صفحة الكاتب : عمار مجتبى الموسوي

الامام الهادي والنصراني دروس وعبر
عمار مجتبى الموسوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

عن هبة الله بن أبي منصور الموصلي ، قال : كان بديار ربيعة كاتب لنا نصراني وكان من أهل كفر توثا يسمى يوسف بن يعقوب وكان بينه وبين والدي صداقة . قال : فوافى ونزل عند والدي فقال : ما شأنك قدمت في هذا الوقت ؟ قال : قد دعيت إلى حضرة المتوكل ، ولا أدري ما يراد مني إلا أني قد اشتريت نفسي من الله تعالى بمائة دينار قد حملتها لعلي بن محمد بن الرضا عليهم السلام معي ، فقال له والدي : وفقت في هذا .
قال : وخرج إلى حضرة المتوكل وانصرف إلينا بعد أيام قلائل فرحا " مستبشرا " ، فقال له أبي : حدثني بحديثك .
قال : سرت إلى سر من رأى وما دخلتها قط ، فنزلت في دار وقلت : يجب أن أوصل المائة دينار إلى أبي الحسن بن الرضا عليه السلام قبل مصيري إلى باب المتوكل ، وقبل أن يعرف أحد قدومي . قال : فعرفت أن المتوكل قد منعه من الركوب ، وأنه ملازم لداره ، فقلت : كيف أصنع ؟ رجل نصراني يسأل عن دار ابن الرضا لا ، آمن أن ينذر بي فيكون ذلك زيادة فيما أحاذره . قال : فتفكرت ساعة في ذلك ، فوقع في قلبي أن أركب حماري وأخرج من البلد ، ولا أمنعه من حيث يريد ، لعلي أقف على معرفة داره من غير أن أسأل أحدا "  قال : فجعلت الدراهم في كاغدة وجعلتها في كمي ، وركبت فكان الحمار يخرق الشوارع والأسواق يمر حيث يشاء ، إلى أن صرت إلى باب دار ، فوقف الحمار فجهدت أن يزول فلم يزل ، فقلت للغلام : سل لمن هذه الدار ؟ فقيل : هذه دار ابن الرضا عليه السلام فقلت : الله أكبر ، دلالة والله مقنعة . قال : فإذا خادم أسود قد خرج فقال : أنت يوسف بن يعقوب ؟ قلت : نعم . قال : إنزل ، فنزلت ، فأقعدني في الدهليز ، ودخل ، فقلت في نفسي : وهذه دلالة أخرى ، من أين يعرف هذا الخادم اسمي وليس في هذا البلد أحد يعرفني ولا دخلته قط ؟ ! قال : فخرج الخادم وقال : المائة دينار التي في كمك في الكاغذ هاتها . فناولته إياها وقلت : هذه ثالثة ، ثم رجع إلى وقال : ادخل ، فدخلت إليه وهو في مجلسه وحده ، فقال : " يا يوسف ، أما بان لك ؟ فقلت : يا مولاي ، قد بان من البراهين ما فيه كفاية لمن اكتفى . فقال : هيهات هيهات ، أما انك لا تسلم ولكن سيسلم ولدك فلان ، وهو من شيعتنا ، يا يوسف ، إن أقواما يزعمون أن ولا يتنا لا تنفع أمثالك ، كذبوا والله ، إنها لتنفع أمثالك ، امض فيما وافيت فإنك سترى ما تحب " .
قال : فمضيت إلى باب المتوكل فقلت كلما أردت وانصرفت قال هبة الله : فلقيت ابنه بعد هذا وهو مسلم حسن التشيع ، فأخبرني أن أباه مات على النصرانية ، وأنه أسلم بعد موت والده ، وكان يقول : أنا بشارة مولاي عليه السلام  .

يستفاد من هذه الرواية أمور : 
الأول : ظلم المتوكل وشدة بطشه بالناس إلى درجة أن هذا الرجل النصراني يستخدم كل الطرق في سبيل نجاة نفسه وهذا واضح جلي لمن طالع ولو بشكل عابر حياة المتوكل الحافلة بالقسوة والإبادة والإقصاء وسفك الدماء وارتكاب الموبقات...
ثانيا : معروفية مقام الإمام الهادي عليه السلام وكون التوسل به الكبريت الأحمر حتى عند النصارى إلى درجة أن هذا النصراني ينذر ١٠٠ دينار ويسلمها للامام قبل قضاء حاجته حيث قال (..أحب أن أوصل المائة الدينار إلى ابن الرضا عليه السلام قبل مصيري إلى باب المتوكل..) وفي ذلك دلالة على تمام ثقته بالإمام الهادي صلوات الله وسلامه عليه.
ثالثا : سُبلُ الوصول لحجة الله تعالى مشرعة ويسيرة لمن طلبها ويكون الله هو الهادي والمرشد وهداية الله عامة شاملة في بعض مراتبها وأقسامها للجميع بحيث إن الله تعالى يسّر للنصراني سبيل لقاء الإمام مع عدم معرفته لشخص الإمام ومكان سكنه وطريق لقائه  (..ففكرت ساعة في ذلك، فوقع في قلبي أن أركب حماري وأخرج في البلد، ولا أمنعه من حيث يذهب، لعلي أقف على معرفة داره من غير أن أسأل أحدا...فكان الحمار يخترق الشوارع والأسواق يمر حيث يشاء إلى أن صرت إلى باب دار، فوقف الحمار، فجهدت أن يزول فلم يزل(.
رابعا : علم الإمام الهادي عليه السلام بالغيب بما علمه الله تعالى وذلك يستفاد من معرفة إسم الرجل النصراني ومقدار المبلغ ومكانه وإخبار الإمام بعدم إيمانه وأنه سيولد له ولد يكون شيعيا وقد وقع ما أخبر به الإمام صلوات الله وسلامه عليه و اخباره بأن حاجته ستقضى إلى غير ذلك من الدلائل .
خامسا : ان ولاية أهل البيت عليهم السلام تنفع الجميع -حتى النصارى- فهم رحمة الله الواسعة (..إن أقواما يزعمون أن ولايتنا لا تنفع أمثالكم كذبوا..) نعم المنفعة مختلفة قد تكون مادية وقد تكون معنوية و...
فإن هذا الرجل النصراني انتفع بالإمام الهادي عليه السلام في توسله به وقضاء حاجته ولعله ببركة احترامه للامام رزق بولد شيعي ويالها من منفعة عظمى 
 وهذه النقطة تحتاج الى مزيد من الحديث لا يسعها هذا المختصر .

سادسا : ان نعمة الهداية بيد الله تعالى يمن على العبد بها متى ما حقق المقدمات وبما أن هذا الرجل النصراني لم يكن مؤهلا لتلك النعمة    لم يوفق لها حيث قامت عليه الحجة وتمت البراهين بما لايترك مجالا للشك حيث قال :(..قد بان لي من البرهان ما فيه كفاية لمن اكتفى..)لكنه لم يعمل على وفقها .
سابعا : ضرورة التعايش السلمي مع كافة المذاهب والأديان فإن الرجل محل الكلام نصراني لكنه حظى برعاية الإمام وعطفه وقد عايشه الإمام بما يعكس له خلق النبوة والإمام ولايعني التعايش مع الغير الانصهار معهم والتنازل عن المبادئ لاجلهم بقدر ما يعني جر مودة الناس لآل محمد عليهم السلام .

والحمد لله رب العالمين 

كتبه العبد المقصر عمار السيد مجتبى آل سيد يوشع في النجف الأشرف حامداً مصلياً مستغفراً ليلة شهادة الإمام الهادي ٣رجب الأصب١٤٣٩

.....................

1-   الثاقب في المناقب ص553 ، للفقيه عماد الدين أبي جعفر محمد بن علي الطوسي المعروف بابن حمزة من أعلام القرن السادس. الخرائج والجرائح للفقيه المحدث والمفسر الكبير قطب الدين الراوندي المتوفي سنة 573 هجرية . وعنه فرج المهموم في تاريخ علماء النجوم ص234

2- للسيد رضي الدين أبي القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن طاووس الحسني الحسيني المتوفى 664 .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عمار مجتبى الموسوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/03/23



كتابة تعليق لموضوع : الامام الهادي والنصراني دروس وعبر
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net