صفحة الكاتب : محمد رضا عباس

الإصلاح السياسي يبدئ من الفرد
محمد رضا عباس

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 كان هناك مستوى معقول من الاحترام لموظف الدولة في العراق في سنوات الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي . المواطن كان يحترم الشرطي حتى وان كان هذا الشرطي يتبضع في سوق المدينة , وكان طالب الابتدائية و المتوسطة يحترم و يخشى معلمه داخل المدرسة ويتجنبه خارج المدرسة , وكان طبيب المستشفى هو الشخصية المهمة في المدينة ,يحترمه كل من يمر من جانبه , وكانت الفتاة تخرج من مدرستها او تذهب الى السوق وهي مطمئنة من الاعتداءات وتحرشات الصبيان , وكان رجل الدين ينظر له وكانه ملك من ملائكة الله الصالحين حيث تنشق صفوف الماشين من جانبيه و يتراكض الناس لألقاء التحية عليه وكسب بركة دعاءه.

نعرف ان حروب صدام العبثية مع الجارة ايران والكويت ومع الاكراد في شمال العراق , ومن ثم المقاطعة الاقتصادية العالمية ضد العراق قد اثرت سلبا على الثقافة العراقية , حيث اضطر طلاب المدارس , وبسبب الحالة الاقتصادية , ترك المقاعد المدرسية, اضطرار رب العائلة بيع اثاث بيته من اجل توفير لقمة العيش, زيادة حالات السرقة والسطو على الدور السكنية, انتشار الرشاوى في دوائر الدولة , و انهيار كامل للخدمات الحكومية . هدف المواطن العراقي الكبير اصبح في هذه الفترة الزمنية الحفاظ على حياته وحياة افراد عائلته بكل الوسائل المتاحة له , القانونية والغير قانونية.

التغيير السياسي لم يصاحبه تغيير للحالات الاجتماعية السالبة التي ورثها العراق من قبل التغيير . النظام الجديد اعطى الحرية للمواطن باختيار قادته من خلال صناديق الاقتراع, اعطى الحرية الكاملة للأعلام, إيقاف اعتداءات القوى الأمنية على المواطنين , وإصدار قوانين كثيرة تحمي حقوق المواطن سواء من الافراد او من الدولة . ولكن , بكل أسف نقول ان المظاهر سلبية  قد كثرت و بدأت تستفحل وسط المجتمع العراقي مما تؤدي الى التفتت المجتمعي و تعطيل التنمية الاقتصادية . لقد اصبحنا نسمع ونقرأ ان ذوي المريض اصبحوا يعتدون بالضرب على الطبيب , حتى وان كان هذا الطبيب مدير المستشفى , واصبح المعلم يخاف ممن طلابه وعشائرهم حتى وان كان طلابه غير منضبطين في صفوفهم او في ساحة المدرسة خلال الفرصة , واصبحنا نسمع ونقرأ عن اعتداءات متكررة على الشرطة وهم حماة القانون , ووصل الحال ببعضهم ان يمثل بهم في وسط أسواق المدن , واصبحنا نسمع ان لاعب كرة قدم فرض نفسه على فريقه بتهديد من عشيرته , واصبحنا نقرأ عن معارك بين أبناء العشائر تستخدم فيها الأسلحة المتوسطة والخفيفة , واصبحنا نسمع تهديدات لرجال دين ( او محسوبين على رجال الدين) يتوعدون بعض الساسة بالقتل وعلى الهواء الطلق وكأنهم اشقياء معممين .

ان شيوع هذه الفوضى العارمة لها تبعات خطيرة على النسيج الاجتماعي العراقي وعلى مستقبل التنمية الاقتصادية في البلاد , بل حتى على مستقبل العراق كوطن .لان الطالب الذي لا يحترم معلمه سوف لن يحترم افراد عائلته , جيرانه, وعدم احترام قوانين الدولة . الطالب الذي لا يحترم استاذه ولا يسمع الى نصائحه سوف لن يكون مواطن صالح ولا يفيد دولته. والمواطن الذي يعتدي على طبيبه سوف يجبر هذه الشريحة المهمة في المجتمع العراقي الهروب الى خارج البلد وبذلك سوف يخسر الوطن مرتين , الأولى خسارة ما صرفت عليه الدولة من أموال منذ دخوله الابتدائية حتى تخرجه من جامعته والثانية خسارة البلد من خدماته وهو طبيب . وان الفتاة التي لا تستطيع الخروج الى السوق لقضاء حاجاتها سوف يخلق حالة غير طبيعة في المجتمع العراقي المعروف بانفتاحه واحترامه للمرأة . وان رجل الدين وهو يطلق عبارات التهديد بالقتل وبالرصاص بدلا من ترتيل الآيات القرآنية سوف يخلق مجتمع متوتر لا يقبل بالتعددية السياسية والثقافية . كيف نتوقع من مواطن عادي ان يحترم القانون , ورجل الدين والذي يعتبر رمز السلام و المحبة يلوح باستخدام الرصاص لمجرد تصريح  خرج من فم شخص بكل عفوية . والله انه لألم ان يحشر اسم المجاهدين في قضية لا تستحق الذكر على الاطلاق . ولا ادري هل اصبحت وظيفة المجاهدين الجديدة قتل الناس على الشبهة تماما كما كان يفعل ازلام النظام السابق بمعرضيه ؟

ان هذه الآفات الاجتماعية والتجاوزات على القانون و المتكررة لا تستطع أي دولة في العالم القضاء عليها بدون دعم المواطن لها . المواطن الذي ينشد التغيير والاستقرار الأمني والسياسي وبلد ينمو اقتصاديا يجب ان يكون السباق في محاربة هذه الآفات الاجتماعية . التغيير يبدئ من البيت , من الام والأب المسؤولان عن تربية أولادهم تربية صالحة , وتبدء من المدرسة بتعليم طلابها ليس فقط الحساب والقواعد العربية وانما على حب الوطن واحترام قوانين الدولة وعدم العبث بممتلكات الدولة . وظيفة المسجد وامامه يجب ان تتركز على نشر مفاهيم الحب والسماحة وقبول الاخر وتجنب التشهير وتكفير الاخرين . وعلى المرجعيات الدينية عدم قبول طلابها الا بعد التأكد من صلاحهم والتزامهم بالدين والشريعة واحترام الاخرين وقوانين الدولة . نعم , ان من وظيفة الدولة هي حفظ النظام و تطبيق القوانين , ولكن لا توجد دولة في العالم تستطيع تحقيق السلام والاستقرار الأمني وبنفس الوقت البناء و الاعمار بدون تعاون المواطن معها . احترام المواطن للأخرين ولقوانين الدولة يرفع عن كاهلها متاعب توفير قوى امنية أضافيه , يزيد من ثقة المواطن بالنظام والقانون , ممارسة المواطن حقه بالسير في شوارع مدينته بكل اطمئنان , و ازدهار الاعمال بكل أنواعها .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد رضا عباس
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/02/26



كتابة تعليق لموضوع : الإصلاح السياسي يبدئ من الفرد
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net