صفحة الكاتب : د . صادق السامرائي

كان لي وطن!!
د . صادق السامرائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

كان لي وطن

علمني العزة والكرامة والمهابة والكبرياء والإباء , والشموخ وأوردني سوامق العلاء , وعلمني أن الحياة جد وإجتهاد ومسيرة عزة وإصرارٍ ورقاء.

كان لي وطن

شربت فيه من ينابيع المحبة والأخوة والألفة الإنسانية والحضارية , وتنعمت بأريج نفحات الصيرورات البهيجة الرقراقة , التي تعطر أروقة الأيام وتمنح البسمة والضحكة , وترسم البهاء وتنطق بكلمات الوفاء والأمل والرجاء.

كان لي وطن

ترعرت في ربوعه , وتدفأت بأحضانه , وسعيت في سهوله وهضابه  , وتسلقت جباله وتلاله ونخيله , وعبقت من نسمات رياحه الغربية والشرقية , ولعبت على ضفاف أنهاره , وسبحت في مياهه , وتنعمت بجمال مساءاته وضحى أيامه.

كان لي وطن

نتسابق في رباه مع الأطيار الجميلة , ونعشق حمائمه ونوارسه وعضافيره وطير السنونو واللقالق والبط وطيور الماء المهاجرة , والقطى وأطيار القمري والقبرة والدراج , ونترنم مع أمواج أنهاره ونصطاد الأسماك ونانس ببعضنا ونضحك ونحن في غمرات المباهج والسرور.

كان لي وطن

إنطلقت في مدارسه , ومكتباته ونواديه , وكلياته وجامعاته , ومقاهيه وحلقات الإبداع الروحي والمعرفي المنورة بالعقول الفياضة المعارف والإدراك , والتغني بالوطن والتراب والسماء والماء , والشواهد العمرانية ذات المسيرات الطويلة في أعماق العصور البشرية.

كان لي وطن

أتباهى بملويته وأتأملها , وأتعلم منها معاني الشمم والتلاحم والتعاضد والتماسك والإندماج,  للوصول إلى الأهداف المنشودة والوقوف قويا صامدا بوجه التحديات العواصف الشديدة , فكانت تعلميني أن الحياة تمسّك بالمبادئ وقبض على القيم والمعاني السامية , ولمها وضمها والتنامي بها والتسامق بطاقاتها للوثوب نحو آفاق المطلق الفسيح.

كان لي وطن

 أرى في صباحه الشمس تشرق مرتين , من أفق السماء الشرقي ومن قبة ذهبية تعكس أشعة الحياة وتضقرها وتنثرها صفراء ندية ذات نفحات روحية , ونبضات شعور بالقوة والقدرة على صناعة الأطيب والأجمل , وبناء المجد المضيئ.

كان لي وطن

أجوب مدنه من الجنوب إلى الشمال , ومن الشرق إلى الغرب , كالطير المغرد الولهان , الذي يبث عشقه في سهوله وأهواره وأنهاره وحول شط العرب , وفي الجبال الشامخة والوديان الطافحة بالأزهار وبألوان الحياة المتضاحكة المتغرغرة بالألحان والأنغام الفواحة بعبق النماء والسناء.

كان لي وطن

درست في جامعاته , فكانت باقة زهور عربية إنسانية ذات ألوان متنوعة , فتعلمت فيها معنى الوجود الإنساني , وروعة التواصل مع الدنيا , فكان معنا طلبة من جميع الدول العربية والإسلامية والغربية وحتى من أمريكا , فكانت الجامعة تجمّع عولمي مصغر نتعلم فيه معنى السلوك الحضاري السامي المعاصر المتفاعل البديع.

كتن لي وطن

لا يسأل الواحد منا الآخر عن دينه ومذهبه وملته , بل كنا جميعا نذوب في وعاء وطن , وروح مواطن , وقيمة حياة ذات إرادة متظافرة وناهضة نحو مستقبل واعد , مفعم بالعطاءات الأصيلة والإبتكارات القديرة التي تساهم ببناء النفس الكبيرة والروح العزيزة , فكان أصدقائي من جميع الملل والأديان والمذاهب , وما تحدثنا يوما عن موضوع فيه ضرر , حتى سألني بعد عقود أحد الزملاء مازحا وهو يقول : أتحداك إن كنت تعرف من أي مذهب أنا؟!!

ضحكنا وما عرفت الجواب!!

كان لي وطن

رضعت من أثدائه حليب العروبة والشهامة والغيرة الوطنية , والأمل والإقدام والتوثب والتحدي والإيمان بالقدرة على صناعة الحياة , وطن علمني أن المستحيل كلمة غير موجودة في اللغة العربية , وأنها دخيلة وعلينا أن نرفضها وننكرها , ونكون مثلما نريد أن نكون.

كان لي وطن

ومن أضاع وطنه , في قلبه يأويه!!

فأين الوطن يا أمةً تقاتل أوطانها , وتمزق أبدانها , وتنكر إنسانها؟!!


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . صادق السامرائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/12/13



كتابة تعليق لموضوع : كان لي وطن!!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net