صفحة الكاتب : علي علي

المال والحرص ومابينهما
علي علي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 "عينك على مالك دوه"
  أستهل مقالي اليوم بالمثل أعلاه إيمانا مني بأن الحرص على المال أهم من المال نفسه، ذلك أن المال معرض للضياع والزوال لأسباب عدة، وبوجود الحرص يستجد مال ثانٍ وثالث وعاشر، في حين أن انعدام الحرص لا يبقي على أي مال، وإن تعددت موارده وكثرت أرقامه، ويأتي على أول المال وتاليه على حد سواء.
  باستقراء سريع لما يدور من أحداث على أكثر من صعيد، وفي أكثر من مؤسسة من مؤسسات البلاد، يتبين أن حرص المواطن على تلك المؤسسات أشد بكثير من حرص مديريها عليها، وهذا ليس اتهاما من وحي البغض او التسقيط او المكيدة، فهو واقع أثبته للجميع القائمون على إدارة مفاصل الجهات التنفيذية المتمثلة بالوزارات والهيئات الحكومية، وما تظاهر منتسبيها وكوادرها بين الحين والآخر، إلا دليل على سعيهم في تصحيح الأخطاء وتقويم الاعوجاج الذي يقع فيه مديرو مؤسساتهم. 
ومعلوم أن المقتضيات المهنية -فضلا عن الأخلاقية والوطنية- تحكم المديرين وتضعهم في خانة، لامناص لهم داخل إطارها من الجد والمثابرة بعملهم، وكذلك الإخلاص والصدق والشفافية، وهذه المعطيات لن يلتزم بها إلا من أتى مؤسسته "بقلب سليم". وأظن مديرين بالصفة هذه عملة نادرة في يومنا هذا، إذ أن أغلب مديري مؤسسات عراقنا الجديد لايضعون أداءهم المهني على رأس قائمة الاهتمامات والأولويات، بل تسبقه من الأولويات المادية والنفعية الكثير، كانوا قد وضعوها نصب أعينهم، قبل انتخابهم وترشيحهم وتنصيبهم وتسنمهم مهام وظيفتهم كمديرين، الأمر الذي أفضى الى تداعيات في أدائهم الوظيفي وأداء معيتهم من منتسبي مؤسساتهم، وسارت نتيجة لهذا مؤسساتهم نكوصا باتجاه الفشل والخراب، وأضحى التدني في الأداء والخدمات عنوانا وسمة بارزة لهم.
  وعلى ذكر الإدارة والمدير، أود تفسير سبب إحجامي عن ذكر مفردة مدراء، وذهابي الى جمع مدير على مديرين وليس مدراء، أقول: 
  جاء في كتب اللغة عن علمائها الموثوقين أن مفردة مدير أصلها مُدوِر، ثم قلبت الواو بعد الإعلال ياءً، فصارت مدير، وقد جاءت من الفعل الرباعي الماضي أدار، وجذره دوَرَ، واسم الفاعل منها على وزن مُفعِل وليس فعيل إذ أن الميم زائدة، وقد اتفق الصرفيون أن الوصف المبدوء بميم زائدة في فعله المجرد -كما هو في مدير- لايجمع جمع تكسير بل يجمع جمع سلامة، بالواو رفعا، وبالياء نصبا وجرا. فالقياس إذن، في جمع مفردة مدير هو مديرون.
  أما مدراء فهو جمع تكسير لاسم الفاعل مادر، الذي اشتق من الفعل الثلاثي مدر، ومدر لها معنى آخر يختلف تمام الاختلاف عن أدار، حيث يقال؛ مدر الرجل الحائط ويمدره مدرا، أي يسد الفجوات والشقوق التي فيه بالمَدَر، والمدر -أجلّكم الله- هو الطين اللزج المتماسك، وعليه فالمدراء هم المطينون للحيطان والأسطح والأرضيات والسقوف بغية إصلاحها.
  وفق هذه المفاهيم يتضح لنا أن وظيفة المدير غير وظيفة المادر، إذ أن الأول يعول عليه في إدارة ماموكل به من عمل، وهو مسؤول عن أدائه ومحاسب على النتائج المبنية عليه، كما أنه يُسأل عن كل كبيرة وصغيرة، وشاردة وواردة، وهمزة ولمزة تطرأ على ما منوط به من واجبات. وقد قيل في هذا:
فإذا وليت أمر قوم ليلة
    فاعلم بأنك عنهم مسؤول
وإذا حملت الى القبور جنازة
    فاعلم بأنك بعدها محمول
  هو سؤال أنوب عن أكثر من ثلاثين مليون شخص بتوجيهه الى "المديرين" في مؤسسات العراق كافة، وكذلك الى معاونيهم ووكلائهم بدرجاتهم جميعها، هل أنتم تديرون مهامكم في مؤسساتكم على الوجه الأكمل؟ إن كنتم كذلك فأنتم "مديرون" فعلا، أما لو كنتم العكس، فأنتم "مدراء" والمدراء كما أسلفت هم المطيِّنون، والمطيِّنون لهم محلات اشتغال أخرى، يثابون على حسن أدائهم فيها، أما أنتم فلكم بئس الأجر فيما تطيِّنون، وسوء العاقبة فيما تقدمون، بل أنتم أضل سبيلا.
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي علي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/05/15



كتابة تعليق لموضوع : المال والحرص ومابينهما
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net