صفحة الكاتب : رسول مهدي الحلو

رسالة الكلام..
رسول مهدي الحلو

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 

ليس بمقدور الكلام سواءً كان منطوقاً أو مكتوباً مهما كانت بلاغته وفصاحته وقوة تأثيره إن يأتي بما يفترض، وكل من اعتقد بذلك فهو واهم،
فتجارب الحياة و سيّر التأريخ ادلة قاطعة بهذا الخصوص، 
من هذا المنطلق تزداد قناعتنا بأن الكتابة في ما يخص نقد السلبيات من الظواهر السياسية والإجتماعية او غيرها قد 
لا تأتي بأي ثمار أو ربما تأتي بما هو دون المستوى المطلوب، 
يتصور البعض إن ضعف التأثير في المقابل يعود الى اسباب تتعلق بشخص المتكلم سواءً كان خطيباً او شاعراً او بشخص الكاتب اياً كانت كتابته تقريرية او ادبية، والحال إن هذا التصور يخالف المنظور التأريخي والتجارب المعاصرة للمصلحين والقادة واصحاب الكلمة والقلم مخالفةً واضحة وصريحة، 
إن المتتبع لمسيرة الأمم السالفة من خلال التأريخ او القصص القرآني يجد إن الإنبياء (ع) قد بذلوا قصارى جهودهم وأستنفذوا جل وقتهم الطويل في تبليغ أممهم وحرصوا كل الحرص على نصحهم وارشادهم ولم يقتصر الامر على التبليغ من خلال الكلام ( مورد البحث) فقط وأنما تعزز ذلك بالاستجابة إلى مطالب اقوامهم بالمعجزات وخرق العادات لكي يطمئن أولئك الى صدق أصحاب الرسالات، وهم بهذا ( اي الإنبياء ) لم يتركوا اية حجة يمكن إن تُحسب لصالح جهة المُنذَرين ، كما إن جهودهم ومعاناتهم كانت تحت عناية ورعاية الوحي ولم تسفر على طول الخط وعرضه إلا عن نزول عذاب الاستئصال والابادة لتلك الأمم البائدة ورب قائل يقول أن ضعف الاستجابة لدعوات الإنبياء كان مبنياً على دعوة التوحيد وهي قضية تتعلق بمسيس ما ألِفته وتوارثته الأمم من معتقدات وطقوس وعبادات ، فالجواب إن اغلب دعوات الإنبياء وإن كان جوهرها التوحيد إلا انها لم تقتصر عليه بل تعرضت الى المظاهر الخاطئة التي كانت تمارس من قبل تلك الأمم وبنظرة سريعة الى القصص القراني نجد هذه المسألة واضحة جدا في قصص بعض الإنبياء (ع ) كنبي الله لوط ( ع ) إذ يقول الله (تعالى) في سورة الشعراء على لسان نبيه الآنف الذكر، الآيات (( أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ(١٦٥) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم ۚ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ (١٦٦) قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ ))،
وكذلك فيما يخص نبي الله شعيب (ع) قال تعالى في سورة هود الآية ٨٥ (( وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ))،
من خلال ذلك يتضح لنا إن الكلام مع الإنذار والاعذار قد لايحقق اية غاية بل إن هناك الرفض والتحدي كما هو معلوم من نتائج القصص التي مرت علينا. 
وهناك مصداق أوضح يحمله القرآن الكريم ايضاً الذي نزل بلغة العرب متحدياً لهم إن يأتوا ولو بسورة واحدة من مثله وهم الفصحاء البلغاء ولم يتمكنوا من ذلك! يؤيد ما أشرنا اليه سلفاً بأن الفصاحة والبلاغة وقوة التأثير قد لا تأتي بما يفترض وهو قول الله (تعالى) في سورة الحشر الآية ٢١ (( لَوْ أَنزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۚ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ )).
وهذا بالتأكيد ما هو مشخّص وواضح بأن كلام الله ( تبارك وتعالى) رغم ما يحمله من قوة تأثير وفصاحة وبلاغة وبيان وسحر وحلاوة وطلاوة وكثير من الصفات التي اقرها المشركون قبل غيرهم ولكن لم تتصدع له القلوب كما يتصدع له الجبل لو أُنزل عليه،
إن مسألة عدم التأثر والاستجابة لم تنحصر على دعوات الإنبياء فحسب بل تعرض الكثير من المصلحين والثائرين من أجل المبادىء الإنسانية في مختلف بقاع الأرض قديماً وحديثاً الى مواقف الرفض والتخاذل من قبل أممهم وبالتالي تعثر الإصلاح وفشل الثورة في المنظور المادي الآني وبالرغم من ذلك لم تتوقف الثورات وحركات الإصلاح بل استمرت الإجيال تحمل مشاعلها جيلاً بعد جيل، 
من هنا يتبين لنا إنه ليس بالضرورة اصابة الهدف في كل رمية بل حتى لو لم يصب ولو برمية واحدة فلا يكون ذلك حاجزاً عن الاستمرار بمواصلة رسالة الكلام والكتابة والنقد كما في حالة الإنبياء والمصلحين إذ لم يمنعهم عدم الاستجابة من الاستمرار في تأدية رسالاتهم على اكمل وجه .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


رسول مهدي الحلو
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/03/09



كتابة تعليق لموضوع : رسالة الكلام..
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net