صفحة الكاتب : علي حسين الخباز

قراءة انطباعية في كتاب...  (دماءٌ تروي الإنسانية)
علي حسين الخباز


 مهمة كتابة التاريخ مهمة صعبة، وخاصة تلك التي تخصّ الواقعة الحسينية؛ لكونها تحتاج الى إحاطة شاملة لمعرفتها كنتاج إبداعي فكري تضحوي، لابد من استلهام أثره الحي ودراسته دراسة تحليلية، والوقوف عند أهمّ جوانبه وحيثياته ومكوّناته وأسسه، والبحث في سبل انعكاساته التأثيرية، ورؤى وأفكار تجسّد لنا خصوصية هذه التجربة الإنسانية، فجاء في مقدمة كتاب (دماءٌ تروي الانسانية)، وهو من إعداد الكاتبة (آيات حسون)، ومن (إصدار العتبة العباسية المقدسة - شعبة إذاعة الكفيل).
 الرواء هنا تعبير إنزياحي يعكس لنا شعورية الظمأ الحسيني، ويبذر الأرض بثمر العز والعدل والسلام، وقد ورد فيها أن الفعل التضحوي الحسيني لا يُقاس مع سائر الأفعال النهضوية الأُخَر. وتطرق البحث في حلقته الأولى عن وصايا معاوية بن سفيان لابنه يزيد(لعنهم الله)، وأرى أن الوصية قد حُرّف معناها عبر القرون، حتى بات أمرها يحتاج الى يقظة تأملية تستعرض حرفيات الوصية، وكشف ألاعيب التفسير الأموي، فالوصية كانت عبارة عن تحذير يزيد من ثلاث شخصيات هم: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، والحسين بن علي.
 ونجد أن المعالجة المقترحة وضعت خصوصية كل شخصية على حدة، فعبد الله بن عمر هش لايمكن له الوقوف أمام السلطة وقفة الند ما دامت له مصالح خاصة؛ وشخصية عبد الله بن الزبير لابد أن تُرد بقسوة؛ لكونها تمتلك طموحات سياسية غير مسندة بشرعية. أما الحسين بن علي فله خصوصية في هذه الوصية حسبما وردت في نصها الذي لايمكن الاعتماد عليه، بما احتوت من تناقضات، حيث يقول معاوية لابنه عن شخصية الحسين(ع): (فقد عرفت حظه من رسول الله(ص) وهو من لحمه ومن دمه، وقد علمت لا محالة أن أهل العراق سيخرجونه إليهم ثم يخذلونه ويضيعونه، فإن ظفرت به فاعرف حقه ومنزلته من رسول الله(ص)، ولا تؤاخذه بفعله، ومع ذلك فأن لنا به خلطة ورحماء، وإياك أن تناله بسوء، أو يرى منك مكروها..).
 فلابد لنا من الحذر في التعامل مع هكذا بؤر هندمتها السياسة، ولابد من توضيح المعنى القصدي للتحذير الذي لم يأتِ اعترافاً بالمكانة الحسينية وهيبة الإمامة والنبوة، لكنه أدرج كتحذير سياسي يوضح خطورة جماهيرية الحسين(ع)، وتخمين أن الأمة ستنهض ثائرة لدمه، أي أن التحذير جاء برؤيا محترف سياسة يخشى على سلطة الوريث، ولو كان فعلاً يهيب القدسية لما قاتل الإمام الحسن(ع)، ولعرف مكانته من رسول الله(ص)؟!
 والقراءة هي ولادة ثانية للنص التاريخي، لا من حيث تغيير وقعه الخارجي بل سعياً للوصول لاستبطاناته الداخلية، بعيداً عن التداول الاستنساخي.. والتشخيص الثاني الذي يفسر منحى آخر من مناحي الوصية رؤية معاوية للنهضة الحسينية كمفهوم استفزازي، يحمل نفس الرؤيا الوهابية اليوم للقضية الحسينية بأن الكوفة هي التي أخرجت الحسين(ع) وخذلته؛ فالحسين(ع) بهذا المنطوق كان قد خدع وتطاول على حق غيره، ولكي نصل الى قراءة فكرية تليق بعظمة الموضوع، نجد أن الرواية أساساً صدرت عن محمد بن عمر البغدادي نقلاً عن مجموعة من النساء، مريسة بنت موسى بن يونس بن ابي إسحق، عن صفية الهمداني، عن بهجة بنت الحارث بن عبد الله الثعلبي.. وهذا يعني أن الرواية غير مسندة، لكنها منقولة عبر أمالي الصدوق.. وكل هذه القصديات المبطنة تأويلياً لابد لنا أن نتداركها بالبحث والتأمل.
جاء في وصية معاوية لابنه يزيد عن شخصية الحسين(ع): (فقد عرفت حظه من رسول الله(ص) وهو من لحمه ومن دمه، وقد علمت لا محالة أن أهل العراق سيخرجونه إليهم ثم يخذلونه ويضيعونه، فإن ظفرت به فاعرف حقه ومنزلته من رسول الله(ص)، ولا تؤاخذه بفعله، ومع ذلك فأن لنا به خلطة ورحماء، وإياك أن تناله بسوء، أو يرى منك مكروها..). هذه القصة تظهر أن معاوية وكأنه عالم بالغيب، وقدم معجزة عبارة عن نبوءة؛ لأنه عرف أن الحسين(ع) سيأتي الى الكوفة، ويخذل من قبل تبعته مما جعله يقول: إن أهل العراق سيخرجونه إليهم ثم يخذلونه ويضيعونه، وهو قد حدد السبب حصراً بأهل العراق وإخراجه، لتصغير حجم القضية الحسينية ونهضتها، وكأنها لا تمتلك جذراً رسالياً من خلال نبوءة الرسول(ص) ولا جذراً إمامياً من خلال نبوءة المولى أمير المؤمنين(ع)، ولا تمتلك العلاقة الواضحة بالكثير من الدلائل الاستباقية للواقعة.. وهذا يأخذنا الى عدم الرضوخ للتقييم مع وجود الضخ الدعائي الذي يركز على الخلطة والرحم (وهذه دعاية أموية).
وقد حاولت الكاتبة أن تستحضر التأريخ من أجل توضيح ما ورد عبر مصادره التاريخية، التي تفند وصية معاوية والوقوف عند خصوصيات الطف الحسيني، بما تمتلك من خوارق ومعجزات وكرامات، مثلما ذكرت في(ص9) أن إحدى عمّاته بكت وقالت: (اشهد يا حسين لقد سمعت الجن ناحت بنوحك وهم يقولون:
 (فان قتيل الطف من آل هاشم * أذلّ رقاباً من قريش فذلّت 
 حبيب رسول الله لم يك فاحشاً * أبانت مصيبتك الأنوف وجلت)
ويذكر الإمام(ع) أيضاً أن الحسين(ع) (قد اخفضت له الأرض ليري ام سلمة مضجعه الشريف)، فيتوهج التأريخ بغيبيات تكشف عن مديات الرؤى التي قد آزرها إيمان وجداني يدعم الكثير من العوالم الغيبية التي آمن بها الإنسان المسلم، بسماتها الواقعية كمسائل مدركة لجوهر الواقع الطفي إذ جاء في (ص17): (ولما سار أبو عبد الله الحسين بن علي(ع) من مكة ليدخل المدينة لقيته أفواج من الملائكة المسومين ليخبروه بأن الله (عزَّ وجل) أمده بهم فقال لهم: هي كربلاء.. 
 ومثل هذه الكتابة تجمع القيمة التاريخية مع المؤثر الشعوري لترسيخ النص شعورياً، وخلق عوالم تأثيرية مع وجود القيمة التنويرية المحفزة للدور المعرفي، من خلال استحضار الرؤيا كمنطلق من منطلقات النهضة التي رفض الحسين(ع) الكشف عنها؛ لتبقى ضمن مكونات الوعي، فلنقرأ ما جاء في (ص20): (فقالا له: ما تلك الرؤيا؟، فقال الحسين(ع): ما حدثت بها وما أنا محدث بها حتى ألقى ربي).
 حاولت الكاتبة معايشة الحدث بتفاصيله مع استحكام الجوهر الغيبي، هذا الجوهر المسند بروايات المعصومين(ع)، والتي تصوغ لنا الواقعة ذهنياً.. في ص(51) روي عن مولانا الصادق (ع) أنه قال: (أنزل الله تعالى النصر حتى رفرف على رأس الحسين(ع)، ثم خُيِّر فاختار لقاء الله. (كتاب اللهوف ص433).
ومن المؤكد أن الواقع المهم من وراء نقل هذه الغيبيات الى الناس هو ربط هذا الواقع الحسيني بالواقع الرسالي الإلهي، وهذا سر تفرد النهضة الحسينية بالكثير من الخوارق، سر هذا التفوق المبدئي، بعيداً عن خشية الاتهام بالغلو كما يدعون، فهذا التوجه لابد أن يوثق للأجيال فهناك ظواهر كثيرة، مثل: عجيج السماوات والأرض، وصراخ الدم والتراب الأحمر، وبكاء الطير والوحش والسماوات والأرض ومن عليها، والملائكة.. يقول الإمام الصادق (ع): (لما قُتل الحسين(ع) سمع أهلنا بالمدينة قائلاً يقول: اليوم نزل البلاء على هذه الأمة، فلا يرون فرحاً حتى يقوم قائمكم...)، وله قول آخر يقول: (لما ضُربَ الحسين بن علي نادى مناد من قبل رب العزة تبارك وتعالى من بطنان العرش فقال: ألا أيتها الأمة المتحيزة الظالمة بعد نبيها، لاوفقكم الله لأضحى ولا فطر)، وقد سعى المنجز الى ترسيخ المفاهيم الإيمانية، ونشر الثقافة الروحية للنهضة الحسينية المباركة. 


 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي حسين الخباز
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/03/31



كتابة تعليق لموضوع : قراءة انطباعية في كتاب...  (دماءٌ تروي الإنسانية)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net