صفحة الكاتب : علي حسين الخباز

قراءة انطباعية في بحث.. (تصدع المجتمع الإسلامي في القرن الأول الهجري.. للسيد نبيل الحسيني)
علي حسين الخباز

اقتران البحث التاريخي في علم حديث العهد مثل (الانثروبولوجيا) يجعلنا نرتبط ارتباطاً وثيقاً بالمجتمع الإنساني، وهذا الارتباط يضعنا أمام البنى الأساسية والقيم السائدة، وخاصة عندما نقرأ عبر خطبة الحسين (عليه السلام). وفي واقعة كربلاء مقاربة بما توصل اليه عالم الاجتماع فرنسيس فوكوياما، نجد أن هذه البحوث والدراسات تمثل تأكيداً على إمكانية ولوج علم الاجتماع الى العمل التطبيقي القادر على تحديد علاقة التأثير بين منظور العلوم الاجتماعية والإنسانية الأخرى. سماحة السيد نبيل الحسيني قدم لنا الأسباب التي دفعته للبحث في سلوك الانسان هناك تركيز على مفردة الانسان أي غض النظر عن الخاقيته؛ لأن النظر البحثي سيتجه الى ثقافته ونشاته الاجتماعية ودراسة هذه الثقافة وأنماطها وآثارها وإمكانية نقلها الى مجتمع آخر الوقوف بتأمل امام هذه الجملة يأخذنا الى عمق القضية التي يريد أن يعرضها الباحث، وهي نقل المجتمع الى مجتمع آخر بمعنى انه لم ينظر الى الانسان ككائن بذاته، انما هو كائن اجتماعي يحيى في مجتمع معين له ميزاته الخاصة مكانياً وزمانياً، لا بد من دراسة النظم الاجتماعية من مناحي متعددة لنصل الى مفاهيم تكوينية الفكر، وأنماط القيم وأنساق فكرية كونت عاداته, تقاليده, مظاهر, سلوكه العام. ولهذا يرى السيد الباحث أن الإنسان محكوم بما ينقل اليه من أفكار ومضامين وسلوك، والمسألة هي في تحديد أصول التغيير الذي يحدث للمجتمعات، والبحث في عناصر التغيير التي أسست انتقالة سلوك المجتمع المسلم في القرن الهجري الأول. وقبل الدخول الى مفهوم هذه الانتقالة، عمل السيد الباحث بالبحث عن إشكالية هذا الموروث الثقافي الذي نشأ على المغايرة (النمط الأول قدم هذا المجتمع بأنه خير القوم نقلاً عن شهادات البخاري، ومسلم واحمد بن حنبل، وغيرهم يزعمون بقول النبي (عليه الصلاة والسلام): (خيركم قرني ثم الذي يلونه ثم الذي يلونه). وقيل انه قال (ص): (إن بعدكم قوم يخونون، ولا يأتمنون، ويشهدون، ولا يستشهدون...) هذا النوع الأول الذي يتحدث عن ثقافة المجتمع في القرن الهجري الأول, ومشكلة علم الانثروبولوجيا هي النظر الى ما هو قائم لا الى ما يجب أن يكون عليه الأحوال الاجتماعية والثقافية. الآن هذه الاستشهادات قدمت لنا المجتمع المسلم في هذا القرن لمميزات متبلورة المعنى.. إذن، أين هي المشكلة..؟ يركز السيد الباحث الى وجود نمط مغاير وباستشهادات الكثير من علماء الشيعة: كالشيخ الكليني, الطوسي, الشريف الرضي، وغيرهم.. نقلاً عن حديث أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) حين وارى بضعة النبي الزهراء (عليها السلام) حول وجهه الى قبر رسول الله(ص)، وهو يخاطب النبي بخطاب يكشف عن معدن ذئاب عبثة في حق سيدة نساء العالمين: (بعين الله تدفن ابنتك سرا). الى الله المشتكى يا رسول الله، وفيك أحسن العزاء.. هذا النمط الثاني المغاير ومن هذه المغايرات نستطيع أن نستنبط مجموعة من المفاهيم التي تعزز لنا أهمية البحث؛ كونها ترشدنا الى وجود ظاهرة عامة تعرضت لها أجيال للقرن الأول الهجري ألا وهي التصدع التي تماهى مع ما توصل اليه العالم فرنسيس فوكوياما، فهو أحد الفلاسفة المعاصرين، وصاحب كتاب التصدع العظيم مقاربة بما عرضه سيد الشهداء الحسين (عليه السلام) في خطبة يوم الطف العظيم عندما واجه جمع الكوفة؛ لأن سماحة السيد الباحث يريد أن يحيط بالموضوع احاطة كاملة، فهو يشخص بعض الظواهر البنائية التي ترتكز في ذهنية البعض ليصحح مسارات المعلومة ويرسخ مفهوم مجتمع الكوفة (الكوفة حاضرة الجند أيام الفتوحات)، فأصبحت معظم القبائل العربية مثل القبائل اليمينية والحجازية وما جلب من ارض فارس في زمن الخليفة عمر بن الخطاب هذا التنوع احدث مغايرة في هذه الأنماط الثقافية شخصها الحسين (عليه السلام): (سحقاً لكم يا عبيد الأمة، وشذاذ الأحزاب، ونبذة الكتاب، ومحرفي الكلمة، وعصبة الآثام، وبقية الشيطان، ومطفئي السنن، وملحقي العثرة بالنسب). يحتوي الخطاب على ثلاثة مكونات أساسية: الأول: تصنيف الذات، وعملية تصنيف الذات هي عملية تنظيم لمدركات الأفكار, الصور, الاتجاهات, من خلالها تحدث عملية الانتماء، وتنصف الذات في المجتمعات الإنسانية بتنوع الانتماءات فيها الى الجماعة. والمكون الثاني: هو النشأة الاجتماعية، والمكون الثالث المثاقفة، ثم نظر الى الكون الأول الذي حدده الامام الحسين (عليه السلام): (سحقا يا عبيد الأمة وشذاذ الأحزاب) العبودية والشذوذية هي حالة اجتماعية واحدة المعنى أن مجموعة من القبائل ليسوا من أهل الكوفة الأصليين، وانما هم من اليمن والحجاز، جاءوا الى الكوفة للمشاركة في الفتوحات الإسلامية، والشذوذ هنا الشذوذ عن الهوية الإسلامية، والهوية الاجتماعية، واصبحوا ضمن مكون ثقافي آخر وهو الجاهلية التي رسمتها الأحزاب المجتمعة بقيادة معاوية للقضاء على الإسلام. ويرى بعض العلماء أن هناك إمكانية انشاء ثقافة مغايرة تضمن لهم اشباع حاجاتهم الأساسية المادية والنفسية والحاجات النفسية تابعة لمكونات الوعي، ولذلك نجد أن أغلب الدراسات اتخذت نظرية تصنيف الذات من خلال إيجاد صور مشتركة يسميها الباحث أوجه التشابه وقوله (ص): (من أحب عمل قوم حشر معهم). وهذه النظرية أشار اليها الحسين (عليه السلام) حين أشار الى التركيبة الثقافية الاجتماعية لهذا المجتمع. يرى السيد الباحث أن المكون الثاني النشأة الاجتماعية، وأثرها ودورها في تكوين الطباع، واعتمد هذا المكون على مجموعة اكبر من العناصر المكونة لثقافة الانسان في المجتمع الكوفي والمجتمع الإسلامي خلال القرن الهجري الأول تكشف عن طبيعة النشأة والاجتماع. والمعروف أن هناك أنماطاً سلوكية غير سوية من الممكن أن يجنح بعيداً عن السلوكيات, عادات سلوكية تكشف عن صعوبة النشأة والاجتماع بهؤلاء ان كان سببا لتكوين الطباع السيئة، تعبيرات عن البنى الاجتماعية تحدث دائماً. علم الاجتماع يبين حياة المجتمع وتأثره بعوامل كثيرة، ولكنها ملتقية بعوامل الماضي, وهناك طرق وأساليب تخلق المغايرة، فالأمر يحتاج الى تربية عملية مجتمعية توصل الباحث الى نتيجة أن ليس هناك نموذج تربوي مثالي، وإنما يتبع لتعديلات التأثير الزماني والمكاني، لنصل الى وجود مجموعة من الحالات الجسمية والذهنية والأخلاقية لابد من تنميتها لدى الطفل. وهذا النط أشار اليه الحسين (عليه السلام) في خطبته (وملحق العثرة بالنسب) والقضية معروفة بإلحاق معاوية الى ابي سفيان، ولذلك قوله (عليه السلام): ألا أن الدعي ابن الدعي.. يؤكد أن هناك عوامل بدأت مخالفة للقرآن، ومخالفة للقوانين السماوية، ومخالفة لما جاء به النبي (ص)، تمكن الباحث من موضوعه، فمنحنا صيغاً لغوية حارة، استطاعت تقديم رؤى الإمام الحسين(عليه السلام)، مقترنة بأحدث ما توصل اليه علم الاجتماع، وركز على قضية التثاقف، ومصطلح المثاقفة يحيلنا الى جملة من المصطلحات, الغزو الثقافي, التبادل, هناك مثاقفة مبنية على محو الآخر واستبعاده، وفرض التبعية عليه، وهذه المثاقفة هي التي عمل عليها معاوية بزج ثقافة جديدة، حيث أفرغ بيوتات الولاء أبعد كل من يميل الى محبة علي بن أبي طالب(عليه السلام) أخرجهم بيتاً بيتاً من الكوفة. ويقال انه اخرج خمسين الف بيت بعضهم الى خراسان، وبعضهم الى فلسطين، وأشد الناس على علي بن ابي طالب في صفين هذه البيوتات التي قاتلت في صفين، ونقل بيوتات من أهل الشام الى الكوفة، ليحدث هذا التغيير. وذكر السيد الباحث في مسألة زرع معاوية لسجاع المدعية للنبوة في مجتمع الكوفة، واطلق لها العنان لصنع ثقافة مغايرة، وجعل شبث بن ربعي هو الرجل المعروف بين اهل الكوفة، مؤذناً لسجاع وداعيا لنبوتها، وليوصل المجتمع الى قمة مأساته، ليقف عمر بن سعد يوم العاشر من محرم ويصيح: يا خيل الله اركبي وبالجنة ابشري.. ولنستخلص من هذا البحث القيم أن المغايرة يعني المخالفة والمغايرة عاثت بمسائل القرن الأول الهجري، وغيرت الكثير من البنى الإنسانية والايمانية


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي حسين الخباز
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/12/10



كتابة تعليق لموضوع : قراءة انطباعية في بحث.. (تصدع المجتمع الإسلامي في القرن الأول الهجري.. للسيد نبيل الحسيني)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net