صفحة الكاتب : د . صادق السامرائي

وطن تشيّده السواعد..!!
د . صادق السامرائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

الأوطان تشيدها السواعد والهمم والأفكار , والتصورات الحضارية الواعدة المتطلعة لغدٍ أفضل وآفاق مشرقة للأجيال المتوافدة إلى نهر الحياة الفياض , المتدفق بأمواج العطاءات وتيارات الإبداعات الإنسانية الأصيلة.

 

الأوطان لا تشيدها الشعارات الفضفاضة , والخطابات الفارغة , والأحزاب المتهالكة على الكرسي والسلطة والقوة والظلم الخلاق الفتاك الذي ترمي بتبعيته على الآخر , وهي تضع على رؤوس قادتها تيجان "هو"!!

 

في مدينتنا كان مكتوبا في أعلى واجهة مدرسة إبتدائية للبنات وباللون الأبيض بيت شعر يقول" وطن تشيده الجماجم والدم...تتهدم الدنيا ولا يتهدم" , وقد حفظناه وما فهمنا فحواه , ومع الأيام عرفنا مَن قائله , ومغزاه , وفي واقع السلوك البشري أن الجماجم والدم لا تبني أوطانا بل تخربها وتمزقها , فهل رأيتم بناءً مشيدا بالجماجم والدم؟!!

 

وبرغم الرؤية السطحية للبيت الشعري وتفسيره بطريقة كونكريتية , فأن مذهبه الدمار والخراب , بأي الوسائل والإقترابات حاولت قراءته , ومن الأصح أن يكون " وطن تشيّده الجماجم والدم ...تتقدم الدنيا ولا يتقدم" , وهذا ما أكدته الأيام بويلاتها وصراعاتها وخسائرها العدوانية الفادحة.

 

فما يدور في الواقع العربي برمته يشير إلى لغة الجماجم والدم , وكأن الدنيا بلا أوطان , وأن العرب فقط ولوحدهم أصحاب أوطان , وأن عليهم أن يسفكوا الدماء ويدحرجوا الجماجم , وما بنوا أوطانهم ولا أشادوا ما هو فخر وعز لهم , بل دارت عليهم دوائر السوء والبهتان والضلال , فخرّبت عمرانهم وهجّرت إنسانهم ومزّقت لحمة وجودهم العزيز , حتى صاروا فرقا وجماعات وفئات وأحزاب ومذاهب وكينونات تقاتل بعضها وتحسب ذلك نصرا , بل أن بعضها صار من طقوس عبادتها أن تقتل العربي وتذيقه الويلات.

 

أي أن العقلية لا تزال مقيدة بالجماجم والدم ومتعبّدة بمحرابهما , وما تأملت العقل وإستثمرت بالأفكار وشمرت السواعد ونادت حي على البناء , وحي على خير العمل الكفيل برفعة الوطن وسعادة المواطن.

 

وهذا مأزق حضاري مروّع سقطت فيه المجتمعات العربية على مدى عقود ولا تزال في قاعه , الذي تساهم بتعميقه أنظمتها الجمجمية الدموية القاسية التفاعلات والمنفذة للمصالح والأجندات , ولا يمكن الخروج من نفق المهالك والتداعيات , إلا بتغيير معنى ومفهوم الوطن والوطنية , وما هو السلوك الوطني المعاصر , وما معنى الوطنية والمواطنة الصالحة.

 

إنها ثوابت وسلوكيات يقوم بها الأفراد وتتحقق نتائجها في الأمة والشعب , وبها تتجسد صورة الحياة الممثلة لأي مجتمع يسعى بإرادته فوق التراب.

 

فهل سنبني أوطاننا بالسواعد والعقول , ونتحرر من قيضة الجماجم والدم؟!!


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . صادق السامرائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/01/25



كتابة تعليق لموضوع : وطن تشيّده السواعد..!!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net