صفحة الكاتب : نزار حيدر

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ الخامِسَةُ (٢٧)
نزار حيدر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

   {إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ}.
   متى تَكُونُ الكَثرةُ غَير نافعة؟!.
   بل، ومتى تَكُونُ الكَثرةُ مذمومةً؟! كما في قولهِ تعالى {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا}؟!.
   وأَساساً هل أَنَّ الكَثرة من شروطِ تحقيق النَّجاح أَو النَّصر والفَوز؟!.
   وما المقصُود بالقوَّةِ التي تُحقِّق كلَّ ذلك؟!.
   القرآن الكريم يجيبُ في هَذِهِ الآية؛ [لا] فالكَثرةُ ليست شرطاً، كما يؤَكِّد نفس المفهُوم في الآيةِ الكريمةِ {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}.
   والواقع والتَّجربة والتَّاريخ تُثبت هَذِهِ الحقيقة كذلك، فلقد نجحت فِرَقٌ صغيرةٌ في تحقيقِ أَعظم الإِنجازات إِذا استحضرت الشُّروط الحقيقيَّة المطلوبةِ فيما فشلت فِرَقٌ كبيرةٌ في إِنجاز شَيْءٍ يُذكر إِذا فشِلت في إِستحضار هَذِهِ الشُّروط!.
   فالكثرةُ المحسوبةُ والفعَّالةُ والخلَّاقةُ التي تُحقِّق النَّجاح هِيَ تلكَ التي تتحلَّق حولَ الهدف وتتوافق على الإِنجاز وتتعاون على النَّجاح وليست الكثرةُ المُبعثرةُ كالجَراد!.
   يصفُ ذلك أَميرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) بقولهِ {إِنَّكُمْ وَاللهِ لَكَثِيرٌ فِي آلْباحَاتِ، قَلِيلٌ تَحْتَ الرَّايَاتِ}.
   ومن هذه الشُّروط الحقيقيَّة التي تخلُق الكَثرةُ الخلَّاقة ما عدَّدها أَميرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) في خُطبتهِ التي قَالَ فيها {فَيَا عَجَباً عَجَباً وَاللَّهِ يُمِيتُ الْقَلْبَ وَيَجْلِبُ الْهَمَّ مِنَ اجْتِمَاعِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ عَلَى بَاطِلِهِمْ وَتَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ فَقُبْحاً لَكُمْ وَتَرَحاً حِينَ صِرْتُمْ غَرَضاً يُرْمَى يُغَارُ عَلَيْكُمْ وَلَا تُغِيرُونَ وَتُغْزَوْنَ وَلَا تَغْزُونَ وَيُعْصَى اللَّهُ وَتَرْضَوْنَ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسَّيْرِ إِلَيْهِمْ فِي أَيَّامِ الْحَرِّ قُلْتُمْ هَذِهِ حَمَارَّةُ الْقَيْظِ أَمْهِلْنَا يُسَبَّخْ عَنَّا الْحَرُّ وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسَّيْرِ إِلَيْهِمْ فِي الشِّتَاءِ قُلْتُمْ هَذِهِ صَبَارَّةُ الْقُرِّ أَمْهِلْنَا يَنْسَلِخْ عَنَّا الْبَرْدُ كُلُّ هَذَا فِرَاراً مِنَ الْحَرِّ وَالْقُرِّ فَإِذَا كُنْتُمْ مِنَ الْحَرِّ وَالْقُرِّ تَفِرُّونَ فَأَنْتُمْ وَاللَّهِ مِنَ السَّيْفِ أَفَرُّ}.
   أ/ الإِجتماع بدَل الفُرقة وتمزُّق الصُّفوف! فعندها لا ينفعُ أَن تكونَ على حقٍّ أَو تُدافعُ عن حقٍّ لتَنتصِرَ.
   يَقُولُ تعالى {وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} وَكَذلِكَ {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} وَقولهُ {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} وَ {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} وَ {مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}.
   هذه النَّماذج نراها في الشَّكلِ والمظهرِ مجتمعةٌ ومُتَّسِقةٌ! أَمّا في الجَوهرِ والحقيقةِ والواقع فمتفرِّقةٌ! يَقُولُ تعالى {بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لّا يَعْقِلُونَ} ويقولُ أَميرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) {أَيَّتُهَا النُّفُوسُ الْمُخْتَلِفَةُ وَالْقُلُوبُ الْمُتَشَتِّتَةُ الشَّاهِدَةُ أَبْدَانُهُمْ وَالْغَائِبَةُ عَنْهُمْ عُقُولُهُمْ}.
   كأَنَّهُم مجتمعُونَ مادِّيّاً [جسديّاً] ومُتفرِّقونَ معنويّاً [روحيّاً] بتفرُّق وتشتُّت قلوبهُم وعقولهُم!.
   ومن الواضحِ جدّاً فإِنَّ الإِجتماع [المادِّي] لا ينفعُ إِذا صحِبهُ تفرُّق العقول! لأَنَّ الجماعةَ تعمل سويَّة وتتعاون على البرِّ بعقُولِها وليسَ بأَبدانِها!.
   ب/ التَّواكل والإِتِّكال بدل التَّوكُّل والعزم!.
   يقول تعالى {وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ} وقولهُ {قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}.
   تحقيقُ النَّجاح يبدأ بخلقِ المُعادلةِ التَّاليةِ {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}.
   ١١ حُزَيران ٢٠١٨
                            لِلتَّواصُل؛
‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نزار حيدر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/06/12



كتابة تعليق لموضوع : أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ الخامِسَةُ (٢٧)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net