صفحة الكاتب : جمعة عبد الله

رواية ( فسحة للجنون ) جنون الارهاب وعسكرة المجتمع
جمعة عبد الله

هذه الرواية هي اخر اعمال الروائي ( سعد رحيم محمد ) الذي رحل عنا قبل ايام . الى رحمة الله الواسعة . ان رحيله المفاجئ , يعتبر خسارة كبيرة للادب الروائي العراقي والعربي .

ان منصات هذه الرواية ( فسحة للجنون ) تتناول طرق الجنون السريالي الغرائبي , الذي عصف بالواقع العراقي , وقاده الى تدمير الواقع والانسان , بفعل السلوك المجنون لسلطة النظام الفاشي . الذي فقد البصر والبصيرة , وعمل على تدمير المجتمع العراقي , وتحويله هش ومحطم بالخراب , الذي يدمر الحياة والجمال والحب , ويطفئ كل اشراقة حياتية في الافق , بأن يكون الواقع والانسان , مصابان بلوثة الجنون بأصنافه المتعددة بالغرائبية الفنتازية . منها جنون عسكرة الحياة . جنون زرع المخبر السري في كل مكان , في التجسس والتنصت والرصد والمراقبة , مما دلف الواقع الى اللامعقول الغرائبي , افراد العائلة تتجسس وتتنصت على بعضها البعض , الصديق يتنصت ويتجسس على صديقه وزميله . حتى الزوجة تتنصت وتتجسس على زوجها وحتى في الفراش , وكذلك الوزير على زميله الوزير , حتى اصبحت مقولة ( للحيطان آذان ) حالة حقيقية وواقعية , مرعبة ومفزعة تقلق حياة الانسان , حتى يخاف من احلامه , خوفاً من تسجيل فحوى حلمه , حتى صار يكتم الحلم , حتى من اقرب الناس اليه , خوفاً من الوشاية , ويكون ضحية اساليب البطش الارهابي والوحشي , في سبيل تدعيم سلطة قائد الضرورة الاوحد . ان خطبوط ويد النظام الفاشي , ممدودة ومزروعة في كل زاوية , لذلك تحولت الحياة عبارة عن اصناف من الجنون . الجنون في استخدام وسائل الارهاب التدميري , في بشاعته الوحشية . في العنف والارهاب . الجنون في الهروب من الواقع المدمر . الجنون في التمرد في الهروب من الواقع . الجنون في الحب والعشق . الجنون في معاداة الرأي السياسي الحر . ( انت مثقف . إذاً انت سياسي )وكل الويل اذا كنت غير منتمي الى حزب السلطة , فتعتبر متهم ومجرم وخائن للوطن والثورة والحزب القائد , فذلك ليس لك حق الحياة والعيش بسلام فيها . هذا الواقع السريالي , في زمن النظام الفاشي . ان تصبح الحياة تأكل ابناءها , اما في الموت في سراديب النظام المرعبة , او في اتون الحرب ومحرقته المشتعلة . مما جعلوا الحياة عبارة , عن انكسارات انهزامية في الخذلان والاحباط , في الانسحاق والتهميش المروع , في واقع رهيب لايرحم . بل واقع ارهابي ومتوحش متعطش للدماء والموت , واقع شرس بالرعب والخوف . هذه هي مجريات المتن الروائي , في كشف حجم الصراع السياسي والاجتماعي , التي تجسدت في ابداع متألق , في المنظور الروائي وفضاءه المترجم في المتن الروائي . لذا نتلمس بوضوح , بأن الاديب الروائي , تقمص مهنة احترافية في صنع وخلق الحكايات , من عمق الواقع وظواهره البارزة , واعادة صياغتها في اسلوب روائي , يملك تقنيات فنية في لغة السرد , السلس والسهل والمرن , بالتشويق المتلهف , في اسلوب دراماتيكي , في تتبع الاحداث بفعلها الدرامي , الذي تجسد في تراجيدية مأساوية , ولكنه لا يخلو من السخرية والانتقاد وحتى الضحك المبكي , لواقع حياتي مرير .

والمتن الروائي يواكب التحولات الدرامية في حياة الشخصية المحورية للرواية , الذي تدور عليه النوائب الزمن ( عامر ) . التي عصفت به تيارات غرائبية قلبت حياته الى الجنون والتمرد . ومزقت حياته ارباً اربا . هذا ( عامر ) الانسان الحالم الرومانسي , الذي يحلق بجناحي العشق والحلم , في اشراقاتهما العريضة , وهو الفنان والرسام والشاعر , والعاشق باحلامه الغرائبية في اشراقاتها المنورة . يجد نفسه في تراجيدية مأساوية , اوقعته صريعاً بالجراح التي لا تشفى ولاتصلح لتعافي , فقد انتزعت منه الحياة وانسانيته بالانتزاع الظالم , وجعلته حطب محطم , في الاستلاب والانتهاك والمسخ , في احداث دراماتيكية غرائبية لا يصدقها العقل . بسبب وشاية سخيفة , عولت عليها الاحهزة الامنية في الانتقام , وتدمير حياته كلياً . في ممارسة التعذيب باقسى اساليبها المرعبة والوحشية . حين وقع في قبضة الامن ( ماكنة التدمير للنظام ) . اثر وشاية وهو في حالة السكر , في جلسة صداقية في القسم الداخلي , وهو طالب في السنة الاخيرة وفي الايام الاخيرة الامتحانات , ليأخذ شهادة من كلية فنون الجملية . حيث عبر عن رأيه وهو يسمع اغاني ( أم كلثوم ) مع مجموعة من اصدقاءه الطلاب . ان يسمع صوته في آلة التسجيل ( المسجل ) في غرفة المحقق . الذي ادار شريط المسجل , ليعرف الجرم الذي وقع فيه . حيث سمع صوته يقول ( الفن الذي سيغير العالم , عن التخلف الذي نحن فيه , عن الحرية التي هي مسعى لكل البشر )ص106 . اعتبر هذا الرأي معادي للثورة والحزب والقائد , ويقع في حقل الخيانة للوطن . وتنهال عليه الضربات والصدمات الكهربائية , ويعامل بوحشية , بما فيها الاغتصاب الجنسي , ويتهم بالانتماء الى الحزب الشيوعي . يحاول ان يدافع عن نفسه , لكن الصاعقة الارهابية وقعت على رأسه , في حفلات التعذيب الوحشي والمرعب , ونزعوا سرواله ولباسه الداخلي , وهو في حالة رعب , فقال احد الجلادين .

( سيدي عضوي انتصب )

( يرد عليه المحقق ( نكه )

( نكه يا خلف )

( ارجوك سيدي , سأعترف بما تريد ) ص124

( ليس في صالحك العودة الى ....... أمك , سأدخلك فيه .... ما تبقى منك لن يتحمل ما سأفعله بك )

( أقتلني )

( هذا ما سأتجنبه لشهر كامل ... سأجري عليك تجارب , لاتعرفها حتى جمهورية المانيا الديموقراطية التي علمتني , قبل ان ادعك تلفظ اخر نفس . . سأطعمك لكلاب اجوعها أسبوعاً كاملاً )

( قل لي ماذا تريد , سأنفذه لك ؟ , هات اوراقاً ودون عليها كل جرائم الكون , من قابيل وهابيل وحتى يوم القيامة , لاوقع عليها , وانا الممنون ) ص149

هذه التوسلات والمحاولاته اليائسة في تجنب جحيم التعذيب المرعب الذي لا يطاق , بائت بالفشل , فنزعوا ثيابه واجلسوه على ( بطل سفن أب ) . ولم يكتفوا الى هذا الحد الهمجي , وانما حقنه بمصل الجنون , حتى يفقد العقل والذاكرة , وبعد سنة وثلاثة شهور , حين تيقنوا بأنه اصبح مجنوناً , ارسلوه الى مستشفى المجانين لفترة عدة شهور واطلقوا سراحه فيما بعد , هذه هي التراجيدية المأساوية , التي اصابت في منحرها وفي الصميم , هذا العاشق الرومانسي المجنح بشغاف الاحلام . حيث ارتبط ( عامر ) بعلاقة حب عشقية ملتهبة بالجنون الرومانسي زميلته ( نهلة ) الطالبة في كلية الادب قسم الاعلام . الذي راح يرسم لها الحلم الرومانسي الجميل في العشق المجنون , في مستقبل الاحلام الزاهية ( وما الضير ان اكون مجنوناً , اذا كان معنى الجنون هو ان نحاول صياغة العالم في ضوء احلامنا ) ص87 . فترد عليه حبيبته العاشقة ( نهلة ) ( اخاف عليك من احلامك ) ص94 . وفي بعض نصوصه الشعرية المدونة في دفتره ( أنتِ يانعة . أنتِ عشب , وانتِ بيت . انتِ دفء .. وانا تائه ) ص276 . هذا الواقع القاسي الذي ولج فيه . جعله يهرب من الواقع ويتمرد عليه , حيث بعد اطلاق سراحه من مستشفى المجانين , هرب الى البلدة الحدودية ( س ) . ليمارس طقوسه الجنونية المتمردة على الواقع , ليجدها فسحة لاراحة همومه وهواجسه العاصفة من التفكير المضني بالاهوال . ولكن من ناحية اخرى ايضاً يصاب النظام في حالة الجنون , من اجل تدعيم جنون قائد الضرورة , في شن الحرب ضد ايران , وان يعسكر الحياة الاجتماعية , لتكون محرقة لوقود الحرب المشتعلة . مما وقعت بلدة ( س ) الحدودية , تحت رحمة قصف الصواريخ . التي تتساقط على البيوت , مما حدى باهالي البلدة , الى الرحيل والهجرة الجماعية , بترك بيوتهم ومحلاتهم , إلا ( عامر ) الذي بدل اسمه الى ( حكمت ) واهالي البلدة يطلقون عليه أسم ( حكو ) فضل البقاء في اصرار عنيد . وظلت البلدة مهجور , سواء من ( عامر ) والكلاب والحمير والقطط , لانه يعتبر عملية التهجير الجماعية عملية انهزامية ( روحي بلاد . بلادي شمس , الشمس تمشي في الحرب , الشمس تعطس , ابحث عن بلادي . الحرب دخان ) ص275 . , هكذا وقع العراق في اتون عسكرة الحياة من اجل القائد الضرورة , ان يحول العراق الى سريالية للموت المجاني , في زمن الرعب الفاشي .

تحاول ( نهلة ) البحث عن حبيبها وعشيقها ( عامر ) ما عصف به الدهر والزمان , هل هو ميتاً ام حياً , وتعرف من صديقه الدكتور ( راسم ) , بأنه ( اطلقوا سراحه قبل الحرب بسنتين تقريبا )

( مستحيل .... إذاً لماذا لم يتصل بي ؟ )

( لانه بصراحة مؤلمة , خرج فاقد 90% من الذاكرة , وثلاثة ارباع عقله ) ص240

وتسافر الى بلدة ( س ) الحدودية التي يتواجد فيها ( عامر ) , بحجة اجراء تحقيق صحفي . وتصاب في الصدمة العنيفة , حين يمتثل بواقعه الغرائبي امامها , بالحالة المزرية والغريبة , بأنه ماتراه امامها , خارج المنطق والعقل , بالخراب الذي اصابه ( يا الله . ماذا فعلوا بك ؟ السفلة ) ص259 . ولم تفلح محاولاتها , باقناعه بالرجوع معها , واصلاح التلف والخراب . وتعود في خيبة حزينة , فقد رفض عرضها , واخر عبارة سمعتها منه ( ارجعي للبيت .... ارجعي ) ص276 .

وتعود وهي تدرك حجم الخراب في مختبر اجهزة الامن , الذي يعمل على تدمير وسحق البشر سحقاً , من اجل القائد المصاب بمرض جنون العظمة

×× رواية ( فسحة للجنون ) للروائي الراحل سعد محمد رحيم

×× الطبعة الاولى : عام 2018

×× اصدار : دار السطور للنشر والتوزيع . بغداد . العراق

×× 306 صفحة


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


جمعة عبد الله
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/04/20



كتابة تعليق لموضوع : رواية ( فسحة للجنون ) جنون الارهاب وعسكرة المجتمع
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net