نظرة تحليلية للمظاهرات الايرانية وتداعياتها المحتملة.  
مهدي بحر العلوم

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

تعيد المظاهرات الحالية التي تشهدها ايران الذاكرة بالاحتجاجات التي اعقبت الانتخابات الايرانية السابقة والتي فاز بها احمدي نجاد بدورة ثانية وتداعياتها حيث اشتهرت بالاحتجاجات الخضراء و عرفت في الادبيات الداخلية للنظام الايراني بفتنة ٨٨. تختلف هذه المظاهرات عن تلك السابقة في انها محدودة الانتشار وانها خرجت اساسا ضد الوضع الاقتصادي المتدهور، وشكلها العام والشعارات والدوافع الاساسية تخص الاوضاع المعيشية والكساد الذي يعيشه البازار والقطاع الاقتصادي، وبالتالي هي ليست سياسية بالمقام الاول وهذا على الرغم من وجود شعارات ذو طابع قومي مناهض للسياسة التصديرية للجمهورية الاسلامية الايرانية في المنطقة و تمس النظام والمرشد الاعلى. وعليه يمكن اعتبار المظاهرات بانها ليست ضد النظام انما ضد اداء الحكومة ووعودها الاقتصادية بالاخص الوعود التي اعقبت توقيع حكومة روحاني على الاتفاق النووي مع الغرب، وكذلك التي اطلقها روحاني عند انتخابه لدورة ثانية.

من المؤكد انه لا يمكن وضع حد او حاجز منيع بين كل من الحكومة والنظام حيث يرتبط الاثنان معا بنيويا و وظيفيا، ويمكن ان تنقلب او تستغل او تتوسع هذه المظاهرات بشكل سريع وتتحول الى مظاهرات صاخبة ضد النظام. في هذا السياق، اصدر الحرس الثوري بيانا شديد اللهجة يوم امس بمناسبة الذكرى السنوية لفتنة ٨٨، حيث اشار بشكل مبطن الى احداث اليوم على انها فتنة جديدة ومعقدة بشكل اكبر. ولكن على ضوء الاحداث المتعاقبة وديناميات الصراع السياسي الداخلي في ايران، اعتقد ان التيار المحافظ بشكل عام لا يمانع بالسماح لهذه المظاهرات بالاستمرار لفترة زمنية (بشرط ان تكون مراقبة و ان يكون النظام مستعدا بالتدخل في حالة ضربها للخطوط الحمراء وهذا ما مهد له خطاب السپاه يوم امس)، ويعود الدافع وراء هذا السماح لانها تفسح المجال لهم اي التيار المحافظ لشن حملة قوية على الحكومة واظهارها بمظهر العاجزة وغير ناجحة وتقوض بريقها ونجاحاتها الدولية (الاتفاق النووي) والداخلية (فوزها الكاسح في الانتخابات الاخيرة ووعودها الاصلاحية). 

اعتقد ان مستقبل هذه المظاهرات ينتهي اما الى ان تخفت شيئا فشيئا، حيث تدعم هذا السيناريو اسباب متعددة منها: اولا، لانها لا تمتلك القيادة او على الاقل لا توجد هناك محركات سياسية ظاهرة يمكن ان تعطي لها الزخم السياسي الواجب اعطاءه لكل حراك شعبي في حال اريد له النجاح، وثانيا لا يمكن ان يتبناها بشكل كبير الخط المعتدل ويدعمها سياسيا لانه سيضرب بها الحكومة التي يسيطر عليها حاليا. او في سيناريو اخر يمكن ان تستمر هذه المظاهرات وتتوسع و تاخذ شكلا مناهظا للنظام و لكن بالنهاية سيتم تفريقها و قمعها بالقوة. في كلتا الحالتين سيستثمر التيار المحافظ تداعيات هذه المظاهرة و يحولها سياسيا لتقويض حكومة روحاني و تضعيفها و ضمان تقزيم زخمها الداخلي والدولي. من جهة اخرى سوف لن تقف حكومة روحاني او الخط السياسي الداعم لها مكتوف الايدي امام الخط الاخر و سيستغل هذه المظاهرات للضغط للحصول على صلاحيات اكثر من النظام و قدرة وصول اكبر الى موارد الدولة. على العموم اعتقد الى حد بعيد ان هذه المظاهرات ستنتهي في كلتا الحالتين عاجلا او اجلا و سيتحول استثمارها وتداعياتها من على الارض الى ميدان السياسة، حيث يتنافس بها الخطين السياسيين. يبقى السؤل في هذا الاطار الى اي مدى يمكن لهذه المظاهرات وتداعياتها ان تغير من مساحة النفوذ السياسية و موارد وصلاحيات كل خط في خارطة القوى السياسية بالجمهورية الاسلامية الايرانية. 

اما بشان المواقف الدولية فستضيف هذه المظاهرات و تداعياتها المتوقعة بعدا اخرا للانقسام الحاصل حول كيفية التعامل مع ايران و الذي ازداد عمقا على ضوء سياسات الادارة الامريكية الجديدة وحلفائها من المحيط الاقليمي والدولي و تباينها مع سياسات الاتحاد الاوروبي اضافة الى كل من الصين وروسيا. حيث ستسعى المجموعة الاولى الى استثمار المظاهرات و بالتحديد في حالة السيناريو الثاني اي تطورها و قمعها الى شرعنة الاتجاه المتخذ من قبلها حاليا اتجاه ايران، و تحاول توسيع نطاق الانتقادات و الافعال التي تحد من النفوذ الايراني في المنطقة، اضافة الى اعطاء مقبولية وشرعية لعدم تجديد الرئيس الامريكي للاتفاق النووي حيث وضع مصيره تحت رحمة القرارات والمساومات في المجلس التشريعي الامريكي و عارضه بقوة باقي اعضاء مجلس الامن الدولي. ومن جانب اخر سيجد الاتحاد الاوروبي نفسه في معرض ضغوط سياسية و اعلامية تتمحور حول حقوق الانسان والحريات الدستورية والقانونية للمتظاهرين وهذا لدفعها بان تتماشى مع سياسات المجموعة التي يقودها الرئيس الامريكي ترمب، حيث ستؤدي الى ان يضيق الخناق اكثر على حكومة الرئيس روحاني داخليا وخارجيا ويوفر فرصة اكبر للخط المحافظ في الداخل الايراني. في هذا الاطار يبقى السؤال الى اي مدى ستتمكن المجموعة الثانية اي الاتحاد الاوروبي وروسيا والصين الى حماية الاتفاق النووي وعدم السماح بفرض عقوبات او افعال يمكن ان تخرق بنود هذا الاتفاق، وتحافظ على قدر معين من الزخم الدولي والمساندة لحكومة الرئيس الايراني.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مهدي بحر العلوم

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/12/30



كتابة تعليق لموضوع : نظرة تحليلية للمظاهرات الايرانية وتداعياتها المحتملة.  
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net