صفحة الكاتب : علي بدوان

اللغة العربية في المهداف الإسرائيلي
علي بدوان

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

بدأ الكنيست الإسرائيلي دورة أعماله الجديدة، وعلى جدول اهتماماته مشروع القرار المتعلق بإلغاء مكانة اللغة العربية كلغة رسمية ثانية لدولة إسرائيل، وهي اللغة الأم لأعداد كبيرة من اليهود الشرقيين (السفارديم) الذين ينحدرون من أصول عربية، من يهود العراق وسوريا واليمن والمغرب، كما هي اللغة الأم لأكثر من 22% من سكان إسرائيل هم المواطنون العرب الفلسطينيون من أبناء الوطن الأصليين، الذين بقوا على أرض فلسطين بعيد عام النكبة 1948.
ومن المعلوم أن حوالي 94,3% من المواطنين العرب الفلسطينيين داخل حدود العام 1948، يجيدون اللغة العبرية بحكم كونها لغة الجهات والهيئات والمعاملات الرسمية داخل الكيان الصهيوني، بينما 38% من اليهود فقط، يجيدون اللغة العربية، ومعظمهم من اليهود العرب.
وبالطبع، فإن مشروع القرار إياه، يحمل ويضمر في طياته النوازع الحقيقية للعنصرية الإسرائيلية الصهيونية، التي بدأت تفصح عن نفسها هذه المرة بطريقة غير تقليدية، عبر استصدار قرارات عالية المعنى وعلى مستوى "الكنيست"، في محاربة الشعب الفلسطيني، ومحاربة ثقافته الوطنية والقومية وعلى رأسها لغته العربية، وفي محاولة للحد من تناقلها بين أجيال الشعب الواحد.
إن مشروع القرار المتعلق بإلغاء كون اللغة العربية لغة رسمية ثانية في الدولة العبرية إلى جانب اللغة الإنجليزية، بادر في طرحه الجنرال آفي ديختر، رجل الأمن المحترف المعروف في إسرائيل، والمنتمي لحزب كاديما الإسرائيلي (إلى الأمام)، في محاولة منه ومعه مجموعة من زبدة المتطرفين، لتكريس "الهوية العبرية اليهودية لإسرائيل" باعتبارها وطن ما يسمى "الشعب اليهودي"، وفق الميثولوجيا التوراتية وخرافة أرض الميعاد.
والمعروف أن مشروع القانون هذا بات يطلق عليه الآن مسمى "قانون ديختر"، حيث يسعى بقوة إلى إلغاء اللغة العربية كلغة رسمية في إسرائيل. وقد وقع على مشروع هذا القرار ثلث إجمالي أعضاء "الكنيست/ البرلمان الإسرائيلي"، ومن بينهم معظم نواب حزب كاديما المعارض.
وكانت "ليمور ليفنات" وزيرة الرياضة والشباب الحالية، قد اقترحت مشروع القرار ذاته قبل عامين، زمن حكومة إيهود أولمرت التي كانت أيضاً عضوة فيها، وهو ما اعتبره في حينها النواب العرب في الكنيست مبادرة خطيرة، تستهدف مكانتهم وبقاءهم وثقافتهم ومستقبلهم الوطني والقومي على أرض وطنهم التاريخي.
وعلى سبيل التوضيح الإضافي، فإن مكانة اللغة العربية في فلسطين قد تحددت بموجب المادة 82 من دستور حكومة فلسطين لسنة 1922، إبان الانتداب البريطاني، والذي ينص على أن جميع القوانين والأنظمة والأوامر الرسمية للحكومة والأنظمة المحلية للبلديات في المنطقة، التي تصدر عن المندوب السامي، يجب أن تنشر بالعربية والإنجليزية، إلا أن الضغط المتزايد من الحركة الصهيونية ومن حكومة الانتداب، دفع لإضافة اللغة العبرية، ليصبح استعمال اللغات الثلاث المشار إليها، إلا أن اللغة الأم والأساسية (الأولى) كانت على الدوام هي اللغة العربية في عموم فلسطين، إلى حين استطاعت بريطانيا تنفيذ وعودها للحركة الصهيونية بقيام الكيان الصهيوني، على أنقاض الكيان الوطني والقومي للشعب العربي الفلسطيني، حيث أصبحت اللغة العربية هي اللغة الثانية. ومنذ ذاك الوقت لا تعترف "حكومات إسرائيل المتتالية" بالعرب كمجموعة قومية، بل كفئات دينية مختلفة، كالمسلمين والمسيحيين والبدو والشركس والتركمان، أما الدروز فلا يندرجون، في نظر إسرائيل، تحت لواء العروبة.
إن إسرائيل وحكوماتها المتعاقبة، كانت تعمل على الدوام، وفي سياق سياسة "الأسرلة" لمن تبقى من الشعب العربي الفلسطيني داخل حدود العام 1948، على محاصرة الثقافة واللغة العربية، عبر تحجيم استعمالها والمداولات بها في الوزارات الحكومية والشركات العامة وفي المحاكم، باعتبارها "لغة الأعداء" وليست لغة أكثر من 22% من المواطنين.
فالأسرلة تعني في حقيقتها تهويد الإنسان والمكان، وتكريس معنى وعبارة "أرض إسرائيل"، بينما يتم تغييب فلسطين والعروبة والعرب والثقافة واللغة العربية، في سياق محاولات بتر الانتماء القومي والحضاري والديني للشعب الفلسطيني داخل إسرائيل، وإحداث تخريب متعمد وضرب لهوية الناشئة من أجيال العرب هناك. فـ"إسرائيل من دون اللغة العربية" حلم يسعى لتحقيقه الصهاينة، وخاصة العنصريين منهم.
إن تلك الفكرة بإلغاء اللغة العربية كلغة رسمية، نابعة في الأساس من الأيديولوجية الصهيونية العنصرية الإحلالية، التي اصطبغ بها مسار الدولة العبرية وفلسفتها، وتثبت أن إسرائيل هي دولة اجتازت مرحلة العنصرية بوجهها المعلن، لتتحول إلى عهد أنظمة "الابارتهايد" والعزل العنصري، على طريق التحول للدولة الفاشية بكل مضامينها.
ومن جانب أخر، فإن مشاريع القوانين العنصرية التي يجري سكبها وصبها على جدول أعمال الكنيست الإسرائيلي، تعتبر استثمارا جيدا من قبل مختلف الأحزاب الإسرائيلية لتحشيد قوى اليمين من خلفها، ولاستجلاب قطاعات تأييد من قبل المستوطنين في المناطق المحتلة عام 1967، في الضفة الغربية ومنطقة القدس الكبرى، حيث سيخرج الجنرال "آفي ديختر" متباهياً حال نجاح تمرير مشروع قراره بتصفية العربية أمام قوى اليمين وقطاعاته ورعاعه من غلاة المستوطنين، باعتباره قد حقق إنجازاً كبيراً، مثله في ذلك مثل لاعب البورصة والقمار.
إن إسرائيل تمعن في قتل اللغة والثقافة العربية، بغية ضرب هوية الأجيال الناشئة ومنع تواصلها مع ثقافتها الأم، ودفعها نحو تبني الرواية الصهيونية أو التوراتية في نهاية المطاف.
ومع ذلك، فإن الشعب الفلسطيني داخل حدود العام 1948، سيبقى شعباً عربياً أصيلاً، متمسكاً بلغته وثقافته الأم، وقد أنجب من داخل الوطن المحتل ثلاثة من عمالقة الأدب والشعر والثقافة العربية المعاصرة، من الذين وصلوا إلى مرتبة العالمية، وهم الراحل محمود درويش، وسميح القاسم، والراحل توفيق زيّاد.
أخيراً، إن محاولات إسرائيل وبرلمانها في الاعتداء على اللغة والثقافة العربية والمس بها، لن تنجح. ولكن في المقابل، على الجامعة العربية وعلى الجهات الرسمية في عالمنا العربي، ضرورة الالتفات لما يجري داخل فلسطين المحتلة عام 1948 في حق ما تبقى من الشعب الفلسطيني هناك، مع ضرورة العمل على إنشاء "مجمع للغة العربية" داخل فلسطين 1948، في القدس أو حيفا أو يافا أو عكا أو اللد. أسوة بمجمعات اللغة العربية الكبرى في دمشق والقاهرة وبغداد وغيرها من مدن دنيا العروبة، حيث يمكن إعادة إحياء مجمع اللغة العربية في مدينة القدس، وهو المجمع الذي كان موجوداً هناك منذ العهد العثماني في فلسطين، وقد تمت محاصرته بعد النكبة واحتلال القدس بجزئيها الشرقي (عام 1967) والغربي (عام 1948).

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي بدوان
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/11/15



كتابة تعليق لموضوع : اللغة العربية في المهداف الإسرائيلي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net