صفحة الكاتب : علي حسين الخباز

قراءة انطباعية في مجموعة قصصية (أريج افكاري.. للقاص فلاح العيساوي)
علي حسين الخباز

  حرص المبدع فلاح العيساوي في قصصه القصيرة جداً أن يحتفظ بالبنى الدلالية، واستثمار طاقات السرد الحكائي، وتقنية الحبك الفني للمحافظة على الهوية المميزة لهذا النوع من الفعل الإبداعي، الذي يعني إمساك الذروة والاشتغال عليها بنسيج لغوي لمعالجة الفكرة، تنفتح على عناصر السرد التعبيري بحدث دلالي وبلاغة تكثيف واصطياد اللحظة الحرجة.

 ومن مميزات قصص هذا المبدع السير بعدة سبل فنية منها: احتواء قدسية المضمون؛ كونه يرتبط بوعي وميول ونزعات الروح منها قدسية الرمز المقدس، ففي قصة فرح السماء، وهي مأخوذة عن استشهاد الامام علي (عليه السلام)، والتركيز على جملته المشهورة: (اتركوهن فهن صوائح بعدها نوائح)/ ص44.
 فقد ارتكز على الإيحاء والتكثيف والابتعاد قليلاً عن المباشرة إلا في بعض قصصه القليلة؛ لكونه لا يسعى لتغريبية الحدث أو مراوغة المعنى لحد الغموض، بل يعمق الدلالة، مثلاً: (شاهد من بعيد شيئاً يلمع.. أسرع اليه وجده اصبع الإسلام المبتور) قصة أرض الطف/ ص45.
 ومن فرادة مسعاه أنه يختص بوضوح العنونة، فالعنوان عنده يكشف حيثيات السرد، وهذا بطبيعته سيمنح المتلقي متعة حدسية الاستقبال؛ لكونه هو عرف القصة لكنه لا يعرف ما سيقدمه القاص من سردية قد تفاجئ قارئها، وما تحققه أفعال التضاد: (تحلم أن تزفه الى جنة الزوجية × زفته الى جنان الخلود) من قصة أم القاسم (عليها السلام)/ ص55.
 والرموز المقدسة هي خلاصة حياة مليئة بالفعل المتحرك والجذب الشعوري، عن قصة الحسين الأولى/ ص75: (رفعوا رأسه فوق سنان الرماح، عانقت السماء قبته الذهبية).
 ويعمل أيضاً على تجسيد الفكرة، وشحن العواطف، وضخ دلالات المعنى، ففي قصص الواقعة نجد حيثيات جوهر الطف في قصة: (الميمون، الفطام، إحساس، الحسين عليه السلام الثانية، فداء، قهر، أبو الفضل، أبو الوفاء).
 ومالت بعض هذه القصص القصيرة الى الومضات، ففي قصة قهر نقرأ: (منعوه شرب الماء؛ فاض الفرات حزناً)، ونجده حاضراً في مواضيع أخرى منها سياسية ومنها عائلية اسرية ومنها وجدانية يقول في خاتمة احدى قصصه ذات الهم المعاصر: (فتراقص قلبي لها وللعراق، بعد ان غمسنا السبابة في حبر البنفسج)/ ص24، والضخ الشعوري في موضوع الشهادة ففي قصة العرض/ ص25 نقرأ: (اسرعت الى قبره حتى يحتفل بعودتي) تخطى حدود التقريرية الى وحدة الشعور ورموز الفكر؛ كونه عملا دلاليا، ففي قصة بنت الهدى/ ص27، وقصة دين داعر/37.
 ثورية الرمز النسوي تكرر عنه بيقينية الوعي: (بصقت بوجهه وصاحت:ـ كافرة وجدي نبي الإسلام؟، ويثير الموضوع في ذهنية متلقيه آثارا نفسية وجدانية في قصة عراقية ص45: (فرضوا عليها جهاد النكاح، فأضرمت النار في جسدها المقدس).
 أؤمن بأن لكل منجز منهجيته الخاصة به؛ كونه مدرسة قائمة بذاتها، رغم الالتزام بمنهجية التجنيس، أجد هذا المبدع يستخدم صريح التسمية (العنونة) وأحياناً تصريح الفعل، لكن هذا التصريح لم يكن كل الموضوع، فاستباحة حرمة الدار لها أثر تاريخي ولها مرتكزات تاريخية دلالية ومؤولات تشغل لفكرة أساسية.
 وأعتقد ان الرمزية قد تكون مضمرة لفعل مؤول لأحداث أخرى، تتوضح الفكرة في قصة ضجيج/ ص51: (تعالت الأصوات/ لا أبصر سوى الدخان ونقع الاتربة، قبل دقائق كان دوي الانفجار هائلاً، بالكاد أرى اشباح الأشياء مبعثرة، كالمجنون ابحث عنهم، يقفون امامي يضحكون.. والرجال يجمعون أجسادنا المتناثرة)، لنحلل ما قرأناه، فهو يحمل الكثير من البؤر الفنية الغائصة في أعماق الشعور، فالعالم مفتوح بين المشهد السماعي: (تعالت الأصوات)، وبين المشهد المرئي: (لا أبصر سوى الدخان) والفعل الماضوي قبل دقائق، وبين دوي الانفجار، وبين البحث للراوي الذي تبين انه هو ضحية المشهد: (يقفون امامي يضحكون)، من الذي يقف امامه ولِمَ لا يقف خلف الحدث؟ ولماذا الضحك وما يعني يضحكون، وهم يجمعون اجسادنا المتناثرة..؟ وكيف تحول الراوي الى ضحية..؟
 حيز كبير لرمزية الحسي، وإدراك الواقع بمعطياته وعلاقاته، وقد أعاد الحدث بعدما طوره في قصة عرب/ ص56: (الموت يقف امامهم ضاحكاً)، وهو يقف امام قدسية هذه المشاعر تكون المفاهيم التي تدل على النضج الفكري والمعنى الإنساني وفي جمل مضغوطة تقدر على خلق الفعل الادراكي: 
(:ـ ابي لم ترتدِ نظارتك؟
:ـ لأن لا شيء يستحق ان اراه) قصة حبيب/ ص34.
والكثير مثل هذه المفارقات، فهو تعامل مع الموت بمفردة فرح: (هو الذي أقيمت له الكثير من الأماسي في الاتحاد فرح في زيارتهم الأخيرة/ فرح بقراءتهم سورة الفاتحة). أستطيع أن أقول: إن تلك القصص المبدعة قادرة على التجلي في إثارة الكثير من المواضيع التي تخلق في نفوس الآخرين حالات تأملية واعية، فيصبح القلم ايقاظاً شعورياً له خصوبة الفعل الإبداعي، تمثل جوهر الحياة، فتكون ممتعة للمتلقي والمتابعة والمشاركة ولذة فكر في القراءة.. مجموعة أريج أفكاري للكاتب فلاح العيساوي.. منحتنا عبق المتعة والوعي.  


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي حسين الخباز
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/04/18



كتابة تعليق لموضوع : قراءة انطباعية في مجموعة قصصية (أريج افكاري.. للقاص فلاح العيساوي)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net