صفحة الكاتب : خالد محمد الجنابي

عيد الغدير ، عيد الولاية والموالاة
خالد محمد الجنابي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
عيد الغدير ، هو عيد الوحدة الإسلامية وهو عيد الانتماء لآل البيت عليهم السلام وهو اليوم الذي يتساوى فيه الغني والفقير والرفيع والوضيع ويتصافح الجميع وتمحى فيه الفوارق الطبقية ، وهو معاني الافتخار لنا كمسلمين لأنه يحمل عبق الولاية الحيدرية التي نشرت عبيرها و شذاها إلى أرجاء الكون ليجتذب كل القلوب المتعطشة إلى كلمة الحق و ليبهر كل العقول الحائرة والتي تريد من يقودها إلى المنهج الحق و لينتشل كل الأيادي المرفوعة التي تنتظر من يخرجها من أوحال الظلام و زيف الباطل ، وهو اليوم الذي كانت فيه اقامة النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم عليا أميرا المؤمنين ، وأبان فضيلته ووصايته ، فصام ذلك اليوم ، وانه اليوم الكمال ويوم مرغمة الشيطان ، ويوم تقبل أعمال المؤمنين ومحبي آل محمد ، وهو اليوم الذي يأمر جبرائيل عليه السلام ان ينصب كرسي كرامة الله بإزاء بيت المعمور ويصعده جبرائيل عليه السلام وتجتمع إليه الملائكة من جميع السماوات ويثنون على محمد وعلى أمير المؤمنين والأئمة عليه السلام ويستغفرون لأمته ومحبيهم من ولد آدم عليه السلام ، وهو اليوم الذي يأمر الله فيه الكرام الكاتبين أن يرفعوا القلم عن محبي أهل البيت ثلاثة أيام من يوم الغدير ، ولا يكتبون عليهم شيئا من خطاياهم كرامة لمحمد صلى الله عليه واله وسلم وعلى والأئمة الاطهار عليهم السلام ، وهو اليوم الذي جعله الله لمحمد وآله وذوى رحمه ، وهو اليوم الذي يزيد الله في حال من عبد فيه ووسع على عياله ونفسه وإخوانه ويعتقه الله من النار ، وهو اليوم الذي يجعل الله فيه سعى المؤمنين مشكورا وذنبهم مغفورا وعملهم مقبولا ، وهو يوم تنفيس الكرب ويوم تخطيط الوزر ويوم الحياء والعطية ويوم نشر العلم ويوم البشارة ، ويوم يستجاب فيه الدعاء ، ويوم الموقف العظيم ، ويوم لبس الثياب ونزع السواد ، ويوم الشرط المشروط ويوم نفى الهموم ويوم الصفح عن مذنبي المؤمنين. وهو يوم السبقة ، ويوم إكثار الصلاة على محمد وآل محمد ، ويوم الرضا ، ويوم عيد أهل بيت محمد عليهم السلام ، ويوم قبول الأعمال ، ويوم طلب الزيادة ويوم استراحة المؤمنين ويوم المتاجرة ،ويوم التودد ، ويوم الوصول إلى رحمة الله ، ويوم التزكية ، ويوم ترك الكبائر والذنوب ويوم العبادة ويوم تفطير الصائمين ، هو يوم التهنئة ، يهنئ بعضنا بعضا ، فإذا لقي المؤمن أخاه يقول : الحمد لله الذي جعلنا من المتمسكين بولاية أمير المؤمنين والأئمة عليهم السلام ، وهو يوم التبسم في وجوه الناس من أهل الأيمان ، فمن تبسم في وجه أخيه يوم الغدير نظر الله إليه يوم القيامة بالرحمة وقضى له ألف حاجة ، وبني له قصرا في الجنة من درة بيضاء ، ونضر وجهه ، روي عن الإمام الرضا عليه السلام انه قال : إذا كان يوم القيامة زفت أربعة أيام إلى الله كما تزف العروس إلى خدرها ، قيل : ما هذه الأيام ؟ قال : يوم الأضحى ويوم الفطر ويوم الجمعة ويوم الغدير ، وان يوم الغدير بين الأضحى والفطر والجمعة كالقمر بين الكواكب ، هو عيد تنصب الامام علي عليه السلام أميرا للمؤمنين الذي تألق غير مبالٍ بانكشاف الغطاء ، لذا حقّ أن يحبط ظلام الدنيا إن رام إطفاء نوره ، قال الأمام الصادق عليه السلام لمحمد بن مسلم الثقفي : اذهب إلى قبر أمير المؤمنين عليه السلام , وقف مقابله ، وزره بهذه الزيارة ، إلى أن يقول فيها : السلام على اسم الله ، لكن أي اسم ؟ السلام على اسم الله الرضي ، السلام على وجه الله المضي ، السلام على جنب الله القوي ، السلام على صراط الله السوي ، إلى أن يقول : السلام على نور الله الأنور , وضيائه الأزهر ، والفرق بين النور والضياء كالفرق بين نور الشمس والقمر , فالشمس مضيئة والقمر منير , لأنه يعكس نورها بنسبة بسيطة , والشمس المضيئة هنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم , ونورها الجلي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، لكن ما معنى الأنور ؟ وما معنى الأزهر ؟ هنا يحق للملائكة أن تتعجب من مقامات علي عليه السلام ومراتبه , وقد تتعجب ! ان ما ذكرناه عن أمير المؤمنين عليه السلام في هذه العجالة هو ألف باء من صفاته ، وإلا فهو في مقام أعظم , عليه السلام ، إن لعلي من الفضل ما لا يعلمه «كما ينص الحديث الشريف» إلا الله والرسول صلى الله عليه واله وسلم و مهما حاول البشر معرفه علي وتفسيره فإنهم لن يصلوا لذلك ، وقد تفرق فيه من الناس ما لم يتفرقوا في غيره بين مبغض قال يدخل النار ببغضه ومحب مغال يدخل النار بغلوه وبينهما الفرقة الناجية ، فقد سئل الشافعي عن علي عليه السلام يوماً فقال : ما أقول في رجل أخفى أعداؤه فضائله حقداً وحنقاً ، وأخفى أحبابه فضائله خوفاً وخرقاً ، فظهر من بين الفريقين ما ملأ الخافقين !!! ذاك هو علي بن أبي طالب عليه السلام , الذي يحق له عندما سمع شخصا تحت منبره يقول إني مظلوم , أن يقول له : انك ظلمت مرة , لكني ظلمت عدد المدر والحصى !! فسلام الله عليك أيها الوصي البر التقي ، السلام عليك أيها النبأ العظيم ، السلام عليك يا وصي رب العالمين ، السلام عليك يا أمير المؤمنين وقائد الغر المحجلين ، طبت حياً وشهيدا .، السلام عليك وعلى الملائكة الحافين بقبرك الشريف ،نسأل الله أن يثبتنا جميعا على هذا النهج ، ويرسخ حب أهل البيت في قلوبنا ، لنجدد هذه الذكرى كل عام ، ونأمل أن نجدد هذه الذكرى في العام القادم ونحن في حال ٍ أفضل من هذا الحال ، غدير خم ، و هو غدير ماء توقف عنده رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم بعد حجة الوداع في طريقه إلى المدينة المنورة ، وأوصى النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بأن يكون علي بن أبي طالب عليه السلام هو ( الإمام - ومولى كل مؤمن ومؤمنة ) من بعده حيث قال "من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم والي من والاه و عادي من عاداه" و قد ورد في ذلك العديد من الأحاديث لدى أهل السنة كذلك في مسند أحمد بن حنبل "حدثنا‏ ‏حسين بن محمد‏ ‏وأبو نعيم ‏المعنى‏ ‏جمع‏ ‏علي‏ ‏عليه السلام‏ ‏الناس في‏ ‏الرحبة‏ ‏ثم قال لهم أنشد الله كل امرئ مسلم سمع رسول الله‏ ‏صلى الله عليه وسلم‏ ‏يقول يوم‏ غدير خم‏ ‏ما سمع لما قام فقام ثلاثون من الناس‏ ‏وقال‏ ‏أبو نعيم‏ ‏فقام ناس كثير‏ ‏فشهدوا حين أخذه بيده فقال للناس أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا نعم يا رسول الله قال‏ ‏من كنت‏ ‏مولاه‏ ‏فهذا‏ ‏مولاه‏ ‏اللهم ‏وال‏ ‏من ‏والاه‏ ‏وعاد من عاداه‏ قال‏ ‏فخرجت وكأن في نفسي شيئا فلقيت‏ ‏زيد بن أرقم‏ ‏فقلت له إني سمعت‏ ‏عليا‏ ‏عليه السلام يقول كذا وكذا قال فما تنكر قد‏ ‏سمعت رسول الله‏ ‏صلى الله عليه وآله وسلم ‏ ‏يقول ذلك له"و كذلك ورد في مسند أحمد بن حنبل أن "حدثنا‏ ‏عفان‏ ‏حدثنا‏ ‏حماد بن سلمة‏ ‏أخبرنا‏ ‏علي بن زيد‏ ‏عن‏ ‏عدي بن ثابت‏ ‏عن‏ ‏البراء بن عازب‏ ‏قال‏ كنا مع رسول الله‏ ‏صلى الله عليه وآله وسلم‏ ‏في سفر فنزلنا بغدير خم فنودي فينا لصلاة جامعة وكسح لرسول الله‏ ‏صلى الله عليه وآله وسلم‏ ‏تحت شجرتين فصلى الظهر وأخذ بيد‏ ‏علي‏ ‏عليه السلام عنه‏ ‏فقال ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى قال ألستم تعلمون أني أولى بكل مؤمن من نفسه قالوا بلى قال فأخذ بيد‏ ‏علي‏ ‏فقال‏ ‏من كنت مولاه‏ ‏فعلي‏ ‏مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه‏ قال‏ ‏فلقيه‏ ‏عمر‏ ‏بعد ذلك فقال‏ ‏هنيئا يا‏ ‏ابن أبي طالب‏ ‏أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة‏ ‏قال‏ ‏أبو عبد الرحمن‏ ‏حدثنا‏ ‏هدبة بن خالد‏ ‏حدثنا‏ ‏حماد بن سلمة‏ ‏عن‏ ‏علي بن زيد‏ ‏عن‏ ‏عدي بن ثابت‏ ‏عن ‏ ‏البراء بن عازب‏ ‏عن النبي‏ ‏صلى الله عليه وآله وسلم‏ ‏نحوه" ، جاء في تفسير فخر الرازي ج6 ص49 في آية: «يا ايها الرسول بلغ ما انزل ‏اليك من ربك» قال : نزلت الآية في علي بن ابي طالب عليه السلام ولما نزلت هذه الاية اخذ بيده ‏وقال : من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وآل من والاه وعاد من عاداه ، فلقيه عمر ‏فقال : هنيئاً لك يا ابن ابي طالب اصبحت مولاي ومولى كل مومن ومؤمنة ، وهو ‏قول ابن عباس والبراء بن عازب ومحمد بن علي : يعني الامام محمد بن علي ‏الباقر عليه السلام ‏وجاء في المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري في ج3 ص109 وعن ‏زيد بن ارقم قال : لما رجع رسول الله (صلى الله عليه وآله) من حجة الوداع ونزل ‏غدير خم امر بدوحات فقمن فقال : كأني قد دعيت فأجبت اني قد تركت فيكم الثقلين ‏احدهما أكبر من الاخر كتاب الله تعالى وعترتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما فانهما ‏لن يتفرقا حتى يردا على الحوض، ثم قال : ان الله عزوجل مولاي وانا مولى كل ‏مؤمن ثم اخذ بيد علي رضي الله عنه فقال : من كنت مولاه فهذا واليه اللهم وآل من ‏والاه وعاد من عاداه ،  قال: وهذا حديث صحيح ، وروى حديث الثقلين ايضاً‌ احمد بن حنبل في مسنده ج4 ص366 وابن الأثير في ‏كتاب اسد الغابة ج 2ص12 والكثير من المحدثين وعلماء التفسير ،‏ وجاء في كتاب وفاء الوفاء ج2 ص1018 للسمهودي قال : ومنها مسجد بعد ‏الجحفة واظنه مسجد غدير خم ، قال الأسدي : بعد ما تقدم عنه وعلى ثلاثة اميال من ‏الجحفة يسرة عن الطريق حذاء العين مسجد لرسول الله صلى ‌الله عليه وآله ‏وبينهما الفيضة وهي غدير خم وهي على اربعة اميال من الجحفة ،‏ وقال عياض : غدير خم تصب فيه عين وبين الغدير والعين مسجد للنبي صلى‌ الله ‏عليه وآله ، وقال السمهودي : وفي مسند احمد عن البراء بن عازب قال : كنا عند النبي صلى ‏الله عليه وآله فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح لرسول الله صلى ‏الله عليه وآله تحت شجره فصلى الظهر واخذ بيد علي وقال : الستم تعلمون اني ‏اولى بالمؤمنين من انفسهم ؟ قالوا : بلى ، قال: يد علي وقال : اللهم من كنت ‏مولاه فعلي مولاه ، اللهم وآل من والاه وعاد من عاداه ، قال : فلقيه عمر بن الخطاب ‏بعد ذلك فقال : هنيئاً يا ابن ابي طالب اصبحت وامسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة ،‏ وبعد تلك الخطبة قام المسلمون جميعا يهنؤون امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام ، قال العلامة المجلسي رحمه الله تعالى في كتاب البحار ج21 ص386: وكان ‏السبب في نزوله في هذا المكان نزول القرآن عليه بنصب امير المؤمنين علي بن ‏ابي طالب عليه السلام خليفة في الأمة من بعده وعلم الله عزوجل انه ان تجاوز ‏غدير خم وانفصل عنه كثير من الناس إلى بلدانهم فاراد الله ان يجمعهم لسماع ‏النص على أمير المؤمنين ، ومنذ ذلك اليوم اصبح يوم غدير خم وهو اليوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة يوم يحتفل فيه المسلمين بعيد الولاية وتنصيب علي بن ابي طالب عليه السلام خليفة من بعد الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم واصبح هذا اليوم هو العيد الثالث للمسلمين بعد عيد الفطر وعيد الأضحى ، في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة سنة عشرة للهجرة ، جمع النبي الأكرم  صلى الله عليه وآله وسلم  المسلمين عند رجوعه من الحج في مكان يسمى غدير خم ، وخطبهم خطبة مفصلة ، وفي آخر خطبته قال : ألستم تعلمون أني أولى بكل مؤمن من نفسه ؟ قالوا : بلى ، فأخذ بيد علي فقال : اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه فلقيه عمر بعد ذلك فقال : هنيئا لك يا بن أبي طالب ، أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة ، وروي ايضا أن النبي صلى الله عليه وسلم  في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة الحرام في العام العاشر من الهجرة النبوية عند رجوعه من حجة الوداع إلى المدينة المنورة ، نزل عند غدير في أرض تسمى " خم " وأمر برجوع من تقدم عليه وانتظر وصول من تخلف عنه ، حتى اجتمع كل من كان معه صلى الله عليه وسلم  وكان عددهم سبعين ألفا أو أكثر ، ففي تفسير الثعلبي وتذكرة سبط ابن الجوزي وغيرهما : كان عددهم يومئذ مائة وعشرين ألفا وكلهم حضروا عند غدير خم ، وكان ذلك تنفيذا لأمر الله تعالى كما ورد في تفسير الآية يا أيُّها الرسولُ بلِّغْ ما اُنزِلَ إليكَ مِن ربِّكَ وإنْ لم تَفعلْ فما بلّغتَ رسالتَه ، واللهُ يَعصِمُكَ مِن الناسِ إنّ الله لا يَهدي القومَ الكافرين  فصعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم منبرا من أحداج الابل ، وخطب فيهم خطب عظيمة ، ذكرها أكثر علماء المسلمين والمحدثين في مسانيدهم وكتبهم الجامعة ، وذكر في شطر منها بعض الآيات القرآنية التي نزلت في شأن أخيه علي بن أبي طالب عليه السلام ، وبين فضله ومقامه على الأمة ، ثم قال : معاشر الناس ! ألست أولى بكم من أنفسكم ؟ قالوا : بلى ، قال : من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، ثم رفع يده نحو السماء ودعا له ولمن ينصره ويتولاه فقال : اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله ، ثم أمر صلى الله عليه وسلم  فنصبوا خيمة وأجلس عليا عليه السلام  فيها وأمر جميع من كان معه أن يحضروا عنده جماعات وأفرادا ليسلموا عليه بإمرة المؤمنين ويبايعوه ، وقال (صلى الله عليه وسلم لقد أمرني ربي بذلك ، وأمركم بالبيعة لعلي عليه السلام ، ولقد بايع في من بايع أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير ، فأقام ثلاثة أيام في ذلك المكان ، حتى أتمت البيعة لعلي عليه السلام ، حيث بايعه جميع من كان مع النبي صلى الله عليه وسلم  في حجة الوداع ، ثم ارتحل من خم وتابع سفره إلى المدينة المنورة ، ومن الابيات الشعرية الخالدة لحسان بن ثابت ماقاله في عيد الغدير ومنها :
 
يناديهم يوم الغدير نبيهم ... بخم فأسمع بالرسول مناديا
 
وقد جاء جبرائيل عن أمر ربه ... بأنك معصوم فلا تك وانيا
 
وبلغهم ما أنزل الله ربهم ... اليك ولا تخشى هنالك الأعاديا
 
فقام به إذ ذاك رافع كفه ... بكف علي معلن الصوت عاليا
 
فقال: من مولاكم ووليكم ... فقالوا: ولم يبدوا هناك تعاليا
 
إلهك مولانا وأنت ولينا ... ولم تلق منا في الولاية عاصيا
 
فقال له: قم ياعلي فإنني ... رضيتك من بعدي إماما وهاديا
 
فمن كنت مولاه فهذا وليه ...فكونوا له أنصار صدق مواليا
 
هناك دعا اللهم وال وليه ... وكن للذي عادى عليا معاديا
 
فيارب انصر ناصريه لنصرهم ... إمام هدى كالبدر يجلو الدياجيا
 
ان صلة المسلمين في عيد الغدير تتجلى في أمرين مهمين  الأول : أنه ليس صلة هذا العيد بالشيعة فحسب ، وإن كانت لهم به علاقة خاصة ، وإنما اشترك معهم في التعيد به غيرهم من فرق المسلمين : فقد عده البيروني في الآثار الباقية في القرون الخالية : 334 : مما استعمله أهل الإسلام من الأعياد ، وفي مطالب السؤول لابن طلحة الشافعي : 53 : يوم غدير خم ، ذكره  أمير المؤمنين  في شعره  ، وصار ذلك اليوم عيدا وهو قوله عليه السلام :
 
محمد النبي أخي وصنوي وحمزة سيد الشهداء عمي
 
وجعفر الذي يضحي ويمسي يطير مع الملائكة ابن أمي
 
وبنت محمد سكني وعرسي منوط لحمها بدمي ولحمي
 
وسبطا أحمد ولداي منها فأيكم له سهم كسهمي
 
سبقتكم إلى الإسلام طرا على ما كان من فهمي وعلمي
 
 فأوجبت لي ولايته عليكم رسول الله يوم غدير خم
 
فويل ثم ويل ثم ويل لمن يلقى الإله غدا بظلمي
 
ذكر هذه الأبيات العلامة الأميني في كتابه الغدير 2 : 25 - 30 ، وذكر من رواها من أعلام العامة : الحافظ البيهقي المتوفى 458 ه‍ ، وأبو الحجاج يوسف بن محمد المالكي المتوفى حدود 605 في كتابه ألف باء 1 : 39 ، وأبو الحسين الحافظ زيد بن الحسن الكندي الحنفي المتوفى 613 في كتابه المجتنى : 39 ، وياقوت الحموي في معجم الأدباء 5 : 266 ، ومحمد بن طلحة الشافعي المتوفى 652 في مطالب السؤول : 11 ، وسبط ابن الجوزي الحنفي المتوفى 654 في تذكرة خواص الأمة : 62 ، وابن أبي الحديد المتوفى 658 في شرح نهج البلاغة 2 : 377 ، إلى ستة وعشرين نفر ممن رواها من أعلام العامة ، وقال ( وكل معنى أمكن إثباته مما دل عليه لفظ المولى لرسول الله صلى الله عليه وآله فقد جعله لعلى ، وهي مرتبة سامية ، ومنزلة سامقة ، ودرجة علية ، ومكانة رفيعة ، خصصه بها دون غيره ، فلهذا صار ذلك اليوم يوم عيد وموسم سرور لأوليائه )  
 
تفيدنا هذه الكلمة اشتراك المسلمين قاطبة في التعيد بذلك اليوم ، سواء رجع الضمير في ( أوليائه ) إلى النبي أو الوصي صلى الله عليهما وآلهما ، أما على الأول : فواضح ، وأما على الثاني : فكل المسلمين يوالون أمير المؤمنين عليا شرع ، سواء في ذلك من يواليه بما هو خليفة الرسول بلا فصل ، ومن يراه رابع الخلفاء ، فلن تجد في المسلمين من ينصب له العداء ، إلا شذاذ من الخوارج مرقوا عن الدين الحنيف ، وتقرئنا كتب التاريخ دروسا من هذا العيد ، وتسالم الأمة الإسلامية عليه في الشرق والغرب ، واعتناء المصريين والمغاربة والعراقيين بشأنه في القرون المتقادمة ، وكونه عندهم يوما مشهودا للصلاة والدعاء والخطبة وإنشاد الشعر على ما فصل في المعاجم ، ويظهر من غير مورد من الوفيات لا بن خلكان التسالم على تسمية هذا اليوم عيدا : ففي ترجمة المستعلي ابن المستنصر 1 : 60 : فبويع في يوم عيد غدير خم ، وهو الثامن عشر من ذي الحجة سنة 487 ، وقال في ترجمة المستنصر بالله العبيدي 2 : 223 : وتوفي ليلة الخميس لاثنتي عشر ليلة بقيت من ذي الحجة سنة سبع وثمانين وأربعمائة رحمه الله تعالى ، قلت : وهذه الليلة هي ليلة عيد الغدير ، أعني ليلة الثامن عشر من ذي الحجة ، وهو غدير خم ، بضم الخاء وتشديد الميم - ورأيت جماعة كثيرة يسألون عن هذه الليلة متى كانت من ذي الحجة ، وهذا المكان بين مكة والمدينة ، وفيه غدير ماء ويقال : إنه غيضة هناك ، ولما رجع النبي   صلى الله عليه وآله  من مكة شرفها الله تعالى عام حجة الوداع ووصل إلى هذا المكان وآخى علي بن أبي طالب عليه السلام قال : على مني كهارون من موسى ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، وقال الحازمي : وهو واد بين مكة والمدينة عند الجحفة  به غدير عنده خطب النبي صلى الله عليه وآله ، وهذا الوادي موصوف بكثرة الوخامة وشدة الحر ، وهذا الذي يذكره ابن خلكان وهو الذي يعنيه المسعودي في التنبيه والإشراف : 221 بعد ذكر حديث الغدير بقوله : وولد علي عليه السلام وشيعته يعظمون هذا اليوم ،  ونحوه الثعالبي في ثمار القلوب  بعد أن عد ليلة الغدير من الليالي المضافات المشهورة عند الأمة  بقوله ص 511 : وهي الليلة التي خطب رسول الله صلى الله عليه وآله في غدها بغدير خم على أقتاب الإبل ، فقال في خطبته : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ،  قال تميم بن المعز صاحب الديار المصرية المتوفى 374 من قصيدة له ذكرها الباخرزي في دمية القصر : 38 :
 
 
 
تروح علينا بأحداقها حسان حكتهن من نشر هنه
 
 
 
نواعم لا يستطعن النهوض إذا قمن من ثقل أردافهنه
 
 
 
حسن كحسن ليالي الغدير وجئن ببهجة أيامهنه
 
 
 
ومما يدل على ذلك : التهنئة لأمير المؤمنين عليه السلام من الشيخين وأمهات المؤمنين وغيرهم من الصحابة بأمر من رسول الله صلى الله عليه وآله ، الأمر الثاني : إن عهد هذا العيد يمتد إلى أمد قديم متواصل وجاء في دمية القصر وعصرة أهل العصر 1 : 113 ، ط مؤسسة دار الحياة وفي قائل هذه الأبيات كلام تجده في هامش ص 111 و 175  ، بالدور النبوي ، فكانت البدأة به يوم الغدير من حجة الوداع بعد أن أصحر نبي الإسلام صلى الله عليه وآله بمرتكز خلافته الكبرى ، وأبان للملا الديني مستقر إمرته من الوجهة الدينية والدنيوية ، وحدد لهم مستوى أمر دينه الشامخ ، فكان يوما مشهودا يسر موقعه كل معتنق للإسلام ، حيث وضح له فيه منتجع الشريعة ، ومنبثق أنوار أحكامها ، فلا تلويه من بعده الأهواء يمينا وشمالا ، ولا يسف به الجهل إلى هوة السفاسف وأي يوم يكون أعظم منه ؟ وقد لاح فيه لاحب السنن ، وبان جدد الطريق ، وأكمل فيه الدين ، وتمت فيه النعمة ، ونوه بذلك القرآن الكريم ، وإن كان حقا اتخاذ يوم تسنم فيه الملوك عرش السلطنة عيدا يحتفل به بالمسرة والتنوير وعقد المجتمعات وإلقاء الخطب وسرد القريض وبسط الموائد كما جرت به العادات بين الأمم والأجيال ، فيوم استقرت فيه الملوكية الإسلامية والولاية الدينية العظمى لمن جاء النص به من الصادع بالدين الكريم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ، أولى أن يتخذ عيدا يحتفل به بكل حفاوة وتبجيل ، وبما أنه من الأعياد الدينية يجب أن يزاد فيه على ذلك بما يقرب إلى الله زلفى من صوم وصلاة ودعاء وغيرها من وجوه البر ، ولذلك كله أمر رسول الله صلى الله عليه وآله من حضر المشهد من أمته ، ومنهم الشيخان ومشيخة قريش ووجوه الأنصار ، كما أمر أمهات المؤمنين ، بالدخول على أمير المؤمنين عليه السلام وتهنئته على تلك الحظوة الكبيرة بإشغاله منصة الولاية ومرتبع الأمر والنهي في دين الله ،
 
ومن القصائد المشهورة التي نظمت بمناسبة عيد الغدير قصيدة الشاعر الأمير أبو فراس الحمداني المتوفى 357 هـ التي قال فيها :
 
الحق مهتضم والدين مخترم * وفئ آل رسول الله مقتسم
والناس عندك لأناس فيحفظهم * سوم الرعاة ولا شاء ولا نعم
إني أبيت قليل النوم أرقني * قلب تصارع فيه الهم والهمم
وعزمة لا ينام الليل صاحبها * إلا على ظفر في طيه كرم
يصان مهري لأمر لا أبوح به * والدرع والرمح والصمصامة الحذم 
وكل مائرة الضبعين مسرحها * رمث الجزيرة والخذراف والعنم 
وفتية قلبهم قلب إذا ركبوا * وليس رأيهم رأيا إذا عزموا
يا للرجال أما لله منتصر * من الطغاة؟ أما لله منتقم
بنو علي رعايا في ديارهم * والأمر تملكه النسوان والخدم
محلئون فأصفى شربهم وشل * عند الورود وأوفى ودهم لمم 
فالأرض إلا على ملاكها سعة * والمال إلا على أربابه ديم
فما السعيد بها إلا الذي ظلموا * وما الشقي بها إلا الذي ظلموا
للمتقين من الدنيا عواقبها * وإن تعجل منها الظالم الأثم
أتفخرون عليهم لا أبا لكم * حتى كأن رسول الله جدكم؟!
ولا توازن فيما بينكم شرف * ولا تساوت لكم في موطن قدم
ولا لكم مثلهم في المجد متصل * ولا لجدكم معاشر جدهم
ولا لعرقكم من عرقهم شبه * ولا نثيلتكم من أمهم أمم 
قام النبي بها (يوم الغدير) لهم * والله يشهد والأملاك والأمم
حتى إذا أصبحت في غير صاحبها * باتت تنازعها الذؤبان والرخم
وصيروا أمرهم شورى كأنهم * لا يعرفون ولاة الحق أيهم
تالله ما جهل الأقوام موضعها * لكنهم ستروا وجه الذي علموا
ثم ادعاها بنو العباس ملكهم * ولا لهم قدم فيها ولا قدم
لا يذكرون إذا ما معشر ذكروا * ولا يحكم في أمر لهم حكم
ولا رآهم أبو بكر وصاحبه * أهلا لما طلبوا منها وما زعموا
فهل هم مدعوها غير واجبة؟ * أم هل أئمتهم في أخذها ظلموا؟
أما علي فأدنى من قرابتكم * عند الولاية إن لم تكفر النعم
أينكر الحبر عبد الله نعمته؟ * أبوكم أم عبيد الله أم قثم؟!؟!
بئس الجزاء جزيتم في بني حسن * أباهم العلم الهادي وأمهم
لا بيعة ردعتكم عن دمائهم * ولا يمين ولا قربى ولا ذمم
هلا صفحتم عن الأسرى بلا سبب * للصافحين ببدر عن أسيركم؟!
هلا كففتم عن الديباج سوطكم * وعن بنات رسول الله شتمكم؟ 
ما نزهت لرسول الله مهجته * عن السياط فهلا نزه الحرم؟
ما نال منهم بنو حرب وإن عظمت * تلك الجرائر إلا دون نيلكم
كم غدرة لكم في الدين واضحة * وكم دم لرسول الله عندكم
أنتم له شيعة فيما ترون وفي * أظفاركم من بنيه الطاهرين دم
هيهات لا قربت قربى ولا رحم * يوما إذا أقصت الأخلاق والشيم
كانت مودة سلمان له رحما * ولم يكن بين نوح وابنه رحم
يا جاهدا في مساويهم يكتمها * غدر الرشيد بيحيى كيف ينكتم؟ 
ليس الرشيد كموسى في القياس ولا * مأمونكم كالرضا لو أنصف الحكم
ذاق الزبيري غب الحنث وانكشفت * عن ابن فاطمة الأقوال والتهم 
باؤا بقتل الرضا من بعد بيعته * وأبصروا بعض يوم رشدهم وعموا
يا عصبة شقيت من بعد ما سعدت * ومعشرا هلكوا من بعد ما سلموا
لبئسما لقيت منهم وإن بليت * بجانب الطف تلك الأعظم الرمم 
لاعن أبي مسلم في نصحه صفحوا * ولا الهبيري نجا الحلف والقسم 
ولا الأمان لأهل الموصل اعتمدوا * فيه الوفاء ولا عن غيهم حلموا 
أبلغ لديك بني العباس مالكة * لا يدعوا ملكها ملاكها العجم
أي المفاخر أمست في منازلكم * وغيركم آمر فيها ومحتكم؟
أنى يزيدكم في مفخر علم؟ * وفي الخلاف عليكم يخفق العلم
يا باعة الخمر كفوا عن مفاخركم * لمعشر بيعهم يوم الهياج دم
خلوا الفخار لعلامين إن سئلوا * يوم السؤال وعمالين إن عملوا
لا يغضبون لغير الله إن غضبوا * ولا يضيعون حكم الله إن حكموا
تنشى التلاوة في أبياتهم سحرا * وفي بيوتكم الأوتار والنغم
منكم علية أم منهم؟ وكان لكم * شيخ المغنين إبراهيم أم لهم؟ 
إذا تلوا سورة غنى إمامكم * قف بالطلول التي لم يعفها القدم
ما في بيوتهم للخمر معتصر * ولا بيوتكم للسوء معتصم
ولا تبيت لهم خنثى تنادمهم * ولا يرى لهم قرد ولا حشم 
الركن والبيت والأستار منزلهم * وزمزم والصفى والحجر والحرم
وليس من قسم في الذكر نعرفه * إلا وهم غير شك ذلك القسم
 
هذا موجز عن عيد الغدير الذي ظل خالدا في قلوب المؤمنين رغم الظروف السياسية القاسية التي جرت على المسلمين في الصدر الأول من الإسلام في عصر بني أميّة ، واهتمام الحكام يومئذٍ بالتعتيم والتكتم على فضائل الإمام أمير المؤمنين عليّ عليه السلام ، فقد شاء اللّه تعالى أن ينشر حديث الغدير ، ويتولّى الصحابة والتابعون لهم بإحسان وطبقات المحدّثين والعلماء بعدهم رواية هذا الحديث حتى استفاض نقله وشاع مما لا يدع مجالاً لإشكال أو تشكيك ، فهنيئا للمسلمين في كافة ارجاء المعمورة بهذا العيد العظيم اعاده الله على الامتين الاسلامية والعربية بالخير والتوفيق ، اللهم آمين يارب العالمين .
 
khalidmaaljanabi@yahoo.com

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


خالد محمد الجنابي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/11/14



كتابة تعليق لموضوع : عيد الغدير ، عيد الولاية والموالاة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net