صفحة الكاتب : ادريس هاني

الإعلام المهني وإعلام النصب والاحتيال
ادريس هاني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 إنه علم الموانع وليس علم الوسائط، فبين الجمهور والحقيقة تكمن حكاية أخرى، وهي حتما ليست الوسائط بل الموانع التي لا تسمح بمرور تيار الحقيقة كما هو..تذرّعت وسائل الإعلام في البداية بوصفها فعل ثوري لانتزاع المعلومة في المجتمع وإيصالها للجمهور، مع أنّ الغالب على هذا الفعل هو المصالح الرأسمالية القادرة على احتكار الوسائط وبلوغ المعلومة ثم تحريفها قبل أن تصل إلى الجمهور..بل أحيانا يتم تحريفها قبل أن تصل إليها الصحافة..الصحافة التي في معضمها أصبحت تعتمد الصحافة نفسها في عملية تدوير الخبر واجتراره..في الغالب تعمل الصحافة على الابتزاز بالخبر وليس إيصال الخبر..فالتواصل هنا لا يخدم الحقيقة بل يخدم الصفقات..الصحفي في مثل هذه البيئة الفاسدة هو الأقدر على تدوير الصفقات..وإذن أصبح من الضروري أن يتم تفكيك هذا الفساد الإعلامي والقبض على شيفرته من خلال سلوك الصحافي وسياسة تحرير الخبر..لسنا أمام وسيلة إخبار بل أمام وسيلة هيمنة..فالوظيفة المانعة تكمن في أنّ ما كان يدعى وسائط يسعى عبر قواعد تدبير الخبر اليوم إلى توزيع الأدوار، بينما التأويل يخضع لسياسة غالبا يجهلها المستخدمون، وذلك بعد ان تحوّل الإعلام إلى مقاولة ليندمج في لعبة الوظيفة ورقم الأعمال ودفتر التحملاّت وتنفيذ القرارات، يجري ما يجري عليه في سائر القطاعات الأخرى..وإذا كان ذلك هو وضع القطاعات الأخرى فالإعلام لا يتحمّل الفساد لأنّه خطاب، وتواصل، وآثاره سريعة الضرر..استطاع الإعلام القضاء على كل الطرق الطبيعية لإيصال الخبر، ولم يعد سوى هذه الصناعة التي توهم المتلقّي بأنها مؤمّنة على وصول الخبر..نعم يصل الخبر ولكن لا تصل الحقيقة..تتجلى المشكلة في التحليل السياسي كما يقوم به المحلل السياسي الذي تفرضه وسائل الإعلام على الجمهور بوصفه مصدر الحقيقة، أحيانا من دون وجهة نظر أخرى لتوحي للمشاهد بأنّ ثمة إجماع حول الحقيقة، وتارة بافتعال جدل فارغ يؤدي وظيفة اليأس من الحقيقة رأسا..المستهدف هو الجمهور الذي يراد منه إمّا أنّ يتلقّى خبر زائفا أو ييأس من الحقيقة، بينما تستمر الصناعة الإعلامية بوسائلها الضخمة وهي القطاع الأكثر ربحا اليوم في مجال الخدمات.. وفي ظلّ هذه الفوضى تنبت على هامش هذه الصناعة طفيليات تمارس الصحافة ولكن بمنطق الابتزاز والمافيا..نوع من الصحافة ممقوت من قبل محترفي الإعلام القلائل الذين يهمّهم تحرير الخبر إبلاغا له وتحريره أي فكّ الأسر عنه لينطلق باتجاه المتلقي من دون تعسّف الموانع(=الوسائط المزيفة للخبر)..كانت قبل فترة تسمى بالصحافة الصفراء..غالبا ما يكون لهؤلاء أكثر من دور، فبينما الصحافي منهك في استطلاع الحقيقة وتقصّي الخبر بقيم مهنية مسؤولة تجد معظم أوقات الصحفي/الزّائف مستغرقة في الصفقات والسمسرة..ماذا بقي له لكي يتعاطى مع الخبر؟..هذه الظاهرة التي تفتك بمهنة الصحافة حين تجد البعض يختبئ خلف منشور لا يتمتع بأي قيمة إعلامية أو فنية ليزاول فعل السمسرة والابتزاز داخل المجتمع..وتصبح المشكلة أكبر حينما يصبح الصحافي غير المهني مرجعية لأجيال تستنبت من داخل الدرس الإعلامي، مما يوفر شهادة زور في حقّ الصحافة الصفراء وجنودها..في المجتمعات المتخلفة تكثر هذه الظاهرة التي تعمل على تهديد السلامة المجتمعية لأنّ الابتزاز والسمسرة حين تقترن بالإعلام تصبح وسيلة من وسائل الإرهاب والجريمة المنظمة والتخريب..يخضع الإعلام ككل القطاعات الأخرى إلى سلطة الأخلاق المهنية، حيث الإعلامي المهني هو إعلامي مسؤول يعرف حدوده ويدرك الغاية من وظيفته..بل إنّ الإعلامي الناجح يجب ان يتمّ التّحرّي عن سيرته الذهنية بحيث وتماما كما يجري في مجالات الأمن والعسكرية فإنّ الإعلامي المهني لا يمكن أن يكون ذا سابقة في الميول الأيديولوجية، فإذا كان كذلك فله الحق أن يعبر عن نفسه ولكن لا يكون واسطة في التواصل وتحرير الخبر..وبما أنّ هذا الشرط مثالي جدّا ولكنه هو المخرج الطبيعي والجذري من هذه الآفة، فعلى الأقل أن يتم التحري عن ماضي الصحفي الذهني لمعرفة ميوله ووضعها في ذات الوسيلة الإعلامية كتعريف بالصحفيين لكي يكونوا تحت رقابة المتلقّي نفسه..هذا الحلّ الثاني عمليّ جدّا..فهناك صحفيون لهم سوابق في الانتماء للإخوان أو السلفية أو أي تيار متطرّف في نظرته للعالم والأشياء ولكنه حين يخترق اللعبة الإعلامية يحاول أن يصفّي الحسابات إعلاميا مع ما لم يستطع أن يصفي معه الحساب خارج لعبة الإعلام وذلك بعد أن يغيّر "اللّوك" ويخترق راموز مفاهيم المثقفين في عملية اختراق وتدليس وتحايل على المتلقّي..وكثيرة هي الأخبار المنتقاة أو النصوص المحررة يصعب فهم أبعادها حين لا نعرف الدوافع العميقة والقديمة التي تحرك بعض الصحفيين، لكن مع وجود هذه المعرفة سيكون المتلقي واعيا بالأبعاد مهما حاول الصحفي الإلتفاف واللعب بالألفاظ..إنّ المقترح الذي نضعه للصحافة الحقيقية التي تجتهد في إطار من الموضوعية هو أن تضع تعريفا بصحفييها وماضي انتماءاتهم العقدية والتنظيمية، وأن تمارس في حقهم هم أولا صحافة التحقيق لنعرف أوضاعهم الاجتماعية والنفسية والبيئية والتنظيمية والعقدية والتضاريسية..فقبل أن تمتهن حرفة التحليل علينا أن نحللك أنت أولا..وقبل أن تقوم بمهنة التحقيق، لنحقق معك أنت أولا..وقبل أن تحكم على الناس علينا أن نحكم عليك أنت أوّلا..فداخل الجسم الإعلامي توجد حالات مختلفة من المرض والجريمة والأحقاد والعمالة والابتزاز والمافيوزية وآخرا المهنية، لذلك فهو قطاع مريض، وبالفعل فاقد الشيء لا يعطيه..ودائما تبقى مسؤولية المهنية فردية ومتعلقة بضمير الفرد، ولا يحتاج ان يذكّر بها لأنها تظهر في آثاره.. لهذا نكون قد انتصرنا للموضوعية ولحرمة المتلقّي وقوّضنا العبثية الإعلامية التي تقدم نفسها بلغة المهنية وقضينا على المافيا والابتزاز والصحافة الصفراء..وهذا كله جزء من الدفاع عن كرامة المواطن..


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ادريس هاني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/04/06



كتابة تعليق لموضوع : الإعلام المهني وإعلام النصب والاحتيال
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net