... ولم يحمل حماته المسؤولية أنها لم تعلم زوجته أصول الطبخ... بل وضع يديه على كتفيها وقال: لقد ذكرتني الليلة بأول يوم تزوجنا فيه... يوم كان أول عهدك بالطبخ... وكنت تزيدين نسبة الملح فيه... فقالت: وهل كان الطعام مالحاً اليوم؟ قال: نعم ولكنه ذكرني بأسعد يوم في حياتي... فجبر خاطرها... ووصل إلى ما يريد بأفضل طريقة، وأجمل أسلوب.
وننقل لكم قصة طريف عن جبر الخواطر: كانت امرأة تسير ذات يوم في الطريق فوجدت طفلاً حزيناً يبدو مكسور الخاطر وترتسم على وجهه علامات الحزن فقد كان يمسك بعصا صغيرة يرسم بها على الأرض مجموعة مربعات فسألته عن تلك المربعات، فأجابها أنه يرسم الجنة ويقسمها إلى أجزاء صغيرة، فابتسمت.
وقالت له: هل يمكن أن اشترى قطعة منها وسألته عن ثمنها فطلب عشرين جنيها فقط لأنه في أشد الحاجة اليها ليشترى بها طعام يأكله، أعطته المبلغ ومعه قطعة حلوى وذهبت الى حال سبيلها وبينما كانت نائمة. رأت نفسها في الجنة فاستيقظت وقصت لزوجها ما جرى مع الطفل الحزين وما رأته في المنام، فخرج مسرعاً على الفور وذهب إلى الطفل ليشترى منه قطعة من الجنة كما فعلت زوجته وقال له: أريد أن أشترى قطعة من الجنة كم ثمنها فأجابه الطفل على الفور: ولكن أنا لا أبيع.
فقال الرجل: بالأمس بعت قطعة لزوجتي بعشرين جنيهاً، فرد الطفل، ولكن زوجتك لم تكن تطلب الجنة بالعشرين جنيهاً بل كانت تجبر بخاطري أما أنت تطلب الجنة فقط والجنة ليس لها ثمن لأن دخولها يمر من باب جبر الخواطر.
وكثير من لحظات الحياة تمر وتنقضي وتمسح من الذاكرة وتنمحي ... ولا يبقى في الذاكرة ولا يثبت في جدرانها إلا أسماء أولئك الذين وقفوا معك وأنجدوك وجبروا خاطرك وأسعفوك على ما قال إبراهيم الصولي:
سَأَشكُرُ عَمراً أَن تَراخَت مَنيَّتي .. أَياديَ لَم تُمنَن وان هيَ جَلَّت
فَتىً غَيرُ مَحجوبِ الغِنى عَن صَديقِه .. وَلا مُظهِرُ الشَكوى إِذا النَعلُ زَلَّتِ
رَأى خَلَّتي من حيث يَخفى مَكانُها .. فَكانَت قَذى عينيهِ حَتّى تَجَلَّتِ
إِذا استُقبِلَت منه المَودَّةُ أَقبلت .. وان غُمِزَت مِنه القَناةُ أَكفهَرَّت
فجبر الخواطر طاعة يتقرب بها الإنسان إلى الله وهي من أجل القرب، بشرط واحد هو أن يكون هدف هذا الإنسان استنزال رضا الله سبحانه وتعالى عنه.
همسات سريعة في باب جبر الخواطر نذكر منها:
1- لا تستخفن بأي شيء من جبر الخواطر مهما قل، كلمة أو إشارة، فالقليل منك كثير.
2- ليكن من جبرك للخواطر همسة في أذن، وكما قال الشاعر:
لا خَيلَ عِندَكَ تُهديها وَلا مالُ .. فَليُسعِدِ النُطقُ إِن لَم تُسعِدِ الحالُ
3- لا يباح في باب جبر الخواطر أن أتنازل عن شيء من مبادئي أو ثوابت ديني أو أرتكب محرماً أو أضيع واجباً.
4- إن كان كسره بإخراجه عن الدين فعليه أن يدخله فيه بالإرشاد وإن كان يكسر قلبه فعليه أن يرضيه.
5- ضرورة الإخلاص في ذلك.
6- إن الخواطر المدفونة لا تموت ولا تفقد قدرتها مطلقاً، بل تقود سلوكنا نحو ما تريد.
إذ تقول إحدى الشخصيات الأوربية: إنّ الحوادث المؤلمة وانكسار الخواطر كمدرسة للفضيلة والتقوى، فإن المصائب تهدّب الروح وتذكّي العقل وتنبّه الإنسان وتصحّح فيه الحكم والقضاء، وتحذّر الإنسان عن تبعيّة الهوى والتلوّث بالمعاصي. إنّ الله الذي يدبر نظام الوجود برحمته وحكمته الكاملة جعل كل هذه الشدائد والمشاكل في هذا العالم، وأبلى بها الرجال الصالحين والعلماء ليعلّمهم بها طريق الوصول إلى الراحة الحقيقية في الآخرة، ويعوّدهم على تحمل الشدائد والمشاكل والصبر عليها، ليصبحوا أهلاً للحضور بين يدي ربّ العزّة والجلال.
لا أحد أشقى ممّن لا يصاب بالمشاكل والشدائد أبداً، فإنّه حيث لم يقع مورد الاختبار فإنّ حقيقة صورته تبقى غير معروفة.. والله يثيب على فضائل ومكارم تحصل للفرد من خلال السعي والعمل.
وقد أكد القران الكريم الأمر بالصبر بقوله: "إن الله مع الصابرين" لأن الصبر أقوى عون على الشدائد وأشد ركن تجاه التلون في العزم وسرعة التحول في الإرادة، وهو الذي يخلي بين الإنسان وبين التفكير الصحيح المطمئن حيث يهجم عليه الخواطر المشوشة والأفكار الموهنة لإرادته عند الأهوال والمصائب من كل جانب فالله سبحانه مع الصابرين.
كما ونقرأ في مناجاة المفتقرين للأمام زين العابدين عليه السلام: إلهي كسري لا يجبره إلا لطفك وحنانك، وفقري لا يغنيه إلا عطفك وإحسانك، وروعتي لا يسكنها إلا أمانك، وذلتي لا يعزها إلا سلطانك، وأمنيتي لا يبلغنيها إلا فضلك، وخلتي لا يسدها إلا طولك، وحاجتي لا يقضيها غيرك، وكربي لا يفرجها سوى رحمتك، وضري لا يكشفه غير رأفتك


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عبدالاله الشبيبي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/06/15



كتابة تعليق لموضوع : جبر الخواطر...
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net