صفحة الكاتب : محمد رضا عباس

درس اقتصادي عن فرض ترامب التعريفة الكمركية على الصين
محمد رضا عباس

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

ولى عهد المقاطعات التجارية من طرف واحد , حيث تمتنع دولة او مجموعة دول من التعامل التجاري مع دولة معينة او شركة معينة او مجموعة من الشركات من اجل تحقيق هدف سياسي. هذا الاجراء استعملته الجامعة العربية ضد بعض الدول والشركات التي كانت تتعامل مع الكيان الصهيوني , ولكن نتيجة هذه السياسة كانت تقدم إسرائيلي  اقتصاديا و تكنولوجيا وتخلف الدول العربية بالاثنين . اكتشفت الجامعة العربية خطئها فألغته ولم نسمع عنه الان , ولكن بعد خراب البصرة .
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يحمل نفس عقلية الجامعة العربية يريد ان يفرض اراداته على شركائه التجاريين بدون اخذ بعين الاعتبار ردود افعالهم على هذه الارادات او تأثير قراراته على الاقتصاد الوطني الأمريكي , على الطبقة العاملة الامريكية , بل حتى على مصير مستقبله السياسي ومستقبل حزبه , الحزب الجمهوري . الرئيس الأمريكي أراد ان يحمي صناعة الصلب والحديد والالمنيوم في بلده , ففرض ما يقارب 50 مليار دولار كضرائب إضافية على استيرادها من الصين , والتي تجهز الولايات المتحدة الامريكية بهذه المواد بأسعار تنافس المنتوج الأمريكي . طبعا , رد الفعل الرفض على هذا القرار جاء من الشركات الامريكية قبل الشركات الصينية المصنعة لهذه المواد . شركات مثل شركات الصناعات الثقيلة , شركات الطباعة , شركات صنع البيرة , وشركات صنع المشروبات الغازية . هذه الشركات تعتمد على الالمنيوم والحديد والصلب الصيني وذلك لرخصه , وان تحولهم الى استعمال المنتوج الامريكي منه سوف يزداد كلفة انتاجها وبذلك تخسر موقعها التنافسي في الأسواق العالمية . شركات صناعات الآلات الثقيلة و الأدوات الاحتياطية وشركات التعليب توقعت ان مبيعاتها سوف تتراجع بالوقت الذي يحتاج الاقتصاد الأمريكي كل الدعم من اجل النمو والازدهار. لقد كان اول ضحايا قرار ترامب شركة 3M , Whirlpool,  Qualcomm والتي خسرت 8.1%, 8.3%, و 15.1% على التوالي من قيمة اسهمهم في الوقت الحاضر .
لقد كان رد الصين على قرار ترامب على فرض الضرائب على صادراتها هو فرض 50 مليار دولار ضرائب جديدة على استيراداتها من المنتوجات الزراعية الامريكية مثل الحنطة , الذرة, القطن ,ذرة اعلاف الحيوان , التبغ , و فول الصويا .  الصين اختارت هذه المنتوجات لان مناطق زرعتها تعد مناطق تقليدية وحصن قوي للحزب الجمهوري والتي ساعدت  لرئيس دونالد ترامب للوصول الى البيت الأبيض. كما وانها تمثل ضربة على المرشحين من أبناء هذه المناطق لرئاسة الولايات و للكونغرس الذين يتنافسون عليها في شهر تشرين الثاني من هذا العام. المنتوجات الزراعية التي تستوردها الصين تتركز في اربع ولايات من الوسط الأمريكي , يمثل الجمهورين فيها  25    مقعدا لهم في الكونغرس الأمريكي بينما يمتلك  الديمقراطيين  5 مقاعد فقط, وهكذا ان فرض الصين ضرائب إضافية على منتجات هذه الولايات ستكون ضربة مباشرة لمثليهم الجمهورين في الكونغرس الأمريكي و إضافة صعوبة بالغة لمرشحيهم للكونغرس في الانتخابات في شهر تشرين الثاني من هذا العام.  
المزارعون في الوسط الأمريكي والذين يعتمدون على دخل الزراعة يعانون من انخفاض أسعار منتوجاتهم , وان إضافة عنصر اخر , الحرب التجارية على محاصيلهم سيكون تدمير شبه تام لحالتهم المعاشية , وطالما وان هذه الشريحة من المجتمع الأمريكي من المعروفين بولائهم للحزب الجمهوري و انتظامهم في المشاركة في الانتخابات , فان مقاطعة هذه الطبقة للانتخابات في تشرين الثاني القادم سيكون ضربة قاتلة للحزب الجمهوري في وسط البلاد وخسارة المرشحين لمناصب السناتور , الكونغرس , و حكام ولايات . المزارعون ينظرون الى الحرب التجارية حرب لا يمكن ربحها , و لهذا السبب سيظهر حربا جمهوري-جمهوري , يكون كبش الفداء فيها منصب رونالد ترامب  . الفلاح الأمريكي يفضل التجارة الحرة بدلا من الحروب التجارية والذي سيكون هو احد ضحاياها. 
الحالة الامريكية – الصينية , تعد درس قاسي للمجتمع العربي والذي تخلف عن الركب الحضاري العالمي . الصين في ستينيات القرن الماضي لم تكن اغنى من الدول العربية , بل كان دخل المواطن الصيني في ذيل قائمة الدخل الفردي في العالم. ولكن الاختلاف الوحيد الذي ظهر بين الصين والدول العربية , ان الصين كانت تقودها قيادات وطنية تحب شعوبها وتطمح ان لا تكون الا بمستوى حضارتها واهميتها العالمية. الصين لم يقودها شخص يحلم ان يكون مخلدا في وظيفته , ولم يعطي المناصب الى اقربائه واحبائه , ولم يعامل مجتمعه بقساوة بالغة , ويسرق أمواله. لقد وضع القائد الصيني حب شعبه وتاريخه وحضارته قبل نفسه , فحصد مئات الملايين من البشر من خيراته . بالمقابل حكم بعض قادة العرب اكثر من عشرين عام , ولكنهم لم يقدموا الى شعوبهم الا الفقر , الامية, التبعية , الفوضى السياسية , والتخلف على جميع الأصعدة. لقد اصبح لا تأثير للعربي على الواقع العالمي , فاذا غاب العرب سوف لن يفتقد العالم ما ينتجوه .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد رضا عباس
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/05/13



كتابة تعليق لموضوع : درس اقتصادي عن فرض ترامب التعريفة الكمركية على الصين
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net