صفحة الكاتب : ادريس هاني

في نقد المفهوم واستقالة المثقف* وقفة مع عبد الله العروي
ادريس هاني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 في آخر كناش له تحت عنوان: نقد المفاهيم يكشف العروي عن مفخرة ثابتة منذ 50 عاما، وهي كيف يبرر بقوة الواقع استقالة المثقف..لم يستعمل مأثورة غرامشي ولا أي تعبير غير طبيعي لتحويل المثقف إلى مجرد مثقف: المثقف هو المثقف ، بهذه التوتولوجيا يمارس العروي أقصى الحجاج..منذ المفاهيم وهو يسعى لاستبعاد الأيديولوجيا واستبعاد المثقف عن المهمّة التاريخية وهو يحاسب المثقف في الأخير على تجاوز وظيفته باعتباره لا يملك عصى التغيير..النزعة القدرية التي يقرأ بها العروي التّاريخ ويواجه بها البديهيات..كل شيء عند العروي حتى لو كان نتيجة تكوين وتربية ومزاج خاص به يجعل منه قدرا تاريخانيّا..حوّل العروي ميوله الطفولية إلى تاريخانية مثلما حول فرويد ميوله الطفولية إلى "علم" التحليل النفسي..وهنا وجب أن ينتهي الحجاج..استبعد الأدلوجة بوصفها زائفة لكنه تجاهل دور الأدلوجة في التغيير التاريخي..في آخر كناش له - أسميه كناش لأنه لا يشبه كتبه الأخرى: هو رسالة أكثر منه كتابا - يقول في مقطع من مقاطعه:" قرأت قبل أيام في إحدى الصحف تصريحا لكاتب معروف بتدخله في كل نقاش والإدلاء برأيه في كل مسألة، جليلة كانت أم حقيرة، قال حان الوقت لنبدل هذه الحضارة بأخرى، إنها لدعوة مدوية ، لكن ما وقعها...".."؟؟
لم يفصح العروي عن إسم الكاتب الذي يقصده بالحديث الواضح والمحشّى..ولكن أحسب أنّني عرفته من قرائن شتّى، وأعتقد أنه يقصد د. حسن أوريد..قد يذهب بك الخيال بعيدا إن ظننت أنه يقصد طه عبد الرحمن، على الرغم من أنّ هذا الأخير صرح قبل أشهر أيضا بأمنيته في أن يرى انهيار الحضارة الغربية..ولكن لن يستعمل العروي صفة الكاتب في نقد طه عبد الرحمن فهو دقيق في نعوته..لماذا يقصد حسن أوريد في نظري:
- لأنّه بالفعل هو الكاتب..وهو كذلك، وكأنه يريد له صفة الكاتب لا المؤرخ ، كونه مؤرخ المملكة السابق خلفا لعبد الوهاب بن منصور..وهو كذلك لأنه أصدر مؤخرا عددا من الروايات تعبق بحوادث التاريخ ومآثره، ويصول ويجول مشرقا ومغربا..آخرها "رواء مكّة"..فيها مقاطع لن تروق للعروي..قد تستفزه بعض الشيء..أو تحاكي أوراقه أو تستفز سيرة ادريس..
- هو الوحيد الذي يتحدّث في جليل الأشياء وحقيرها ..يمارس تعدد المواهب..يزاحم العروي في التأريخ وفي الرواية وفي السياسة..يتحدث حتى في الإسلام السياسي، والإرهاب..لكن عبارة العروي تريد أن تقول بأنه يتحدث في كل شيء حتى في التّاريخ..
- هو من أصدر كتابا قبل سنوات تحت عنوان مرآت الغرب، ثم أعاد نشره بعنوان أفول الغرب..كأنه هنا يذكرنا بكلاسيكية شبنغلر..وهذا لا يروق للعروي حارس رسوم التّاريخانية، الذي يزعجه مثقف سابق منحدر من دار المخزن بحيي رسوم الانحدار في الثقافة الغربية..
يحاول العروي أن يذكّر مخالفيه بأنّ لا جدوى مما يقولون..وبأنّ عصا التغيير في غير ما مكان..وهذا صحيح إذا كان الغرض منه إظهار القيمة النسبية للأشياء وليس لتعليل وظيفة المثقف وحشره خارج التّاريخ باسم التّاريخ..هنا تصبح التّاريخانية ضدّ التّاريخ نفسه..حتى المؤرخ بصناعته تلك يصنع التاريخ وليس فقط يرويه..
يواجه العروي مخالفيه بالتجاهل والتهوين..أسلوب سايره فيه الجابري وأتبعهما فيه طه عبد الرحمن، فأصبح تقليدا متبعا في المشهد الثقافي المغربي يقوم به الصغير والكبير..يميز بين وعي الليل ووعي النهار بينما لا حدود للوعي في تأسيس نفسه على امتداد الجغرافيا والزمن..وكم من عتمة توقظ الأعماق وكم من أنوار تعمي البصر..ما أكثر مجازات العروي التي تستعمل مطية للهروب..الهروب في الواقع واستعمال سلطة الحدث ضدّ النّظرية..
في هذا الكناش كما في سائر كتاباته توجد محطّات ماتعة..لكن أحيانا نصبح أمام تفكير ينهل من لغة العامة..منح العروي للمثقف صفة الرعاع..وظيفة النظر والمقارنة والمضي إلى حال سبيله..يحشر أنفه فيما لا يعنيه كما عرّفه سارتر، ولا دخل له في التغيير، فإذا رام التغيير كان حشريا..لا قيمة لسلطة التّاريخانية التي تصبح أدلوجة يمسكها العروي من الوسط..ما قيمة المثقف إذا كان مجرد رائيا: "فيجي"..أو حشريا يقرأ ويهرب..إنّه جيل اليأس..الطاقة السلبية لمثقف يرفض التغيير ويحرّض ضدّه..وكلّ شيء في هذا الخداع يمرّ باسم المفاهيم..كاتب بارع..مفكّر لامع..ذكاء بالغ..لكن ختياراته تمارس عنادا باسم المفاهيم: الاستقالة بوظيفة المثقّف..في المقابل لدينا مثقفون عضويون..لكنهم ليسوا في وزن العروي ولا في مستوى ذكائه..ولقد تعوّدنا على هذا الفصام الخطير في صورة مثقفينا..من تمنيناه مثقفا عضويا لا زال هاربا من ظلّه..ومن أردنا له الاستقالة ليريح ويستريح يسكن المشهد بالخطأ..هنا التّاريخانية العروية تتحوّل إلى عصاب..ونتيجة هذا العصاب استقال المشهد الثقافي تأسّيا ببوذا التاريخانية ليمتلئ بالرّداءة وكأنّ لا رأي للتاريخانية في الرداءة..إنّ الطبيعة ترفض الفراغ..والسؤال: ماذا خسر المغرب بهذا المزاج العروي؟ ومع ذلك أحيانا أرى في عزوفه حكمة القرن...


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ادريس هاني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/06/12



كتابة تعليق لموضوع : في نقد المفهوم واستقالة المثقف* وقفة مع عبد الله العروي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net