صفحة الكاتب : د . صادق السامرائي

الإعمار والإكدار!!
د . صادق السامرائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

الإعمار وإعادة الإعمار بهلوانية عربية سمجة تكررت في الواقع العربي منذ تأسيس دوله , ولازالت إسطوانتها تدور وحبائلها تجور في دوائر مفرغة من الأباطيل , التي تنطلي على الأجيال المتعاقبة وهي تضرس من الحرمان , وأصحاب الكراسي متخمون ببطونهم وأرصدتهم وما إستحوذوا عليه من ممتلكات الناس.

 

فلا يوجد إعمار في مشرق بلاد العرب , إلا في بعض دول مغربها العربي , وفي دول الخليج التي ربما ستؤخذ إلى ميادين الخراب والدمار الذاتي والموضوعي.

 

فلو تناسينا القرن العشرين وتأملنا ما جرى منذ بدايات القرن الحادي والعشرين , لتبين أن الخراب كرؤية وسياسة وسلوك هو السائد , أما البناء والإعمار فهو الغائب ولا يكون إلا وسيلة للنهب وسرقة الأموال , ولو بحثنا سنجد المئات بل الآلاف من المشاريع الإعمارية في بعض البلدان العربية , التي من المفروض تنفيذها وصرفت أموالها لكنها لم ترَ الحياة ولم يعرفها الناس , وعندما تتساءل عنها تتوافد إليك الأعذار والتبريرات والتسويفات والفتاوى والأحاديث والآيات , وما يمكن إستحضاره من مهارات التضليل والخداع والتغفيل.

 

فالسلوك السائد أن الواقع العربي يعيش في مضطربات وأعاصير إنقلابية بمسميات متنوعة ومتعددة , وهدفها الأول الذي تشترك فيه جميعا أنها تخرّب وتدمّر وتهجّر وتحيل الأرض إلى يباب , فكل مَن يأتي يمحق ما بناه سابقه ثم ينادي بإعادة الإعمار , وأكثرهم يختلقون حالات ومبررات تستدعي الدمار والخراب والنيل من الحياة والزرع والبشر.

 

وجميعهم ينادي بإعادة الإعمار والإعمار , وكأنها لعبة سياسية مهينة تهدف لمزيد من الدمار والسرقات والإستحواذات , وما رأت الأجيال تعميرا ولا عرفت سوى أن مدنها تتخرب وديارها تتدمر , وكل مدينة قد تحولت إلى ركام , ولايزال المدمرون والمخربون ينادون بالإعمار.

 

ولو نظرنا إلى مدن المجتمعات الأخرى لوجدنا أنها تمضي في مسيرات الإعمار المتراكم المتواصل عبر الأجيال بتكاتف الجهود وتفاعلها , فكل جيل يساهم بجهده وأفكاره وإرادته بالبناء , ولهذا فهي مدن جميلة زاهية متباهية بكيانها العمراني والبستاني.

 

وعندنا الأجيال متناطحة تسعى للفتك ببعضها والنيل من وجودها , فهذا يبني وهذا يخرب , ومدننا عبارة عن كينونات ورقية تتبدل معالمها وفقا للإنقلابات والمتغيرات السياسية الخالية من الحس الوطني والغيرة الوطنية والجاهلة لقيمة العمارة وخصائص المدينة , وتتمتع بأمية تأريخية وثقافية وحضارية مروعة , ومسكونة بالأضاليل والأحقاد والإنتقامية والأباطيل اللاهوتية والعقائدية , التي تعادي الحياة والجمال وتدعو إلى الموت والقهر والجور والظلم والفساد.

 

فالعمران لا تحققه أموال الدنيا بأجمعها إن لم تتوفر النفوس والعقول والإرادات الوطنية المخلصة الغيورة الحريصة على البلد والمواطن , والتي تمتلك ذوقا حضاريا وحسا إنسانيا وثقافة ذات معاني وقيم سامية مؤزرة بأخلاقيات حياة وبناء وإرتقاء وإيمان بمستقبل أفضل.

 

والعمران تنجزه الإرادة الواثقة بنفسها المؤمنة بشعبها وبقدراته على العمران والبناء.

 

فهل هناك مَن يؤمن حقا بالعمران والحياة الوطنية الحرة الكريمة المعاصرة , أم أنها ألفاظ وخطب جوفاء , فالإناء ينضح ما فيه , وما حوله يُبديه , وما يبدو رؤية خراب ومنظور فساد ومنطوق دمار وإحتراب وثقافة إنتهاب , فعن أي إعمار يتحدث المتحدثون؟!!

 

فعمّروا النفوس بالفضائل والخيرات والأمان ,  لكي يبدو ما حولها عامرا بالبنيان!!


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . صادق السامرائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/03/01



كتابة تعليق لموضوع : الإعمار والإكدار!!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net