صفحة الكاتب : السيد ابراهيم سرور العاملي

وقفات مع القرآن الكريم-الحلقة الأولى-حول قصة نبي الله ابراهيم-ع- وتحطيمه الاصنام الشركية
السيد ابراهيم سرور العاملي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

       بسم الله الرحمن الرحيم

لقد أيّد الله تعالى نبيّه إبراهيم -ع- كما أيّد أنبيائه على طول التاريخ بالحكمة والشريعة وانجاهم من أيدي ظالمي أممهم، 
ولا ريب أن القرآن الكريم ذكر ثابت وخطاباته صالحة لكل زمان ومكان وهي تواكب كل الحضارات والإكتشافات العلمية الحديثة. فالقرآن إنما يشكل الرافد الاصلي للمجتمع البشري على كافة الصعد وفي كل المجالات ، حيث يقدّم النص القرآني أرقى المعاني والنماذج المعمّقة التي تتماشى مع تطور الذهن البشري والإنساني على مر العصور وتقادم الدهور . وتكفي نظرية البطون القرآنية بتسليط الضوء على مكمن الاسرار الذي يعيشه المفسّر في اجواء عالم التفسير والتحقيق. ومهما توصلنا في عملية اكتناه التفسير وتقصي أسراره وتبيان المعاني ظاهرية وباطنية فلن نكون بذلك قد ختمنا العلم التفسيري بما قدّمناه من وسائل أنتجت لنا شذراً من العطاءات والنفحات، بل الحق يقال أن مقتضى التحدي القرآني للبشرية جمعاء من العهد الاول للنزول ؛ دالٌّ على عدم إمكانية بلوغ القمة في تفصي الحقائق القرآنية وعدم القدرة على الشمول والاستيعاب إلا بنحو من الأنحاء ما عدا الامكانيات المعرفية التي وهبها خالق الاكوان للمعصومين الأماجد صلوات الله عليهم.

وعليه فالقرآن هو الذكر المبارك الذي يُسترشد بمعناه وإن جهل الجاهلون لفظه، وأنكر الجاحدون حقه وكفروا بعظيم نعمته، وأعانهم على ذلك المسلمون بإهمالهم في أمره، وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا.

لقد بيّن القرآن الكريم من خلال قصص الانبياء وتاريخهم ولا سيما قصة نبي الله إبراهيم -ع- جملة من الاسباب التي كوّنت لدى المجتمع الجاهلي فكرة الإعراض عن الامر الالهي مع ما كان من عوامل التخويف والانذار وتقديم الحجج في معرِض اثبات  الوحدانية وعدم سلوك ما يؤدي الى عبادة غير الله عز وجل .

يستعرض القرآن آيات ترتبط بشكل وثيق بالجانب الدعوي الذي  كان بشرى للمؤمنين وحزازة على الجاحدين والمنافقين وعبدة الاصنام يقول الله تعالى في قصة نبيّه إبراهيم -ع- " وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ ، إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ ، قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ ،قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ، قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ ، قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ ، وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ ".

والرشد خلاف الغي وهو إصابة الواقع، وهو في إبراهيم (عليه السلام) اهتداؤه الفطري التام إلى التوحيد وسائر المعارف الحقة وإضافة الرشد إلى الضمير الراجع إلى إبراهيم تفيد الاختصاص وتعطي معنى اللياقة ويؤيد ذلك قوله بعده: ﴿وكنا به عالمين﴾ وهو كناية عن العلم بخصوصية حاله ومبلغ استعداده.
والمعنى: وأقسم لقد أعطينا إبراهيم ما يستعد له ويليق به من الرشد وإصابة الواقع وكنا عالمين بمبلغ استعداده ولياقته، والذي آتاه الله سبحانه - كما تقدم - هو ما أدركه بصفاء فطرته ونور بصيرته من حقيقة التوحيد وسائر المعارف الحقة من غير تعليم معلم أو تذكير مذكر أو تلقين ملقن.
لقد كانت عبادة الاصنام في زمن إبراهيم -ع- سنة قومية عكف عليها المجتمع البشري آنذاك ،فقد كان الناس وقتها يقدمون الذبائح  والقرابين على مائدة الإله الحجري الذي يعبدونه من دون الله تعالى. 
وفي نفس الوقت الذي جعل هؤلاء عبادة الصنم سنة يتمسكون بها ويرغمون الآخرين على اتباعها ؛ كان عزوف ثلة من المؤمنين عن اتباع دين الصنمية وتوجههم الى عبادة الواحد الأحد قد شكّل جبهة كبرى في مواجهة القائد العام لهذه الحركة التوحيدية ألا وهو نبي الله إبراهيم الذي انتصر عليهم بعد ان حطم اصنامهم وكسّرها بحيث لم يبق إلا كبير الاصنام ليحتج عليهم بالوسائل الفطرية في اجتماع القوم  على عبادتهم لما ياكلون وينحتون.

لقد أثبت لهم ابراهيم -ع- أن  الرب هو الذي فطر السماوات والأرض وهو الله سبحانه، وفي ذلك مقابلة تامة لمذهبهم في الربوبية والألوهية فإنهم يرون أن لهم إلها أو آلهة غير ما للسماوات والأرض من الإله أو الآلهة، وهم جميعا غير الله سبحانه ولا يرونه تعالى إلها لهم ولا لشيء من السماوات والأرض بل يعتقدون أنه إله الآلهة ورب الأرباب وفاطر الكل ، فقوله: ﴿بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهن﴾ رد لمذهبهم في الألوهية بجميع جهاته وإثبات أن لا إله إلا الله وهو التوحيد.

*يتبع.......*


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


السيد ابراهيم سرور العاملي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/05/13



كتابة تعليق لموضوع : وقفات مع القرآن الكريم-الحلقة الأولى-حول قصة نبي الله ابراهيم-ع- وتحطيمه الاصنام الشركية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net