صفحة الكاتب : عبدالاله الشبيبي

ربيع القرآن وميلاده شهر رمضان...
عبدالاله الشبيبي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

قال تعالى في محكم كتابه العزيز: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي اُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْانُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾.
ان لكل عبادة من عبادات الإسلام ولكل شعيرة من شعائره روحاً عظيمة ومحتوى كبيراً فإذا ما جردت شعائر الإسلام وعباداته من روحها ومحتوياتها وتشبث الناس بالممارسات الفارغة والإطارات الشكلية فان ذلك يعني قتل أهداف الدين وسحق رسالته العظيمة ومنع تفاعله مع الحياة.
ويصبح الدين حينئذ وجود شكلي أجوف لا يقدم للحياة أي خدمة مفيدة مما يحدث رد فعل ضد الدين لدى أي ملاحظ بسيط حين ينظر إلى الدين كتقاليد عقيمة وعادات بالية ليس إلا أي دور في الحياة ولا تقدم أي اثر في المجتمع. المصدر: رمضان برنامج رسالي، ص35.
فحينما يصوم الصائم في هذا الشهر الكريم، فكأنه يشحذ ذهنه لاستقبال كلمات الله؛ الله الذي إذا اقترب العبد منه شبراً اقترب هو إليه ميلاً. وغالباً ما تخوض قلوب المؤمنين خلال شهر رمضان في عملية تطهير وتنقية وابتعاد عن شوائب الدنيا والعلاقات المادية، حيث تستقبل النور والهدى، ولذلك كانت تلاوة القرآن فيه أفضل من سائر الشهور.
كان ربيع القرآن وميلاده شهر رمضان؛ الشهر الكريم الذي يضاعف الله سبحانه وتعالى فيه عمل الإنسان أضعافاً كثيرة، ولاسيما قراءة القرآن المجيد. فما أروع أن يتحدث الله مع عبده الصائم، فيعيش هذا الأخير الأجواء الروحية الرمضانية التي مَنّ الله بها عليه.
عليه أن يعرف إن وسيلة ذلك هي قراءة القرآن؛ قراءةً لا يكون محورها التخلص منها والوصول الى نهايتها، وإنما ينبغي أن يقرأ الآيات القرآنية، فيكون همّه الاستماع بأذنه وبقلبه وبروحه وبعقله.. فيثار العقل وتطهر الروح ويصفو القلب وتعي الأُذن.
ولكن؛ كان ديدن الناس البحث عن كيفية تنمية أموالهم وأولادهم وسمعتهم في المجتمع، فينسون بين هذا وذاك تنمية أنفسهم، وهي العلّة الأولى التي من أجلها خُلقوا. وهذا يعني ويتضمن هجرتهم للقرآن الكريم الذي من فوائده الأساسية تنمية وتنزيه النفوس والسمو بها إلى أعلى عليين.
إن شهر رمضان الذي مدحه القرآن ورفع من درجة أيامه، لأنها الأيام التي أنزله الله فيها، وهو القائل عز أسمه: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي اُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْانُ﴾ ففيه الهدى لمن يعيش العمى، وفيه البينات من الهدى لمن يرغب في إحراز اليقين والبصيرة والعلم والفهم والعمق والقرب من المعنويات والشهود والحقيقة، فيكون كأنه فيها ومنها وعليها.
فإذا قرأ المرء كتاب ربه الجليل انطلاقاً من هذه البصيرة، كان له فرقاناً يميز له الحق عن الباطل، والصح عن الخطأ، والخير عن الشر، وما ينفع عن ما يضر.. فيكون بذلك فوق الآخرين، لأنه ملك الميزان، فأصبح دليلاً لغيره على الطريق الصحيح. وهذه بالذات بغية الإنسان المتطلع إلى النور دوماً.
إذن؛ فشهر رمضان فرصة ثمينة جداً في إطار التقرب من القرآن ومن منُزله؛ الله العلي القدير، فلنسعَ إلى أن نكون معه، ونأنس به، ونقرأه بحب ومعرفة وتأمل.
وقد ورد: لكل شيء ربيع وربيع القرآن شهر رمضان، سمي شهر رمضان ربيع القرآن وشبهه بربيع الأزمنة وهو أول ما يظهر فيه النور والكمأة إلى أن يدرك الثمار والوجه نشاط القلوب في شهر رمضان وميلها إلى تلاوة القرآن ومشاهدة أسراره كنشاطها وميلها إلى مشاهدة الربيع ومشاهدة أزهاره وأنواره وأثماره أو نمو أجر التلاوة وثواب القراءة فيه زيادة على غيره من الشهور كنمو النباتات والأشجار والأثمار والله يعلم. المصدر: شرح أصول الكافي، ص103.
فإن من أهم منافع الصوم، هو الانتصار للجانب الروحي، من حياة الإنسان، حيث يبقى الإنسان طوال السنة منغمساً في المادة، منساقا خلف متطلباتها، مهتما بمشاكلها، فيستغرق الجانب المادي الكثير من تفكيره وجهوده، فذا ما استمر على هذا الوضع يخاف عليه من طغيان الجانب المادي، على الجانب الروحي كليا، فتحتل المادة كل شيء في حياته.
وكم يلتذ المؤمن ويرتاح، حينما يقرع سمعه، نداء من خالقه، وقد شحنت حروفه، بطاقات من اللذة والسرور، ولأنه يقيم النداء، ويعرف عظمة المنادي، فحينئذ يذوب عناء القيام بالتكليف، في غمرات اللذة والارتياح، اللذين يبعثهما النداء الرقيق، وتخف وطأة التكليف. روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): لذة ما في النداء أزال تعب العبادة والعناء.
وقد نسأل: انه بِمَ اكتسب‏ شهر رمضان‏ هذه الأهمية، وما فرقة عن باقي الأشهر والأزمان؟. يمكن الجواب على ذلك، على عدة مستويات، نذكر منها:
المستوى الأول: إنه لاشك في أفضلية بعض الأوقات على بعض لدى المسلمين جميعاً كليلة القدر بل بنظر الأديان كلها، حسب مناسباتهم الدينية.
فما قالوه بالنسبة إلى سائر المناسبات، نقوله بالنسبة إلى شهر رمضان. فإذا كان السائل في هذا المستوى واحداً منهم، كفى النقض عليه بمناسباته نفسه.
المستوى الثاني: إن الأهمية ليست للزمان، بل للمواهب الإلهية التي‏ تحصل فيه كالرحمة والمغفرة والبركة وغل الشياطين وفتح أبواب الجنان ونحو ذلك.
المستوى الثالث: قد علم الله سبحانه بحصول الذنوب للبشر وأحب منهم حصول الإنابة والتوبة والاستغفار. فمن هذه الناحية فتح لهم أبواب عديدة وفرصاً كثيرة لانجاز ذلك، بغض النظر عن إمكان ذلك باستمرار. المصدر: فقه الأخلاق، ج‏1، ص363.
إن البعض من الناس تعودوا أن يقرؤوا ختمات من القران في شهر رمضان، وهي عادة جيدة، لكن ينبغي أن لا يكون الهدف طي الصفحات دون استفادة أو تمعن.
وإذا ما قرأ الإنسان آية من الذكر الحكيم، فينبغي أن يقف متسائلاً عن موقعه مما تقوله تلك الآية، ليفسح لها المجال للتأثير في قلبه، وللتغيير في سلوكه، ورد عنه (ص) أنه قال: إن هذه القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد، قيل: يا رسول اللَّه فما جلاؤها؟ قال: تلاوة القران. وبذلك يعالج الإنسان أمراض نفسه وثغرات شخصيته فالقران ﴿شِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ﴾.
وهذا الشهر الكريم هو خير مناسبة للارتقاء بالأداء الاجتماعي للمؤمن، ولتصفية كل الخلافات الاجتماعية، والعقد الشخصية، بين الإنسان والآخرين، وقد حثت الروايات الكثيرة على ذلك، إلى حد أن بعض الروايات تصرّح بأن مغفرة اللَّه وعفوه عن الإنسان يبقى مجمداً فترة طويلة، حتى يزيل ما بينه وبين الآخرين من خلاف وتباعد، حتى وإن كانوا هم المخطئين في حقه. المصدر: أحاديث في الدين والثقافة والاجتماع، ص73.
ولكن ذلك يحتاج إلى إرادة صلبة، وعزيمة قوية، فمجاهدة الإنسان لشهواته وميوله وانحرافاته الغريزية، يتطلب إرادة قولة. والإرادة القوية هي التي تملك أن تقبض وتبسط حياة الإنسان، وتحدد شهواته وعواطفه، وبها يكون الإنسان حراً في حياته، بحيث لا تستعبده شهوة، ولا تقهره عاطفة، ولا يملك عليه مصيره أحد. وحينما يملك الإنسان رصيد الإرادة، يستطيع أن يكون تقياً متعالياً، عن أن تناله أشواك الشهوة والانحراف. فالإرادة هي التي تولد التقوى عند الإنسان. 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عبدالاله الشبيبي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/05/18



كتابة تعليق لموضوع : ربيع القرآن وميلاده شهر رمضان...
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net