صفحة الكاتب : مسلم عباس الشافعي

ماذا بعد تهويد القدس؟: قراءة في السيناريوهات المحتملة
مسلم عباس الشافعي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

اعلن الرئيس الامريكي دونالد ترامب، الاعتراف رسميا بمدينة القدس عاصمة لاسرائيل، وسط حالة من الغليان الشعبي العربي والاسلامي تنديدا بهذا القرار، وقال ان "القدس عاصمة انشأها اليهود في السابق وهي مكان الحكومة الإسرائيلية الحديثة"، مؤكدا انه اوعز ببدء الاستعداد لنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس.

القرار الذي اوقف العالم على قدم واحدة منذ ايام، كان مثل عود الثقاب الذي اشعل كل شيء، فالمحور العربي الاسلامي الرافض لهذه الخطوة اعلنها ثورة من التصريحات التي تدين باشد العبارت ووصفتها بانها مبثابة اعلان حرب على الاسلام ويجب على جميع الشعوب الاسلامية اخذ دورها في التصدي للوجود الامريكي في الشرق الاوسط.

لكن أي مستقبل للمنطقة بعد كل ما حدث؟ وهل سيكون نقطة تحول تاريخية فعلا؟

القرار كان في صالح فلسطين اكثر من اسرائيل فالقدس هي عاصمة اسرائيل الفعلية منذ سبعون عاما وتمارس فيها كل ما يحلو لها بدون الحاجة لهذا الاعتراف الشكلي الذي قال ترامب انه تاخر لمدة عشرون عاما نتيجة عدم شجاعة الرؤساء السابقين، فقد حركت هذه الحركة القوية قضية الفلسطينيين التي رقدت في رفوف النسيان وسط زحمة الازمات في المنطقة وتسارعها، انه جاء في القوت الذي تفرغ حزب الله من الحرب وانهت ايران مهمتها ضد داعش في العراق وسوريا، وثبتت اقدامها على الحدود مع اسرائيل.

من المتوقع ان تشهد الساحة العربية والاسلامية ثورة شعبية على شكل تظاهرات وحملات اعلامية كبيرة رفضا للخطوة الامريكية، ومصالح واشنطن معرضة لاقصى مستويات الخطر، وهي مستعدة لهذا السيناريو الاسود بالتاكيد، اذ صرح المتحدث باسم القيادة المركزية الأمريكية، بول ماكليري، أن "الولايات المتحدة الأمريكية لديها خطط طوارئ في حال اندلاع عنف"، وبحسب تقرير مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، تقول القيادة الأمريكية إنها تشارك في "التخطيط الدقيق" في حالة العنف، فيما تتأهب وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) للأسوأ. وقال مسؤولون أمريكيون إنه تم إرسال فرق إضافية من مشاة البحرية الأمريكية إلى عدد من السفارات الأمريكية فى الشرق الأوسط كإجراء وقائي.

امريكا تخوض هذه الايام حروبا على جهات متعددة قد لا تستطيع تحقيق انتصارات فيها مهما كانت قوية ومقتدرة عسكريا واقتصاديا وسياسيا، فالعدو هذه المرة ليس فلسطيني او سوري او عراقي، انما هؤلاء سوف يكونوا مجرد رأي عام ضاغط ضد واشنطن، انما القضية تتعلق بصراع دولي اكبر لا يمكن تحقيق الانتصار فيه اعتماد الصدام والمواجهة كاستراتيجية وحيدة، وهناك عدة اطراف مستفيدة واخرى تخسر مما حدث لكنها لا تخرج من اطار الصراع:

اولا: روسيا ومعسكرها سوف تستفيد من الخطوة الامريكية فالحرب المقبلة في المنطقة تقوم على عملية اعادة التموضع ورسم خارطة النفوذ من جديد، وهي قد قررت خوض النزال مبكرا وحسمت حربها في سوريا، وثببت اسطولها في طرطوس السورية وتبحث عن حل سياسي عبر منصة سوتشي، لتعلن سيطرتها رسميا على سوريا وضمها الى منطقة نفوذها، ويوما بعد اخر تزداد سمعتها لدى الشعوب العربية باعتبارها البديل الافضل لامريكا. كما انها اعلنت مسبقا عدم اعترافها بالقدس عاصمة لاسرائيل.

ثانيا: ما هو اكبر من الصراع الروسي الامريكي يدور بين امريكا واوربا، فالقارة العجوز تشعر بالتهميش والتحقير بشان دورها العالمي وخصوصا في منطقة الشرق الاوسط، اذ لم تؤيد الرئاسة الفرنسية قرار ترامب ووصفته "بالأحادي والمؤسف وفرنسا لا تؤيده"، واعتبرته بانه يتناقض مع القانون الدولي وقرار مجلس الامن التابع للامم المتحدة. والقرار يندرج ضمن حالة الاستهتار من قبل واشنطن وعدم احترام الاتفاقيات التي وقعت عليها مع بروكسل وعواصم القرار الاخرى.

ثالثا: الانظمة العربية الحاكمة التي تبشر بالتطبيع مع اسرائيل ستجد نفسها مضطرة لتاخير هذه الخطوة لمدة طويلة فاذا ما استمرت هذه العملية وتم تطبيقها بالفعل قد تشعل انتفاضة فلسطينية تزيد من الامور تعقيدا.

رابعا: تركيا سوف تركب الموجة وتعلن نفسها المدافع الاول عن مقدسات المسلمين اذ هددت صراحة بانها قد تقطع علاقاتها مع اسرائيل في حال اعتراف ترامب بالقدس عاصمة اسرائيلية، فالعلاقات بين الطرفين اصلا متوترة جدا واتهم الرئيس رجب طيب اردوغان واشنطن بالتخطيط ليس لاستبدالها بالاكراد بل تتهمها باستخدام الجماعات الارهابية من اجل استهداف الوجود التركي في المنطقة، وهو انهاء عملي للتحالف بين انقرة وواشنطن.

خامسا: ايران وحلفائها هم الرابح الاكبر من هذه الخطوة وفي هذا الوقت تحديدا، اذ انها ستبعد الحملات الاعلامية السعودية والخليجية التي تتهمها بالتدخل في الشؤون العربية، وسوف تستخدم ورقة القدس من اجل اثبات رؤيتها المعاكسة بالدفاع عن فلسطين.

ترامب يمزق السجادة الحمراء التي فرشت لامريكا طوال السنوات التي اعقبت سقوط الاتحاد السوفيتي، ويشجع الدول الكبرى على التمرد على قرارات البيت الابيض، ويرسم صورة للولايات المتحدة المتمرة على الاعراف والقوانين الدولية التي اسست لها بنفسها. فالبيت الابيض لا يعترف اليوم بالاتفاق النووي الايراني الذي اقرته الدول الكبرى، وهو يتخذ مسارا تصعيديا ضد كوريا الشمالية ويستفز الصين، وهو يشعل حربا دينية في الشرق الاوسط ويوحد المسلمين ضد اسرائيل التي تعتبر "عمليا" احدى الولايات الامريكية.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مسلم عباس الشافعي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/12/09



كتابة تعليق لموضوع : ماذا بعد تهويد القدس؟: قراءة في السيناريوهات المحتملة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net