الشهيد السعيد الشّيخُ عبد الحسين لازم ( أبو عليّ الحلفيّ)
مدرك الحسّون

لكلِّ عصرٍ عِطرٌ يَنتشرُ في سَمائِهِ فيبعثُ في نُفوسِ أهلِهِ رُوحَ الحَماسِ والتضحيةِ والفِداءِ، تستنشقُه كوكبةٌ خيَّرةٌ اختارها اللهُ، فتسمُو بِهِ وتَخلدُ، وتَبقى مَنارةً تُضيءُ الدّربَ لأهلِ ذلك الزَّمان؛ وهو عِطرٌ ليس كباقي العُطورِ، بَل هُو عِطرُ الحياةِ السّعيدةِ، وعطرُ عَصرِ الخُلودِ، وعِطرُ العِزَّةِ والإباءِ، وعِطرُ الشّهادةِ؛ هُو عِطرٌ جَعلَهُ اللهُ -حَصراً- لِمَنْ بَاعَ نَفسه للهِ، وفي الله، فقال تعالى: (إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ) ، فكانَ أجرُهم على اللهِ الجنَّةَ والخُلودَ في الدّنيا والآخرة، فقال: تعالى (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) .
وها هي اليوم قافلةُ الشّهداءِ تَلتحقُ بِركبِ شهداءِ كَربلاءِ العصرِ؛ لأنّ كربلاء ثورةٌ على الباطلِ والظلمِ والكفر والانحرافِ، فهي تَتجدّدُ في كُلِّ عَصرٍ، وفي كُلّ أرضٍ، ورِجالاتها هُمُ –أيضاً - أفضلُ الرّجالِ و خيرُهم، كما وصفهم أبو الأحرارِ وسيّدُ الشّهداءِ الإمامُ الحُسينِ (عليه السلام)، إذْ قال:« فإنّي لا أعلمُ أصحاباً أوفى ولا خيراً مِن أصحابي، ولا أهلَ بيتٍ أبرَّ ولا أوصلَ مِن أهلِ بيتي» ، وفِعلاً هُم كذلك؛ لأنَّهم دَخلوا مِن بَابٍ اختصّه اللهُ لهم، قال أميرُ المؤمنين (علية السلام) ((الجهادُ بابٌ مِن أبوابِ الجنّة فتحَهُ اللهُ لخاصّةِ أوليائِهِ (( ، فدخلته ثُلّةٌ مُؤمنةٌ صالحةٌ، فيهم الشّبابُ والشّيوخُ والأولياءُ والعلماءُ، الذين زادتهم الشّهادةُ شرفاً على شرفهم؛ لأنّ مِدادَهم ولِسانَهم الناطقَ هُو أفضلُ مِن دِماءِ الشُّهداءِ، كما ثَبتَ ذلك في المَأثورِ عن أهلِ بيتِ العصمةِ والطهارةِ (عليهم السلام) ، وفي طَليعةِ هؤلاءِ العُلماءِ المُجاهدينَ الذين كان لهم الدّورُ البارزُ والمشهودُ في عِدّةِ جبهاتٍ، وفي كثيرٍ من المُواجهات، هُو المُجاهدُ الشَّهيدُ السَّعيدُ الشَّيخ (عبد الحُسين لازم، أبو عليّ الحِلفيّ)،
ابنُ الأهوارِ وفارسُها الذي صالَ وجالَ في وقت النّظامِ المَقبورِ مع إخوانه المُجاهدينَ المُساندينَ له.
وُلِد الشّهيد عبد الحسين في عام (1384-1964م) في هور اصلين، وهي إحدى مقاطعات قضاء المدَيْنَة، فتنسّمَ هواءها وتغذَّى من طِيب نباتها وخيراتها، وورث عزّها وإباءها وشموخها، وأخذ الكثير مِن جميل طباعها وطبيعتها وصفاء أنهارها، فظَهَرَ على ملامحِهِ رونقُ صِفاتِها وحسنُ تلوّنِها، فحملَ همومَها وهمومَ أهلِها، وعايشهم، فكان حسَنَ السِّيرةِ بينهم، ووجهاً من الوجوه الاجتماعيّة المعروفة التي تُقصَدُ في حَلحَلة الخُصوماتِ والمُشكلاتِ، فإليه يرجع إخوتُه وبنو عمومته؛ لِما لمسوا مِنه من اللّياقة الكاملة لذلك الأمر، فضلاً عن كونِه رجلَ دينٍ يسعى جَاهداً قدرَ استطاعته وأقصى جُهدهِ في صَلاحِ ذاتِ البينِ وحلِّ المُشكلةِ مِن خلال تشخيصِه لها وإعطائهِ الحُلولَ اللَّازمةَ، مِن أجلِ عَدمِ الفُرقةِ وإراقةِ الدِّماءِ، وكانَ له في ذلك قِصصٌ كثيرةٌ .
سيرتُه العلميّة:
درس بدايات حياته الدّراسة الأكاديميّة في البصرة، ثُمَّ أكملَ الإعداديّةَ في مَدينةِ قُم المُقدّسةِ، ثُمَّ انخرطَ في صُفوفِ الحَوزةِ العِلميّةِ، فدرسَ عُلومَها حتَّى أصبحَ مِن أحدِ فُضلائها، حَضرَ دُروسَ البَحثِ الخَارجِ عِند أبرز أساتذتها، مثل آية الله الشيخ باقر الإيرواني، وآية الله الشيخ حسن الجواهريّ، وغيرهم من الأساتذة، كان له الدّورُ المشهودُ في مُواجهةِ بعضِ الفِتنِ والانحرافات العقائديّة التي تَطرأُ على المُجتمعِ مِن خِلال جَلساتٍ حِواريَّةٍ، ومناظراتٍ وآثارٍ عِلميَّةٍ، منها كتابُه المَطبوعُ (حَقُّ اليقينِ في معرفةِ الأئمّةِ المَهديّينَ).
كان الشَّهيدُ مِن السبّاقينَ إلى ميادين الجِهادِ، فقد شَهدتْ له الأهوارُ مِن قبلُ بالمواقف الكثيرة عندما هاجر إلى جُمهوريّة إيران الإسلاميّة، فقد قارع النِّظامَ الظالمَ سِنينَ طِوالَ قَضاها في العملِ الجِهاديّ التبليغيّ في الجَبهاتِ التي خاضها كافّة، فكان يُؤدّي عَملَهُ الجِهاديّ بِكُلِّ إخلاصٍ وأمانةٍ، عادّاً نفسه أباً أو أخاً لهم، فيُشاركهم في التدريب وحمل السّلاح، فقد كان مقاتلاً من الطرازِ الأوّلِ، فهو يُجيدُ فَنَّ القِتالِ على الأسلحة كافّة فضلاً عن كونِه رجلَ دينٍ.
ولمَّا سَقطَ طاغيةُ العصرِ كان الشَّهيدُ السَّعيدُ أوَّلَ المُبادرينَ والسَّابقينَ في الدُّخولِ إلى العِراقِ وأداء الرسالة الدينيّة التبليغيّة، فقد كان الشَّيخُ بارعاً في الخِطابة، وكان يَغلبُ على مِنبرِهِ الجَانبُ العقائديُّ والفلسفيُّ العلميُّ، قَرأَ في مَركزِ البصرةِ والعشَّارِ وأبي الخَصيبِ والتنّومةِ والقُرنةِ والمدَيْنَةِ، وأماكن أُخَر، ومِن خِلال ذلك استطاع أنْ يَستوعب مَحبّةَ أغلب مَناطق البصرة و معرفتهم، ويَشهدُ له بِذلك القاصي والداني.
وما أنْ سَمِعَ نِداءَ الحقِّ ونداءَ الإسلامِ (فتوى الجهاد) حتى سارع في الالتحاق بجبهات القِتال، فشارك في عِدّة معارك؛ في سامراء، وتكريت، وبلد، وجرف الصّخر(النّصر)، وكان له الدّورُ الكبيرُ والفعَّالُ في شَحذِ هِممِ المُجاهدينَ وحثِّهم على التضحيةِ، والثبات من أجل نُصرةِ الإسلام، وحِفظِ المُقدَّساتِ من دَنَسِ الدواعش الأنجاسِ، مِن خِلال مواعظه وخطابته، وتَشهدُ له أهازيجُه الحَماسيَّةُ التي كان يُلقيِها عليهم في سَاحاتِ المعارك، مِنها:
شدّينه الحزم وحلفنه با لعبّاس
نضحي عله العقيدة وما نطخ الرّاس
خل تجتمع ضدنه كلّ الناس
احنه العاهدنه المرجع وانموت برايه.

وله أيضاً:
اليريد يطبّل وايريد ام العلى يتحمّل اخطار
اليطــــــــب المعــــــركة حتماً تمسّه النــار
اليكـــــــــول آنه مِن رجـــــــال الضّيـــــــــم

خلــــــــــه يكــــــوم ياخــــــــذ ثــــــــار

احنه الثنينه عالحق وحنه انموت عليه

وله أيضاً:
مو ساعة خلاف اليوم ولا ساعة زمن وقته
وصلت للعظم تدرون كلمن يحكم بخّته
الباع الموصل لداعش لا هو من العراق اليوم ولا حافظ حدود اخته
الباع الموصل بالصد وعدنه حساب وياه

وما برح الشّهيد السّعيد يردّد أهازيجه الحماسيّة حتى وهو على فراش المرض، منها:
بعدنه بزود أوّل يوم وما بينه التعب والجل
بعدنه نشك صدراللّيل ومن عدنه الخصم ينذل
بعدنه اتفاك هاي الكاع وبيدينه الربط والحل
ويا يوم انريده انثني بيوم الكلفه.
وقولُه أيضاً:
بعدنه ما زعلنه وفرّعينه الراس وبعد ساعة صفرنه ما تدك أجراس
وبعد جم يوم ونشد راية العبّاس ومومنّه وبينه المايتكنطر عالحقّ.

فكانَ يتقدّمهم غيرَ مُكترثٍ بالأعداء حتَّى أُصيبَ في آخر مَعركةٍ له في جُرف الصخر بتاريخ (2014/10/26 م) بِرصاصةِ غَدرٍ أصابته في ظَهره، مَا أدَّتْ به أن يَبقى بَعيداً عن ساحة المعركة يُعالج المرض قُرابة الخمسة أشهر، حتَّى قضى بعدها شهيداً فقيداً بتاريخ(17 /3 /2015م)، فنال ما سَعى له وتَمنَّاه، حيثُ كان يُردِّدُ دائماً هذه الكلمات
(أنا لا أملك إلا دمي ولحمي (نفسي) وهي فداءٌ للوطن والمُقدّسات)، ففقدَتْه ساحة الوغى وصُفوفُ الأبطال، وفقدته البصرة، وفقده بالخصوص أحبّتُه وأصحابه وأهلُه وأولادُه الأطفال التِّسع، وفَقَدَهُ ذلك الطّفلُ الذي ببراءته وعاطفته افترش نعشَ أبيه الشَّهيدِ عِندما رُفع على أكتاف مُشيّعِيه.
فسلامٌ عليه حِينَ جاهَدَ وجُرح، وسلامٌ عليه حِينَ ارتفعتْ روحُهُ ولحقتْ بقافلةِ الشُّهداءِ، وسلامٌ عليه حِينَ حُملَ على الأكتاف، وسلامٌ عليه حين رَقَدَ في مثواه، ويومَ يُبعثُ حيّاً.


 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مدرك الحسّون

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/04/26



كتابة تعليق لموضوع : الشهيد السعيد الشّيخُ عبد الحسين لازم ( أبو عليّ الحلفيّ)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net