المرجعيّةُ الدينيّةُ العُليا: روّضْ نفسك وعوّدْها على أن لا تتسرّعَ في الغضب، ولا تكون ردودُ الفعل أكبرَ من الفعل، ويُمكنُ حلّ الأمور بالحوار والحكمة والهدوء...

تطرّقت المرجعيّةُ الدينيّةُ العُليا الى أمرٍ مهمّ وهو الغضب، هذا الموضوع الذي له أثرٌ نفسيّ واجتماعي وإذا لم تتمّ السيطرة عليه فإنّ آثاره بلا شك آثار سلبيّة ستخلّف عواقب غير حميدة، مبيّنةً أنّه علينا أن نروّض أنفسنا ونعوّدها على أن لا نتسرّع في الغضب وأن لا تكون ردود الفعل أكبر من الفعل، مع إمكانيّة حلّ كافّة الأمور بالحوار والحكمة والهدوء.
جاء ذلك في الخطبة الثانية من صلاة الجمعة المباركة التي أقيمت اليوم (9رمضان 1439هـ) الموافق لـ(25 آيار 2018م) في الصحن الحسينيّ الشريف والتي كانت بإمامة سماحة السيد أحمد الصافي (دام عزُّه) وهذا نصّها: 
إخوتي أخواتي أودّ أن أتحدّث الى حضراتكم بموضوعٍ نوّهنا عنه بشكلٍ موجز في الخطبة الأولى، وهذا الموضوع له أثرٌ نفسيّ واجتماعيّ، وإذا لم تتمّ السيطرة عليه لا شك أنّ آثاره آثار سلبيّة ألا وهو موضوع الغضب، موضوع الغضب -من خلال ما نشاهد- من الموضوعات التي تنتج وتولّد حالات كثيرة يندم الإنسان عليها بعد ذلك، ولعلّنا إذا دخلنا في مصاديق مسألة الغضب سنظفر بمصاديق عديدة، ولعلّنا نذكر البعض منها على شكل الإيجاز.
الغضب من الحالات النفسيّة التي تعتلي الإنسان وهي مفيدة جدّاً لو أحسنّا السيطرة عليها، فالإنسان عندما يغضب لعقيدته، يغضب لوطنه، يغضب لمقدّساته فهذه حالة صحّية، فالغضب بما هو غضب في مكنونات النفس من الحالات التي يستعين بها الإنسان لأن يدافع ويبعد الشرّ عنه، وهذه من الصفات والآثار الجيّدة للغضب، لكن الإنسان يغضب دائماً هذا أمرٌ ليس بمُستَحْسَن وليس أمراً جيّداً، أو الإنسان ينفعل بمجرّد أن يُنقَل له شيء هذا ليس بصحيح، الإنسان يرتّب الأثر وحالة الغضب تعتريه بحيث لا يعقل أسفل الوادي من أعلاه هذا ليس جيّداً، الإنسان عليه دائماً أن يحكّم عقله ويجعل هذا العقل مسيطراً على هذه النوازع، كما يسيطر الإنسان على نزواته وشهواته ويمنعها في موارد غير صحيحة أيضاً لابُدّ أن يسيطر على غضبه ويمنعه.
في الوقت الذي نعتزّ بتركيباتنا الاجتماعيّة عادةً نسمع حالةً من التشاجر وحالة من المعركة بين طرفين أو بين عشيرتين أو بين قبيلتين، حينما تدقّق تجد أنّ أحدهما قد تكون له شخصنة وسيطرة وتراه يغضب، وهذا الغضب يولّد هذه المأساة، عندما ترجع وتتأمّل وتهدأ الأمور تجد أنّ الأمر برمّته لا يساوي أعشار ما حصل، مع أنّه سُفكت فيه أرواح وتروّعت أطفال وتأذّت أناس بسبب ماذا؟ بسبب الغضب!. أنّ الإنسان غضب لأنّه سمع كلمة صدقاً كانت أو كذباً، أنا أتحدّث أنّه في بعض الأحيان في واقع القضية لو افترضنا أنّها صدق لكن يجب أن لا تكون ردود الفعل أكبر من الفعل.
نذكر مثلاً قضيّة تقع بيننا، لو افترضنا شخصاً يقود سيّارة وعمل حادث سيرٍ مع شخصٍ آخر، أحدهما تأذّى بسبب الطرف الآخر والطرف الآخر معترف أنّي أنا المخطئ، فماذا ينبغي؟ ينبغي أن تحلّ المسألة فيأتي الطرف الآخر ويتحمّل أضرار سيّارة الشخص الأوّل، هل يوجد شيء غير ذلك؟! لكن أن يبدأ الشخص الأوّل غضباً يشتم الطرف الآخر ويشتم أهله وينفعل ممّا يؤدّي الى تحوّل الشخص الأوّل الى ظالم على الآخر، في بعض التّهم يتحمّل الوزر مع أنّه كان هو المتأثّر من الحادث لكنّه لم يضبط غضبه وانفعل، نقول له: نعم هذه سيّارتك متضرّرة وهذا مبلغ إصلاحها لكن عليك أنت أن تتحمّل الوزر، يرميه بالفاحشة ويتكلّم على أهلهِ كلّ هذه الأمور تتحوّل ضدّه وهذا غير مبرَّر.
الإنسان يغضب -مثلاً- إذا أخطأ طبيب، نعم إنّ الطبيب يعترف يقول أنا أخطأت وأنا أتحمّل، ما هو الحكم عليّ بسبب التقصير؟ أنا أتحمّل، نحن ماذا نطلب منه؟ نغضب عليه فنضربه ونشتم أهله فنتحوّل الى ظالمين!! لأنّنا لا نستطيع أن نسيطر على الغضب! وهذه المسألة الآن شائعة أنّ الإنسان يغضب بلا شيء.
الغضب أمرٌ مهمّ لكن على الإنسان أن لا يغضب لكلّ شيء لأنّه سيسفّه نفسه، سيجعل نفسه عبارة عن نفس مصروعة دائماً ومغلوبة، هذا الغضب يولّد فيه مآسي أنّ الإنسان لغضبه يفعل ما يفعل وقد يقتل -والعياذ بالله- لكنّه عندما يطمئنّ ويسكت يندم، روّضْ نفسك وعوّدْها على أن لا تتسرّع في الغضب، الندامة ليست دائماً بمقدور الإنسان أن يتداركها فهناك ندامة لا ينفع معها حتّى الندم، من يتحمّل الآن سقوط قتلى أبرياء بسبب فلان الفلاني لأنّه غضب وهناك عشرة أنفار يسمعون كلامه أيضاً؟ تأثّروا بكلامه اقتُلُوا قَتَلوا هَجِّروا هَجَّروا اذبَحُوا ذَبَحوا!! كيف تستقيم الأمور؟!.
الغضب حالة أودعها الله تعالى فينا كالشهوات والغرائز، يحتاج الإنسان عندما يجوع أن يأكل، وعندما يغضب أن يُدافع -كما قلنا-، لكن أن يغضب لكلّ شيء ويتحوّل الى حالة من الغضب هو عبارة عن غضب يكون على أهله وعلى نفسه وعلى مجتمعه ولا يعرف للحوار مجالاً ولا يتأمّل ولا يهدأ فهذا غير صحيح.
مجموعةٌ كبيرة من الروايات الشريفة وغيرها لا تحبّذ للإنسان أن يتصدّى للأمور إذا مرّ بحالة غضب، بل بعد أن يهدأ لأنّ الذي يغضب يرى الأمور بغير منظار، عكس منظار غير الغاضب، موسى(عليه السلام) نبيّ وقطعاً غضب لله، موسى إذا غضب يغضب لله والقرآن الكريم يقول: (وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ) بالنتيجة اعتراه الهدوء، لاحظوا الإنسان في حالة الغضب يتصرّف تصرّفاً وهو مسيطرٌ على عقله فإذا هدأ يتصرّف نفس التصرّف لماذا؟ لأنّ الغضب كان مشروعاً، بل الذي لا يغضب هو المُلام لماذا؟ لأنّه كان مشروعاً! أمّا نحن فنتكلّم عن حالة الإفراط في الغضب، أن الإنسان على كلّ شيء يغضب، التلاميذ -مثلاً- في حالةٍ من الرّعب من المدرّس لماذا؟ لأنّ هذا المدرّس يغضب! إذا كان الطالب لا يزال طفلاً صغيراً ولم يستطيع الإجابة بشكلٍ جيّد يغضب هذا المدرّس على جميع الطلبة ويتكلّم بكلامٍ... يا أخي لا توجد مبرّرات لذلك فالمشكلة فيك.
الغضب إخواني.. أُعيد لأنّه حقيقةً نسمع قصصاً مروّعة وعندما نحلّل هذه القصص نرجع الى أنّ حالةً من الغضب كانت لها بعض الآثار، جاء رجل الى النبيّ(صلّى الله عليه وآله) قال: أوصني. قال: لا تغضب. قال: أوصني. قال: لا تغضب. أوصني. قال: لا تغضب. ثلاث مرّات يقول له: لا تغضب. رجع فشاهد أصحابه متهيّئين للغزو والقتال، قال: خيراً؟ قالوا: كذا وكذا معهم في الطريق. تذكّر قول النبيّ له (لا تغضب)، فقال: ارجعوا. وتأمّل وفعلاً حفظ دماءً لأنّه سمع هذه الكلمة، فالغضب الآن -إخواني- يؤدّي بنا الى مهالك في غير محلّها، القضيّة نفسيّة فرديّة وجماعيّة وأنا أتحدّث عن قضيّة عامّة، على الإنسان دائماً أن يهدأ وأن تكون له لياقات أن يتصرّف بحكمة مع أحداثٍ قد تكون كبيرة لكنّها بالحكمة تُحلّ، فبالحوار والهدوء ممكن للإنسان أن يرى الأمور من منظارٍ آخر ويجد حلّاً خيراً من الحلّ الذي يجده عند غضبه.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإيّاكم ممّن يغضبون لله تعالى ولا يغضبون لأنفسهم، ونكون من الذين يسيطرون على أنفسهم عند الغضب، وأن يمنع عنّا وعنكم كلّ سوء وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمد وعلى آله الطيّبين الطاهرين..


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/05/25



كتابة تعليق لموضوع : المرجعيّةُ الدينيّةُ العُليا: روّضْ نفسك وعوّدْها على أن لا تتسرّعَ في الغضب، ولا تكون ردودُ الفعل أكبرَ من الفعل، ويُمكنُ حلّ الأمور بالحوار والحكمة والهدوء...
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net