صفحة الكاتب : عبدالاله الشبيبي

اصلاح البال!... 
عبدالاله الشبيبي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَتِ وَآمَنُواْ بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّد وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ﴾.
كثيراً ما نسمع الجملة الشهيرة طوّل بالك، ودير بالك، وخلّي بالك، والله يصلح بالك، وهلم جرا... وهنا نسأل ما هو البال؟ وهل كلمة البال عامية أم فصحى؟، وكيف فسر المفسرون كلمة وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ؟. 
قيل: سُئل رجل ذات مرة، لو كانت هناك أمنية واحدة تُلبى لك الآن ماذا ستتمنى؟! فقال: راحة البال، فهي أعظم نعمة يتمناها المره. اليوم وكأنني للمرة الأولى أقرؤها في كتاب الله عزوجل: ﴿وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ﴾، توقفت ملياً عند هذه العبارة من الآية المباركة من سورة محمد، وبعد الرجوع إلى أصحاب اللغة وأهل التفسير سجلنا لكم الكلام التالي:
اذ يقول ابن منظور في كتابه لسان العرب: بَالَى بالشيء يُبَالِي به إذا اهتمَّ به، وقيل: اشتقاقُ بَالَيْتُ من البَالِ بَالِ النفسِ، وهو الاكتراثُ. ومنه أيضاً: لم يخطرْ بِبِالِي ذلك الأمر أي لم يُكْرِثْنِي.
وفي تاج العروس يقول الزبيدي: البالُ: الحالُ التي تَكْتَرِثُ بها، ولذلك يُقال: ما بالَيتُ بكذا بالَةً: أي ما اكْتَرثتُ به، ومنه قولُه تعالَى: ﴿وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ﴾. وفي الحديث: كُلُّ أَمْرٍ ذِي بالٍ لا يُبدَأُ فِيه بحَمْدِ اللَّهِ فَهُو أَبْتَرُ، أي شَرِيفٌ يُحْتَفَلُ له ، ويُهْتَمّ به. ويقال: هو كاسِفُ البالِ: أي سَيِّئ الحالِ.
ويُعَبَّر بالبالِ عن الحالِ الذي يَنْطَوِي عليه الإنسانُ، وهو الخاطِرُ فيُقال: ما خَطر كذا ببالِي: أي خاطري.
ويقول ابن فارس في كتابه معجم مقاييس اللغة: البَالُ بَالُ النفسِ، ويقال ما خطر ببَالِي، أي ما أُلْقِيَ في رُوعِي، وممَّا حمل على هذا: البَال، وهو رخاء في العيش يقال إنه لراخِي البَال، وناعم البَال.
فإن كلمة البال فصيحة وكنت أظنها عاميّة، أصلح الله بالكم، دعاء جميل جداً في الآية لم نكن نفطن له. والبال هو موضع الفكر، والفكر موضعه العقل والقلب. فأنت حين تقول: أصلح الله بالك، أي أصلح الله خاطرك، وتفكيرك، وقلبك، وعقلك.
وعليه إنَّ المتَتَبِّعَ للمواضع التي ذُكِر فيها الإصلاحُ في القرآن يظهر له بوضوح ـ لا يدع مجالاً للشكِّ ـ أنَّ هذه الكلمة وما يتفرَّع منها من ألفاظ واشتقاقات، وما يُستوحي منها من معانٍ ومدلولات، قد تبوّأت مكانًا عليًّا في هذا الكتاب، إذْ عُدَّتْ من جملة أخلاقه وفضائله التي دعا إليها وحثَّ على التزامها والتَّحلِّي بها، ويكفي للدِّلالة على أهميَّتها وبروزها أنْ ذُكِرت أكثرَ من مائةٍ وسبعين مرَّة بأساليبَ متنوِّعةٍ وسياقاتٍ مختلفةٍ ومدلولات تَخْلُصُ إلى أنَّ كلَّ ما يؤدِّي إلى الكفِّ عن المعاصي ومجانبة الفساد، أو إلى فعلِ الطَّاعات واتِّباع الرَّشاد فهو إصلاح.
لقد جاء البال بمعان مختلفة، فجاء بمعنى الحال، العمل، القلب، وعلى قول الراغب: بمعنى الحالات العظيمة الأهمية، وبناءً على هذا فإنّ إصلاح البال يعني تنظيم كلّ شؤون الحياة والأُمور المصيرية، وهو يشمل الفوز في الدنيا، والنجاة في الآخرة، على عكس المصير الذي يلاقيه الكفار، إذ لا يصلون إلى ثمرة جهودهم ومساعيهم، ولا نصيب لهم إلاّ الهزيمة والخسران بحكم: أضلّ أعمالهم.
والبال الحال التي يكترث بها، ولذلك يقال: ما باليت بكذا بالةً أي ما اكترثت به، قال: ﴿كفّر عَنْهُمْ سَيّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالهُم﴾، وقال: ﴿فَما بال القُرون الاَولى﴾ أي حالهم وخبرهم، ويعبَّر بالبال عن الحال الذي ينطوي عليه الاِنسان، فيقال خطر كذا ببالي.
وقد ذكر المفسرون في تفسيراتهم عبارات متشابه في تفسير هذه الآية وبالخصوص ﴿وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ﴾، سنطلعكم على بعضاً منها:
﴿وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ﴾ قيل معناه أصلح حالهم وشأنهم وحقيقة البال الخاطر الذي في القلب وإذا صلح القلب صلح الجسد كله فالمعنى إصلاح دينهم بالإيمان والإخلاص والتقوى.
﴿وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ﴾ أي حالهم وشأنهم بالتوفيق في أمور الدين، وبالتسليط على الدنيا بما أعطاهم من النصرة والتأييد.
﴿وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ﴾ إن إصلاح البال نعمة كبرى تلي نعمة الإيمان في القضاء والقدر... ومتى ما صلح البال استقام الشعور والتفكير واطمأن القلب والضمير.
﴿وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ﴾ معطوف على ما قبله. أى: محا عنهم بسبب إيمانهم وعملهم الصالح، ما اقترفوه من سيئات، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الحسنات يُذْهِبْنَ السيئات﴾ ولم يكتف سبحانه بذلك، بل وأصلح أحوالهم وأمورهم وشئونهم، بأن وفقهم للتوبة الصادقة في الدنيا، وبأن منحهم الثواب الجزيل فى الآخرة. فالمراد بالبال هنا: الحال والأمر والشأن.
وقد فرق الشيخ الطوسي بين﴿وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ﴾ وبين﴿وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ﴾ أي شأنهم أو حالهم، وليس في ذلك تكرار البال، لان المعنى يختلف، لان المراد بالأول انه يصلح حالهم في الدين والدنيا وبالثاني يصلح حالهم في النعيم، فالأول سبب النعيم، والثاني نفس النعيم.
وقال سيد قطب: إصلاح البال نعمة كبرى تلي نعمة الإيمان في القدر والقيمة والأثر، والتعبير يلقي ظلال الطمأنينة والراحة والثقة والرضا والسلام. ومتى صلح البال، استقام الشعور والتفكير، واطمأن القلب والضمير، وارتاحت المشاعر والأعصاب، ورضيت النفس واستمتعت بالأمن والسلام.
وقال القرطبى: والبال كالمصدر، ولا يعرف منه فعل، ولا تجمعه العرب إلا في ضرورة الشعر، فيقولون فيه بالات.
﴿وأَصْلَحَ بالَهُمْ﴾ معناه حالهم، أو أمرهم، أو شأنهم ، وأصل معنى هذه اللفظة: أنها بمعنى الفكر، وموضع نظر الإنسان وهو القلب، فإذا صلح ذلك فقد صلحت حاله، فكأن اللفظة مشيرة إلى إصلاح عقيدتهم.
وأورد ابن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير﴿وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ﴾ إصلاح البال يجمع إصلاح الأمور كلها لأن تصرفات الإنسان تأتي على حسب رأيه، فالتوحيد أصل صلاح بال المؤمن، ومنه تنبعث القوى المقاومة للأخطاء والأوهام التي تلبس بها أهل الشرك، وحكاها عنهم القرآن في مواضع كثيرة، والمعنى: أقام أنظارهم وعقولهم فلا يفكرون إلا صالحاً ولا يتدبرون إلا ناجحاً.
وهذه الجملة الكريمة وهى قوله: ﴿وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ﴾ نعمة عظمى لا يحس بها إلا من وهبه الله تعالى إياها، فإن خزائن الأرض لا تنفع صاحبها إذا كان مشتت القلب، ممزق النفس، مضطرب المشاعر والأحوال. أما الذي ينفعه فهو راحة البال. وطمأنينة النفس، ورضا القلب، والشعور بالأمان والسلام.
وقال صاحب النكت والعيون ﴿وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ﴾ فيه أربعة أوجه:
أحدها: أصلح شأنهم. الثاني: أصلح حالهم. الثالث: أصلح أمرهم، والثلاثة متقاربة وهي متأولة على إصلاح ما تعلق بدنياهم. الرابع: أصلح نياتهم، ومنه قول الشاعر:
فإن تقبلي بالود أقبل بمثله ... وإن تدبري أذهب إلى حال بالياً
وقد قال صاحب الميزان قوبل إضلال الأعمال في الآية السابقة بتكفير السيئات وإصلاح البال في هذه الآية فمعنى ذلك هداية إيمانهم وعملهم الصالح إلى غاية السعادة، وإنما يتم ذلك بتكفير السيئات المانعة من الوصول إلى السعادة، ولذلك ضم تكفير السيئات إلى إصلاح البال.
وهو على هذا التأويل محمول على إصلاح دينهم ، والبال لا يجمع لأنه أبهم إخوانه من الشأن والحال والأمر. المصدر: النكت والعيون.
ويمكن القول بأنّ غفران ذنوبهم نتيجة إيمانهم، وأنّ إصلاح بالهم نتيجة أعمالهم الصالحة.
إنّ للمؤمنين هدوءاً فكرياً واطمئناناً روحياً من جهة، وتوفيقاً ونجاحاً في برامجهم العملية من جهة ثانية، فإنّ لإصلاح البال إطاراً واسعاً يشمل الجميع، وأي نعمة أعظم من أن تكون للإنسان روح هادئة، وقلب مطمئن، وبرامج مفيدة بنّاءة. المصدر: تفسير الأمثل.
فصلاح البال طريق السعادة التي ينبني عليها الفوز في الدنيا والآخرة. كما يعني تنظيم كلَّ شؤون الحياة والأُمور المهمة، وأن إصلاح البال يضفي على المؤمن اطمئناناً في النفس، وراحة في القلب، وهدوءاً في الفكر، وسعادة في الحياة، وأي نعمة أعظم من إصلاح البال لينعم المرء بالسعادة في حياته الدنيوية ومآله الأخروي.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عبدالاله الشبيبي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/06/09



كتابة تعليق لموضوع : اصلاح البال!... 
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net